Search
Close this search box.

تثبيت النسب، إشكالية ملازمة للنزوح

تثبيت النسب، إشكالية ملازمة للنزوح

لجين العرنجي

يبدو أن إشكاليات النزوح لا تتوقف عند خطورة عملية النزوح بذاتها، حيث الاقتلاع من المكان والتاريخ والذاكرة، بعد سخونة المناطق عسكرياً وقصف البيوت وتدميرها، واضطرار السوريين للهروب منها، ومن ثم تعذر وجود مكان استقرار لهم، وتكاثر حاجاتهم المادية والمعنوية. إذ ينبثق عنها إشكالات عديدة فرعية بسياقات مختلفة عن بعضها البعض، لها تأثيرها العميق في سيرورة حياة النازح في أي منطقة سيستقر فيها. من بين هذه الاشكاليات، تبدت إشكالية تثبيت “الحالة الإجتماعية والنسب” التي كان لها دور كبير في ايقاع النازح بمآزق متعددة ومختلفة في شدتها، فكما يقال بالعامية “فوق الشدة عصّة قبر”. ومن هنا استطلعت شبكة المرأة السورية حالات عديدة لعدم وجود الأوراق الثبوتية التي حدثت بعد الحرب نتيجة النزوح.

أخبرتنا حنان، 39 سنة، من الغوطة الشرقية: “قصتي معقدة جداً، تزوجت عام 2003 ولم نتفق أنا وزوجي، فانفصلنا عام 2007 وفق مخالعة رضائية شرعية، إلا أننا لم نثبتها في المحكمة، من ثم تزوجت في 2009 من زوجي الثاني ضمن عقد شيخ شرعي (عرفي) إذ أن عدم تثبيت طلاقي من زوجي الأول حال دون تثبيت زواجي الثاني في المحكمة أيضاً، أنجبت ابنتي الأولى 2010 وابني الثاني2012 دون تثبيت نسبهم، وبعد 2012 لم نستطع البقاء في درعا (مكان اقامتنا) بسبب الحرب فنزحت إلى مخيم في الأردن، وهناك واجهتني الكثير من المشاكل نتيجة عدم تثبيت زواجي ونسب أطفالي، فعدنا إلى سوريا وأنجبت الطفل الثالث 2015. فيما بعد استشهد زوجي وعدت إلى الغوطة بعد انتهاء العمليات العسكرية”.

وتضيف: “الطامة الكبرى، أنني لا أستطيع تدبر أمور أطفالي البتة بدون أوراق ثبوتية، مما اضطرني على تثبيت طلاقي الأول وزواجي الثاني وأطفالي منه، فلجأت لمحامي يقوم اليوم بمساعدتي، حيث احتاجت الدعوى لتثبيت المخالعة الأولى، ومن ثم إلى حصر ارث لزوجي المتوفي لتحديد الوَرَثة كي تُرفع دعوى تثبيت الزواج ضدهم، ومن ثم لشهادات ميلاد لأطفالي الثلاثة ولا تزال الإجراءات مستمرة حتى اليوم لتثبيت نسبهم، كما أن الأحوال المادية سيئة جداً، وتعبت جداً حتى وجدت محامياً، أستطيع دفع اتعابه”.

يبدو أن الجهل بالقانون وغياب التوعية القانونية والاعتماد على ما هو شرعي والفقر، قد لعبت دوراً كبيراً في اهمال قضية تثبيت الطلاق والزواج والنسب قانونياً، ما أدى لنتائج كارثية في نهاية المطاف بعد الحرب وخاصة بعد النزوح.

أما “أم ثريا”، 35 عاماً، من سكان عقربة، قالت: “توفيت ابنتي البالغة من العمر 8 سنوات بسبب حادث سير مؤلم، وهي لم تكن قد سجلت في النفوس أو تم تثبيت نسبها بسبب أنها ولدت في بداية الأحداث، كنا دائماً نتمهل في تسجيلها مع صعوبة الحياة في عقربة واشتعالها لفترة طويلة كمنطقة ساخنة في الأحداث السورية، وهكذا لحق بها اخوتها الأربعة دون تسجيلهم، وبعد وفاتها قمنا بتثبيت ولادتها ومن ثم وفاتها بسبب تعويض مالي كنا سنحصل عليه من التأمين، ونتيجة ذلك قمنا بتثبيت نسب جميع الأولاد البقية”.

قالت رندة، 26 سنه، أم لثلاثة أولاد: “نزحت من الغوطة الشرقية في 2013 ومعي أولادي الثلاثة، فقدت هناك هويتي وكل أوراقي الثبوتية، أولادي غير مثبتي النسب وفقدان أوراقي الثبوتية زاد الطين بللاً، كما أنني فقدت اتصالي بزوجي الذي ما يزال مفقود حتى اليوم منذ خروجي من الغوطة، أعاني كثيراً في جميع أموري، أنا لا أثق بالمحامين، فكل واحد منهم يخبرك بمدة مختلفة لانتهاء قضيتك وبكلفة مختلفة أيضاً، ثم إن حالتي المادية لم تكن جيدة لأي كلفة قد تم ذكرها أمامي. عندما كنت خارج الغوطة، جددت هويتي ومنذ عودتي للغوطة الشرقية 2018 بدأت بالعمل من أجل تثبيت نسب أطفالي لتسير أمورهم بشكل قانوني”.

سميحة، 40 سنه: “نزحت من الغوطة الشرقية 2015 بعد تصعيد كبير في منطقة سكني، وعندما تم قصف منزلي لم أستطع اخراج أي أغراض منه سوى النقود التي احتفظت بها في جيوبي، بقي زوجي في الغوطة، ونزحت أنا وأطفالي الأربعة إلى جرمانا ولجأت إلى مركز الإيواء، لم يسمحوا لي في مركز الإيواء بالدخول بسبب عدم استحواذي على بيان عائلي أو أيه اوراق ثبوتية، وبعد دخولنا للمركز على كفالة أحد المحامين، تذمر هذا الأخير كثيراً عندما حاول جلب أوراق ثبوتية لنا، وتبين معه أنني عازبة، وأن أطفالي غير مسجلين بسبب الاهمال ومن ثم الحرب”.

قدم المحامي “عامر” رؤيته لشبكة المرأة السورية، بما يخص موضوع تثبيت الحالة الاجتماعية ونسب الأطفال، فقال: “هناك فئات من مجتمعنا السوري بحاجة ماسة للتوعية القانونية، فهي تعتمد على الشرع والعرف مهملة الجوانب القانونية بشكل شبه كامل، ونحن نواجه العديد من هذه الحالات، بينما نبرر الحالات التي لم يتم تثبيت زواجها أو طلاقها او أطفالها بسبب الحرب والتدمير، إلا أنها أيضاً لا تبدي الاهتمام المباشر عند وجود فرصة لتثبيت هويتها. أغلب الحالات التي قامت بالنزوح كانت قد أهملت موضوع الأوراق الثبوتية، وخاصة في الفترات التي كانت تسهل الأمور الحياتية لها دون هذه الأوراق (2014-2015)، أما عندما بدأت المدارس في السنوات الأخيرة (بعد 2016) تحتاج أوراق ثبوتية للطفلـ/ـة، وعندما شددت مراكز المساعدات كالهلال الأحمر واليونيسيف على ضرورة وجود بيانات واضحة للعائلات والأفراد، وضرورة وجود دفتر عائلة في حالات الاستئجار، فقد عرف أغلب السوريين بعض الأسباب التي تجعل من الضرورة وجود أوراق ثبوتية، من هوية ودفتر عائلة للاستمرار في حياتهم، فسارعوا إلى تثبيتها في المحاكم، وهذا سببّ إرباكات كبيرة لهم/ن، فمنهم/ن من يرهب الدوائر الحكومية ومنهم/ن من لا يملك المال لتغطية كلفة الدعاوي وخاصة المعقدة منها”.

كانت التوعية القانونية سيئة جداً في السابق، وهذا سبب رئيسي في زيادة عذاب العائلات النازحة من المناطق الساخنة، كما أن الحرب وتدمير الدوائر الرسمية والخوف والفقر، كان له دوره في تعذر سهولة الأمور أمام النازحين إضافة لكل ما عانوه.

دمشق

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »