تحقيق: لجين العرنجي / مخيمات البقاع-لبنان
لا يخفى عن أي مهتّم أو متابع ما عانته العائلات السورية النازحة من المناطق الساخنة بالعموم في أي مكان نزحت إليه، وخاصة في المخيمات التي انتشرت في شمال حلب على الحدود التركية، وفي لبنان والأردن وغيرها. هذه المعاناة متغيرة طرداً مع كل ما تقرره الحكومات والبلدان حول حقوق اللاجئات/ين، فهي اليوم معاناة مختلفة عن معاناة 2012 مثلاً.
استطلعت شبكة المرأة السورية هذه المتغيرات في معاناة العائلات السورية والمرأة السورية في مخيمات اللجوء (منطقة البقاع / لبنان).
أخبرتنا “سمر” 40 عاماً، تقيم في مخيم الرحمة: “كانت الحياة صعبة في المخيم ولا تزال، لم نستطع أن نغير شيئاً في واقع معيشتنا، استطاع زوجي سابقاً العمل لأوقاتٍ متقطعة، إلا أنه في هذه الفترة عاطل عن العمل. أنا أخرج من المخيم يومين إلى ثلاثة أيام أسبوعياً للعمل في السهل (زراعة وحصاد البطاطا والخس والبقدونس….)، أجني من عملي هذا 10 آلاف ليرة لبنانية يومياً، وعندما أعود للمخيم بعد يوم عمل شاق دام من الصباح للمساء، يشاركني الشاويش (زعيم المخيم) أجري هذا، بحيث يأخذ منه 4 آلاف ويترك لي الباقي لأعيش منه أنا وعائلتي المكونة من 5 أفراد، وطبعاً هذا المبلغ وهذا الواقع مزري للغاية”.
نسيبة 38 عاماً، مقيمة في مخيم الأبرار، قالت لنا: “نحن 8 أفراد في الخيمة، عائلتي وزوجي مع أمه وأخته، عمل زوجي لفترة من الوقت في الباطون، إلا أنه بعد الحملة الاخيرة على العمال السوريين لم يستطع العمل مجدداً، أخرج أنا وابنتي الكبيرة وأخته للعمل في السهل في بعض أيام الأسبوع – نحن وحظنا – وتجني كل واحدة منّا 5 آلاف لبناني، يجتزئ الشاويش من كل واحدة منا عند عودتنا مساء ألفين لبناني ويترك لنا الباقي، هذه المبالغ التي تصرف مباشرة لحاجتنا الماسه للكثير من المواد الغذائية وغيرها. وفي الآونة الأخيرة زادت مداهمات الجيش اللبناني لنا في المخيمات لتزيد قلقنا طوال الليل حتى الصباح”.
فطمة 22 عاماً، تقيم في مخيم “ميس الريم”، أخبرتنا عن معاناتها: “أقطن أنا وأخي وأمي وأبي في خيمتنا. كنا نعاني من شحّ في المساعدات الغذائية، وأحياناً من خلو الخيمة من المواد الغذائية بشكل كلي تقريباً، خاصة بعد أن أصبحت مساعدات الـ UN لنا بسيطة مقارنة بالسابق، علماً أن هناك العديد من العائلات التي تنال مساعدات أفضل من الذي تقدّم لنا برغم أن الحال واحد. ثم أننا أنا وأمي أصبحنا ننام يومياً بحجاباتنا (غطاء الرأس) في الخيمة بسبب مداهمات الجيش اللبناني للخيم بدون أي استئذان أو مراعاة أو حرمة للخيمة المغلقة، هذا يرعبنا بشدة، حتى أن أخي الصغير أصبح يبول في ثيابه من خوفه من هذه الحالة التي تكررت مراراً”.
“سمية” 36 عاماً، تقيم في مخيم “تل وزة”، شرحت لنا: “يخرج زوجي منذ حوالي الساعة الثالثة صباحاً من المخيم ليعود بعد آذان المغرب إلينا، هذا ما يفعله هو وكثير من الرجال في الفترة الأخيرة ليقينا أية إشكالات ممكن أن تحدث أثناء مداهمات الجيش لخيمنا بحجة الأوراق والإقامات. لا نشعر بالاستقرار والأمان أبداً. من ناحية أخرى، بتنا نخشى اقتراب الخريف لأنه سيتّبع بشتاء قاس نقضي فيه على الأقل شهراً متقطعاً بتشرد وعذاب وبرد قارس، لطالما كنا نقول أنَّ المطر خير! بعد سكننا للمخيم بات المطر همّاً ثقيلاً على قلوبنا”.
“فاتن” 55 عاماً، مخيم “الساروت”: “نزحت إلى لبنان بعد استشهاد زوجي في الداخل السوري، عانيت كثيراً بأول سنوات نزوحي والمعاناة الأكبر كانت من وحدتي ضمن مجتمع ذكوري، فالمخيم هو مصغر لمجتمعي الأصلي بشرياً، إلا أن المختلف أن الظروف جعلت مني امرأة أخرى لا تشبهني فيما سبق. لم تكن تجربة النزوح بالسهلة، بل يمكنني وصفها بالمريرة، إلا أنها برغم ذلك جعلتني أرى الحياة بشكل مختلف ومنحتني قوة مختلفة لتحدي كل ما هو سائد وساذج. أخطط للعودة قريباً جداً، فلم يعد يناسبني وضع النزوح المتعب هنا، إلا أنني عندما أعود سأكون امرأة متحدّية للمجتمع والظروف”.
أخبرتنا “دانيا” 33 عاماً، عاملة في الدعم النفسي الاجتماعي في جمعية “سوا للتنمية والإغاثة”: “أخبرك وللأسف أن نسبة البطالة مرتفعة بين رجال ونساء المخيمات بالعموم، هناك توزيع غير دقيق للمساعدات من الـ UN، بالإضافة لحالة غير مستقرة بما يخص قضية تعليم الأطفال، إلا أنه منذ فترة تبنت الأمم المتحدة فتح مدارس مسائية (بعد الظهر) للسوريين حصراً بسبب سوء معاملة الأطفال وخاصة المتوجب عليهم التسجيل حديثاً في المدارس. عدة جمعيات تحاول ضمن هذه الظروف السيئة نشر ثقافة التوعية الحقوقية للمرأة والطفل، وأكثر ما يشغلنا في الوقت الراهن (سوا للتنمية والإغاثة) هو التجهيز المسبق للحالات الطارئة (خطة طوارئ) خلال الشتاء والعواصف لتأمين مواد للتدفئة والشوادر والفرش الأرضية…، لتفادي تكرار ما حدث في السنوات السابقة، حيث لجأ أهل المخيمات لمراكز الجمعيات للإقامة فيها بظروف سيئة وتوقف النشاطات كلياً حتى نهاية العاصفة، من المفترض أن تكون المخيمات حالة مؤقتة يلجأ إليها الإنسان، إلا أنها مستمرة للسنة العاشرة تقريباً للأسف الشديد وبالتالي يستمر تعب الإنسان السوري طوال هذه المدة”.