هنادي زحلوط – نساء شمس
منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها المرأة السورية أرض فرنسا تبدأ فيها طريقاً صعباً، ربما لم تكن تتوقعه أو تتخيل صعوبته.
الفترة الأولى تمضي بمعظمها في مواعيد وإجراءات إدارية بيروقراطية طويلة في سبيل الحصول على أوراق الإقامة لها في حال كانت عازبة أو لها ولعائلتها في حال كانت متزوجة.
مشكلة السكن هي أولى المصاعب حيث أن هنالك وقتاً عليك انتظاره للحصول على مكان لدى إحدى الجمعيات التي تهتم بالمهاجرين والتي عادة ما يطلق عليها اسم cada ، لكن العائلة تكون بحاجة لمكان للمبيت فيه منذ اليوم الأول، المكان قد يكون بيت أحد أفراد العائلة المتواجدين في المدينة، أو أحد الأصدقاء، أو يكون على العائلة أو المرأة العازبة الاتصال بخدمة السكن العاجل للأشخاص الذين هم بدون مسكن، على الرقم ١١٥ المخصص لهم، ليتحدثوا إلى موظف على الخط الآخر يأخذ بياناتهم الشخصية وموقعهم الحالي ويرد بالإيجاب أو النفي حول إمكانية وجود سكن اجتماعي، أو حجز في فندق، أو إمكانية وجود مكان لدى cada.
وللتمكن من التواصل مع هذا الموظف عبر الهاتف، أو مع أي موظف، أو شخص عادي، تبرز الحاجة لإتقان اللغة الفرنسية وإن بمستوى مبتدئ، وهذه هي المشكلة الثانية التي ستستمر لفترة قد تطول، لأشهر أو لسنوات، بحسب الاستعداد الشخصي، وهي مشكلة قد تزيد من مصاعب الغربة والإحساس بالاغتراب وصعوبة التواصل وقد توقع في سوء الفهم أحياناً.
ومنذ حضورها وحدها أو مع عائلتها لطلب اللجوء لدى المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج offi تعطى مع زوجها ملفا عليها تعبئته وإرساله إلى المكتب الفرنسي للمهاجرين والمطاردين ofpra وذلك خلال واحد وعشرين يوماً من تاريخه.
في الفترة ذاتها تبدأ الاجراءات الخاصة بتسجيل الأطفال في المدرسة، والمدرسة في فرنسا إلزامية لكل الأطفال من عمر ٣ سنوات وحتى عمر ١٦ عاماً.
أما بالنسبة للأطفال تحت عمر الثلاث سنوات فتتمكن الأم في حالات قليلة من إيجاد مكان في روضة أو لدى جليسة أطفال، لأن إيجاد مكان كهذا يتطلب بالإضافة إلى مبرر قوي، كوجود دروس لغة فرنسية إجبارية تحددها الـ offi أو وجود عمل، يتطلب الأمر أيضاً الانتظار لمدة قد تطول من بضعة أشهر إلى عام.
في هذه الفترة تعاني المرأة من صعوبة اللحاق بالمواعيد الإدارية بالإضافة لعبء الأطفال الصغار وجلب الأطفال ظُهراً ليتمكنوا من تناول الطعام في المنزل وإعادتهم إلى المدرسة في الساعة الثانية، وجلبهم من المدرسة عند الرابعة تقريباً.
تستطيع أيضاً أن تضعهم ليأكلوا في المطعم المدرسي، ويمارسوا الأنشطة في فترة الحضانة بعد الظهر، لكن ذلك يتكلف فاتورة، بسعر مخفض لذوي الدخل المنخفض، وبتسجيل ملف خاص لدى البلدية، وانتظار الموافقة.
وبالطبع فإن كثيرات يطلب منهن متابعة السعي والعمل داخل المنزل وخارجه، وخارجه ما يعني متابعة الأمور الإدارية، وغالباً ما يركن كثير من الرجال لفكرة عدم العمل ويرتاحون لها، بسبب عدم وجود فرص عمل، خصوصاً قبل اتقان اللغة، فتتحمل المرأة العبء الأكبر، ويطلب إليها الاستمرار في الإنجاب، فيما يصر كثير من الرجال على احتكار القرار المتعلق بالأمور المالية، وهكذا ورغم اختلاف البلدان، ورغم وجود المرأة في بلد يعطيها حقوقها كاملة، فإن المجتمع المحيط، من جيران وأهل، وحتى وان كانوا وراء البحار، يضغطون عليها لتحمل الأعباء بل وفي مرات عديدة لتحمل عنف الزوج، اللفظي والجسدي.
تعي الكثير من المنظمات العاملة مع الأسر اللاجئة هذا الواقع وتستطيع التحدث لتوعية الزوجين بحقوقهما، والأطفال كذلك، لكنها لا تملك أي سلطة، ويبقى الثمن اجتماعياً مرتفعاً في حال قررت الزوجة طلب الطلاق أو رفع دعوى قضائية بسبب عنف الزوج.
تسجل الكثير من المنظمات المعنية طلبات متزايدة لنساء لاجئات يطلبن الطلاق من أزواجهن بعد وصولهن، وفي معظمهن تطلبن حضانة أطفالهن، على الرغم من انخفاض الموارد المالية، وهذا ما يحمل المرأة أعباء إضافية، تتحملها كثيرات مقابل استقلالهن، وكرامتهن أمام أطفالهن.
تفتقد المرأة هنا جهة ما، صديقة أو أماً، أو جهة قانونية، تستمع لبوحها، لمتاعبها، أكثر مما تحتاج من يتخذ عنها القرار، كثيرات يعين ما يؤمنه القانون الفرنسي، لكنهن يجدن صعوبة في التمتع بالحقوق التي يؤمنها ويكفلها هذا القانون، نتيجة لتضامن المجتمع غالباً مع الرجل، في حالة فكرت المرأة برفع دعوى قضائية بالانفصال أو بشكوى العنف.
كما يفرض على الفتاة كثير من القيود في ملبسها وخياراتها، بناء على مجتمعها السوري والعربي المحيط، الذي هاجر من أرضه، وأجبر على تركها، لكن اختار بعض أبنائه الاستمرار بالتمسك بعادات وتقاليد ومفاهيم بالية.
ربما يحتاج السفر من المرأة بعض الشجاعة، لكنها تحتاج الكثير من الشجاعة للاستمرار في مجابهة المجتمع والحفاظ على حقوقها، وعليها أن تعلم أن بانتظارها الكثير من التحديات، عليها أن تكون هادئة وحاسمة تجاهها، وأن يعي الرجل بالمقابل، أن الغربة في النهاية تحتاج توازناً من نوع عملي بين الزوجين، لمجابهة مصاعبها.
خاص بشبكة المرأة السورية