Search
Close this search box.

حين تخوننا الذاكرة… فتتذكر

حين تخوننا الذاكرة… فتتذكر

سنا السلام

في خطى متسارعة تلمح أمي وجه امرأة، فتقول لي: انظري، تشبه أم بسام.

انظر إليها نظرة خاطفة وأقول: نعم حقاً تشبهها؛ ولكنها ليست هي.

في ساعات الانتظار عند طبيبة الأسنان تعود ماما مدهوشة من مشاهداتها: سبحان الله، كم أنّ الخلق متشابهون !!!

كل واحدة من النسوة ذكّرتها بشخصيات عرفتها وحفظتها حتى أبت الذاكرة نسيانها.

“ذاكرتنا يمكن أن تمحو إحساسنا بالزمان والمكان الحاضرين بأن تعرض علينا حياتنا الماضية، وفي عصر رقمي كهذا الذي نعيش فيه، نجد أنفسنا غارقين في أرشيف مهول من البيانات لا تصيغ (تصبغ) كل تجربة من تجاربنا اليومية بألوانها وحسب، بل وتمدّنا بالمعلومات المتعلقة بأي شيء ربما طواه النسيان”.

تعيد الذاكرة صياغة الحياة اليومية باستمرار، في بيوت مستأجرة رائحة العفن تفوح منها، حيث لا شيء في الغرفة إلا بطائن رمادية مختومة بطابع الأمم المتحدة، تعود بي الذاكرة لتلك البيوت الفارغة من أثاثها (حتى ملابن أبوابها وشبابيكها) حين حول الناس كل ما يملكون لرماد ليقتاتوا كيلو من الأرز بقيمة 4000 ل.س.

تقول الخالة: (والله قطع قلبي) عرضوا على اليوتيوب في مخيمات ابن حيان رجلا يبيع ولده بخمسين ألف ليرة سورية ليأكل… هل تذكرون (ابن فلان) في دوما عندما باع ابنته من أجل أن يأكل؟

“إن هذه الذكريات شاقة على النفس يا صديقي، إنها تطعن قلبك مرة ثم تبقي الجرح نازفاً إلى الأبد” دوستويفسكي.

أثناء سيري في شوارع المدينة يعلوني الشعور بالغضب والاستياء لامتلاء الأرصفة بالبضاعة؛ تهتف لي الذاكرة لعل قذيفة ما تسقط فجأة، فتراني أسرع لتخطي البضاعة والاقتراب من مداخل الأبنية…

26/10/2015 مع بدء العمليات الممنهجة في قصف الغوطة كان الموقف مشابهاً كنا نسير في شوارع المدينة وإذا بصوت عفاف يعلو وتصرخ بشكل هستيري ونركض باتجاه الأبنية يعلونا الدخان وتترامي الشظايا في كل مكان.

مازال صوت الطائرة في أذني ومازال الصراخ يعني لي الفقد…

في يناير 11/2018/12 باتت سمفونية الحرب لا تهدأ. في كل دقيقة (غارة، قذيفة، فيل، أرض أرض وسمي ما شئت من أسلحة…)

كانت مجموعتي (وين قصفت) لتوثيق الغارات لا تهدأ، وكنا نحاول بسرعة البرق تحديد أمكنة الغارات وتوثيق أسماء الشهداء، الغارة بالقرب من جامع حوا على بعد 100 متر فقط لا غير.

توقف الإرسال فجأة وحاول الجميع تخفيف هول الفاجعة، لا زال صراخ محمد ومعاذ في أذني (بدي بابااااااااا)، كان الشهيد أخي.

كل نداء يومي في مساجد المدينة ينعي فقيداً يردد اسم أخي.

توصلت دراسة جديدة إلى أن أدمغتنا يمكن أن تعمل كالبريد الالكتروني بأرشفة الأفكار في مجلد سلة المهملات، ونسيان الذكريات يمكن أن يكون نتيجة “لعملية حذف فعلية وليست للإخفاق في التذكر”

في درس (العصفور ورفاقه) يغضب الطلاب من استلاب الغراب لعش العصفور ويفرحون لخطة البلبل الحكيم (التي تشجع العصفور على استعادة عشه برفقة عشرة عصافير)

أسالهم من أخرجكم من بيوتكم؟… يعلو صوتهم ويقولون (بشااااااااار)، وهل ستسترجعون بيوتكم؟

أجل، أجل سنعود…

قلت: إن قدرتنا على عدم نسيان الماضي ومشاركته وإبقائه حياً في نفوسنا جزء أساسي لإحساسنا بالهوية، وفقدان الذاكرة يهدد صميم كينونتنا.

خاص بشبكة المرأة السورية

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »