Search
Close this search box.

اقتصاد الظلّ

اقتصاد الظلّ

تحقيق: كبرياء الساعور

غازي عنتاب – تركيا

في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعيشها آلاف الأسر السورية في تركيا، تواجه اللاجئات السوريات ضغوطاً يومية في كفاحهن من أجل البقاء، والسعي لتلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهن من غذاء ومأوى. تصبح معها عملية الحصول على فرصة عمل مهمة شاقة، لأسباب تتصل بمشكلة اللغة والحصول على تصاريح عمل. لذا اضطرت الكثير من النساء السوريات، للعمل في اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير الرسمي، والقبول بشروط غير عادلة.

تبيّن منظمة العمل الدولية، أن أحد أوجه اقتصاد الظل هو تشغيل عمالة غير منظمة، محرومة من جميع حقوق العمالة النظامية، (الحد الادنى من الأجور وتحديد ساعات العمل والضمان الاجتماعي).

كما تشير الدراسات إلى ارتفاع نسب النساء العاملات في دول اللجوء، عما كان عليه الحال في سورية، وذلك وفقا لارتفاع أعداد العائلات التي تعيلها النساء. فبحسب بعض الدراسات فإن هذه الفئة تتميز بنقص مستوى التعليم والافتقار للمهارات المهنية، لذا تعمل غالبيتها في القطاعات الهامشية والاقتصاد غير الرسمي.

أيدي عاملة رخيصة غير محمية

لعل الهدف الأول لأصحاب العمل، هو تحقيق أعلى نسبة من الأرباح، عبر خفض تكلفة الإنتاج، بطرق متنوعة من بينها الحصول على أيدي عاملة رخيصة، ولقد وفرت موجات اللجوء السوري اليد العاملة غير المتمتعة بالحماية القانونية، في ظل غياب الإنصاف. حيث يفضل أصحاب العمل توظيف السوريين بطرق غير قانونية، للاستفادة من العمالة الرخيصة. ولعل اليد العاملة الأرخص، هي العمالة المنزلية النسائية، التي تفتقر للمهارات المهنية وتعمل بأدنى الأجور، محرومة من كافة الحقوق.

تنتشر ورشات العمل المنزلي بكثرة في الأحياء الفقيرة من مدينة غازي عنتاب، التي يتواجد فيها السوريون بكثافة. وتتنوع الأعمال التي تشتغل بها النساء في المنزل، بين أعمال النسيج والخياطة، (تعريش وتلصيق بريق) التغليف و الأمبلاج، شك الخرز، تعبئة مواد غذائية، وصناعة الأحذية… وغيرها.

التقينا بعدة سيدات تحدثّن لشبكة المرأة عن واقع العمل في المنزل:

 تحكي سارة وهي شابة سورية في العشرين من عمرها، بأنها تحلم بإكمال تعليمها، والتقدم لامتحان الثانوية العامة، لكن أولويات العيش تحول دون ذلك. تعيش سارة مع عائلتها المكونة من ثلاثة عشر فرداً، في أحد أحياء مدينة عنتاب، تعمل مع والدتها وأختها في المنزل بالقطعة، بأشغال متنوعة، مثل التغليف وشك الخرز والأحذية، وتعبئة الملوخية. تجني العائلة لقاء عملها دخل يومي يتراوح بين 15 و30 ليرة تركية. تقول سارة: “لا خيارات لدينا بنوعيه العمل أو الأجر، نحن مجبرات على العمل، لمواجهة تكاليف المعيشة”.

تعمل أسرة سارة بشكل رئيسي في مجال حشو وتغليف سنادات الرأس (وسائد) للسيارات، من مختلف الموديلات، يقوم صاحب العمل بإحضار البضاعة بكميات كبيرة، (حيث تشغل حيز كبير من المنزل الذي يسكنونه)، وذلك لقاء أجر متواضع، إذ يبلغ أجر تعبئة وتغليف ثمانية وسائد، 2 ليرة تركية، وفق ظروف عمل تفتقر لشروط السلامة والصحة المهنية، حيث ينتشر غبار المواد الصناعية المستخدمة في التعبئة في جو المنزل. ونظراً لتدني نوعية هذه المواد، تتفاقم آثارها السلبية على الصحة، وتتسبب بضيق التنفس وغيرها من الأمراض التنفسية، تقول سارة: “في بعض الأحيان لا يكاد الأجر الذي نحصل عليه يغطي ثمن فاتورة الدواء”.

كما تعمل العائلة أيضاً، مع العديد من العائلات السورية الأخرى، في شك الخرز. يجلب الوسيط البضاعة من مشاغل وورشات الخياطة ويقوم بتوزيعها على النساء. وتقول سارة: “هذا النوع من العمل متوفر بشكل مستمر تقريباً، لكن مردوده ضعيف جداً، فعلى سبيل المثال يستهلك انجاز قطعة واحدة ساعة ونصف، مقابل 15 قرش.

تشتغل النساء في أشهر الصيف بالملابس الشتوية، وفي الشتاء يشتغلن في الملابس المعدة لفصل الصيف، أغلب هذه الملابس معدة للتصدير (لا يصرح الوسيط عن اسم الماركة الفعلي).

زينة شابة سورية، في الثالثة والعشرين من عمرها، لم تتمكن من إكمال تعليمها، نظرا لظروف اللجوء، تعمل في شك الخرز والأحذية (خياطة وجه الحذاء أو دق المسامير) تعيش مع أسرتها المكونة من سبع أفراد، قالت زينة لشبكة المرأة السورية أن العمل شاق يستنزف ساعات النهار، حيث تضطر للاستيقاظ في الصباح الباكرç تعمل هي وزوجة أخيها مع أختها التي بدأت هذا العمل مضطرة بسبب إصابة زوجها التي حرمته من القدرة على العمل الشاق، حيث يعمل بدوام جزئي في أحد المطاعم، بدخل لا يف تكاليف السكن والمعيشة. وتشترك أسرة زينة مع أكثر من خمسة عشر عائلة سورية في نفس مجال العمل.

أم ابراهيم سيدة في عقدها الخامس، من مدينة حلب، قتل ابنها في الحرب، تعمل مع ابنتها في مجال الأحذية، قالت لشبكة المرأة أنها تبدأ العمل من الصباح الباكر وحتى المساء، وفي أحيان كثيرة تضطر لمواصلة العمل حتى منتصف الليل لإنهائه. تحصل مقابل ذلك على دخل يومي يتراوح بين 60 و70 ليرة تركية. تشكو أم إبراهيم من آلام الرقبة والظهر، فضلاً عن التعب والإنهاك النفسي.

وبصدد الحديث عن الصعوبات، أجمعت السيدات اللواتي قابلتهن على أن أبرز الصعوبات في عملهن هي:

ساعات العمل الطويلة، وتدني الأجور، وعدم استمرارية العمل، فضلاً عن الأمراض المهنية من آلام الظهر والرقبة، بسبب الجلوس لساعات طويلة.

الوسيط واستغلال جهود النساء:

اشتكت النساء من استغلال الوسطاء، الذين يقومون بتوزيع العمل عليهن، و يقاسموهن الأجر بنسبة قد تصل إلى 50%حيث يلجأ أصحاب العمل الى التعاقد من الباطن، من خلال وسطاء وسماسرة.

ويتذرع الوسيط بأنه مسؤول عن سلامة البضاعة، ونقلها وتسليمها، وأي نقص يعرضه للمساءلة أمام أصحاب العمل. وهناك بعض النساء اللواتي استطعن التعامل مباشرة مع المنتج، لكن الكثيرات لم يجدن بديل عن القبول بالتعامل مع الوسطاء بشروط قاسية.

 فضلن العمل في المنزل لتجنب مشكلات أماكن العمل فوقعن في فخ الاستغلال:

مازالت الثقافة المجتمعية في البيئات المحافظة، تحد من خروج المرأة للعمل خارج المنزل، وتقبل الكثير من النساء بالعمل في المنزل بشروط مجحفة وأجور زهيدة، على ما أخبرتني به السيدات اللاتي قابلتهن، لأن العمل في المنزل يتيح للأمهات رعاية أطفالهن، ويجنبهن المشكلات، التي تواجه المرأة خارج المنزل، من نقص المواصلات الآمنة للعمل، ومخاطر التعرض للتحرش الجنسي، والمعاملة السيئة.

حياة مستنزفة:

تتحول البيوت التي تشتغل فيها النساء الى ورشات عمل صغيرة، يختلط مكان العيش بأعباء العمل. تتداخل المهام المطلوبة من النساء وتتعدد الأدوار الاجتماعية، فكثرة الأعباء تفرض على النساء توزيع ساعات نهارهن بين العمل والواجبات المنزلية المفروضة عليهن. وينعكس ذلك بطبيعة الحال على اجتماعات العائلة تصير الأجواء مشحونة بالعصبية، بسبب الاجهاد المتواصل، ونقص فترات الراحة المطلوبة لتجديد قوة العمل، كما يمتد هذا التأثير الى رعاية الأطفال. تحدثت إحدى السيدات عن الضغوط التي تعيشها، وكيف أنها لا تجد وقت للراحة، والعناية بأطفالها، الذين حرموا من الذهاب للحديقة، وقضاء وقت في اللعب. وتبين الدراسات التأثير السلبي للعمل في المنزل، حيث تعيش العاملات المنزليات عزلة اجتماعية، ونقص في التفاعل، وحرمان من العلاقات الاجتماعية، قد يؤدي الى الانسحاب من الحياة الاجتماعية.

لم تنل ظاهرة العاملات المنزليات حقها من الدراسة، والاهتمام الذي تستحقه، وهذه دعوة لمنظمات المجتمع المدني، وخاصة المعنية بتمكين المرأة لتسليط الضوء على الواقع القاسي الذي تعيشه هذه الفئة والعمل على نشر الوعي وتقديم الدعم القانوني والسعي الفعلي لمساعدة النساء للوصول لسوق العمل لإيجاد فرص عمل ووسائل بديلة لكسب العيش عبر المشاريع الصغيرة، والتصدي للتمييز بالأجور، وحمايتهن من مخاطر التحرش الجنسي، وتوفير رعاية للأطفال، وكل ما من شأنه الحدّ من الاستغلال البشع للنساء.

خاص بشبكة المرأة السورية

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »