سلوى زكزك – دمشق
تقف منى لتقول بضع كلمات تعتبرها زبدة الكلام: (الآن عرفت ما معنى جندرة الدستور، ولماذا).
كلماتها الغائمة كانت تعني موقفاً واضحاً وموافقاً على ضرورة صياغة دستور حساس للجندر، وهنا يعلن السؤال الأهم عن نفسه، إلى من توجهنا حين طالبنا بدستور مجندر؟ من شاركنا الرؤية والمطامح؟ ومن وضع معنا إصبعه على الجرح؟ كما عبرت الكثيرات والدهشة تغمرهنّ عندما أعلنّ أنهنّ وللمرة الأولى يسمعن عبارة الجندر! والأهم أنهنّ وللمرة الأولى يشعرن بأنّ الدستور ممكن التعديل، وبأنه ليس لغزاً فلسفياً أو قراراً سياسياً تحتكره قوى بعيدة عنّا بعد الشمس عن الأرض.
في لبنان تعرفت السوريات إلى نمطٍ جديدٍ من الحياة، الدموع في المُقل مجرد شاهد عيان على صدمة التعرف إلى الحقيقة، والكلام يتداخل بشجونه وتعمّ الفوضى المكان الضيق وكل الصراخ لتنظيم درب الآلام المسفوح كحكايات تبدأ ولا تنتهي، غير مجد أبد.
قوانين الإرث وقانون العقوبات وقوانين الأحوال الشخصية لكل الطوائف والتي تستند أصلاً إلى مادة دستورية تنصّ على أن تكون حقوق الطوائف مرعية ومصانة، كلها أبواب تفتح على مصراعيها لتقول سلمى: (طول عمري بدعي على أمي وبقلها أنت السبب بحرماني أنا وأخواتي النساء من إرث والدي).
لماذا هذه الحالة الصراعية بينك وبين أمك يا سلمى؟ أمي تحب الصبيان وتدللهم، لكن الشرع والقانون هو من يقف وراء تصرف أمك الذي تحول إلى عرف يطيح حتى بأي تعديل منصف قد يطرأ على قانون الإرث مثلاً كمن يرفض توريث بناته وشقيقاته رغم أن القانون ينص ليس على حق الإرث وفق قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين بل يساوي بينهما في الإرث، لكنها لا توافق، هي مأسورة بالعلاقة الضيقة داخل أسوار البيت، تظن أن كل ما هو خارجه لا يحق للمرأة سلوكه ولا يحق لها الاعتراض على حكم وشرع الله وسلطة القانون؟؟؟ لكنها بعد كل هذا الجدال صرخت قائلة: هل يحق لي الاعتراض؟ كان الجواب بنعم طبعاً، لكنها عادت وقالت لا أملك مصاريف رفع الدعوى وسينعتني المجتمع بالطمّاعة وستحرمني أمي حتى من زيارتها وستغضب علي وسيحرمني أخوتي من المشاركة بجنازة أمي وأبي.
حتى الاعتراض يبدو فعلاً ذكورياً، تقول منار: مجتمعنا ذكوري وأنا مضطرة لاتباع وسائل الضغط العاطفية والتوسل ليوافق زوجي على تسجيل ابنتي في الإعدادية وعندما أصرّ على الرفض هددته بالطلاق ومهري مرتفع وأعرف ضيق ذات يده. الآن بعد انتقالنا إلى لبنان وخسارته لعمله، وعجزه عن فتح بيتين لبناته الأربع ولزوجة جديدة، تضيف قائلة تخيلوا أن عائلة زوجي وخاصة نساءها بدلاً من أن يثمنّ جهودي لمواصلة بناتي لحقهن في التعلم كي لا يعشن حياتي ولا يذقن ضعفي وصفنني بأنني فاجرة وأهدد زوجي بالطلاق.
تبحث جمانة بلهفة ونحن نستعرض التعديلات الجديدة على عقد الزواج عن عبارة يحق للمرأة أن تذكر بالشروط الخاصة بالعقد عدم زواج زوجها بامرأة أخرى إلا بموافقتها، تصاب بخيبة فهذه المادة تعارض الشرع الذي يعتبر أحد مصادر الدستور ولا يمكن تجاهله أو نسف أحد قوانينه وهو الزواج بأربعة ودفتر العائلة مزود بأربع صفحات للزوجات!! نعم الزوجات من واحدة إلى أربعة، هذا هو روح حماية الطوائف، أن يكون تعدد الزوجات مصاناً ومرعياً بالدستور وليس للنساء إلا الريح، لابل يذهب العرف إلى ظلم أشدّ حين تقول إحدى النساء هذا حق للرجال حسب الشرع وتضيف لو أنني لا أنجب لخطبت لزوجي بنفسي وتعطي أمثلة من مجتمعها على ذلك.
في رحلة اللجوء تعاني السوريات من التزام المحاكم اللبنانية عند اللجوء إليها بنصوص القانون اللبناني والتي سبقتها بالمعنى الإيجابي بعض التعديلات على القوانين السورية مثل سن الحضانة الذي مازال عند الثالثة عشرة سنة للبنت حسب القانون اللبناني بينما وصل بعد التعديل في القانون السوري إلى سن الخامسة عشرة على أن تخيّر الفتاة وكذلك الفتى في من سيكون الحاضن لهما، والتخيير قضية مهمة وحساسة وتحقق فوائد منظورة وملموسة من جهة ضغط الأب على المحكمة تحت ذرائع متعددة. كذلك فإن المهر في المحاكم الشرعية اللبنانية يسجل على ذمّة الزوج بالذهب، والمصيبة أنه وعندما يكون المهر باهظ الكلفة وأعلى من مقدرة الزوج على سداده، يقوم الزوج بكافة المعيقات لوقف وعرقلة إجراءات دعوى الطلاق أو تسويفها أو الضغط على الزوجة للتنازل عن المهر للموافقة على الطلاق. وهذه هي حالة روان التي يتنكّر زوجها حتى لنفقة ابنته الرضيعة بذريعة أنه يرغب بعودة زوجته وابنته إلى بيت العائلة حيث كانوا يعيشون وأنها هي من تركت البيت ولا يوافق أبداً على استئجار بيت خاص به وبزوجته وابنته.
وتبدو الضربة الأكثر ألماً هي اضطرار النساء السوريات للعمل وهنّ بلا مؤهلات علمية أو وظيفية وفي ظل رفض رجال العائلة لعملهن، ومن تعمل بالعمل الخاص المقتصر على الرعاية والأعمال المنزلية والطبخ أو في الأعمال الزراعية تفقد أجرها مرات ومرات فقط لأنها بلا حماية ومن تعمل بعقد يكون أجرها أقل من مثيلاتها اللبنانيات. تروي هنادي بأن زوجها قرر توقيفها عن العمل بورشة جلديات مديرتها وعاملاتها كلهنّ نساء لكن سائق حافلة النقل من المشغل إلى بيتها وبالعكس هو رجل مما سيدفع الجوار للتكلم عنها بصفة سيئة خاصة وأن بيتها في آخر مسار النقل مما يضطرها لتكون وحيدة مع السائق لقليل من الوقت، والنهفة أن الجوار يستندون في رواياتهن الاتهامية حسب زعم زوجها إلى أن السائق هو نفسه صباحاً ومساء وأن السوريات يرضين بأي رجل مهما كانت العلاقة ليؤمنّ مورداً مالياً.
يبدو النزوح والتهجير هو أشد أشكال التمييز ضد النساء في كل العالم حيث تتحول الانتهاكات بحقهن عرفاً مؤبداً ولصيقاً. لا شيء يقتل الروح كما الوصمة، ولا شيء يضاعف الظلم والتمييز سوى قوانين جائرة مرعية باستبداد الاستلاب الديني، ولا عدالة السياسي وعجزه عن تأمين وتحقيق المساواة للنساء والرجال في دستور وطني واحد جامع وإنساني.
خاص بشبكة المرأة السورية