Search
Close this search box.

تعديل قانون الأحوال الشخصية ضرورة يفرضها الواقع

تعديل قانون الأحوال الشخصية ضرورة يفرضها الواقع

إيمان أحمد ونوس

الطفولة

القوانين المعمول بها في أيّ بلد مرآة لحياة المجتمع، وتعكس تطوره الثقافي والاجتماعي والسياسي، لذا تعمل الحكومات والسلطات التشريعية على تعديل تلك القوانين بما يتوافق مع تلك التطورات.

وبما أن الأسرة هي الخلية الأساسية في كل المجتمعات الإنسانية، فقد استأثرت باهتمام علماء الاجتماع والسياسة، إضافة إلى اهتمام الحكومات والدول.

ففي سورية جاء القانون رقم 42 لعام ،2003 القاضي بإحداث الهيئة السورية لشؤون الأسرة، مواكباً للتغيّرات الحاصلة في بنية هذه الأسرة. فهو يهدف حسب المادة 2 منه إلى تسريع عملية النهوض بواقع الأسرة السورية، وتمكينها بشكل أفضل من الإسهام في جهود التنمية البشرية. إضافة إلى أن الفقرة ه من المادة ذاتها تنص على اقتراح تعديل التشريعات المتعلقة بشؤون الأسرة.

وقد كان لهذا القانون صداه الإيجابي لدى الناشطات/ ين في قضايا المرأة والطفل والمجتمع، وكانت الآمال كبيرة بإحداث تغييرات حقيقية في مجال قانون الأحوال الشخصية والقوانين الأخرى المتعلّقة بالمرأة والطفل، تغييرات تتواءم مع الدستور والاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة والتي صادقت عليها سورية.

لكن، في عام 2009 كانت الدهشة وخيبة الأمل لأولئك الذين كانوا يترقبون تلك التغييرات والتعديلات، والذين عملوا طويلاً لأجل صياغتها بشكل يتلاءم وتطور المجتمع السوري بأطيافه كافة، وذلك لظهور مسودتي مشروع قانون أحوال شخصية جديد يُرسّخ كل أسباب التمييز والعنف بأشكاله المختلفة ضدّ طرفَيْ الحلقة الأضعف (المرأة والطفل).

وتحت ضغط الناشطات/ين والهيئات والجمعيات النسائية أُوقف العمل بهاتين المسودتين، لأنه من غير المعقول بقاء خضوع الأسرة السورية إلى قوانين سُنَّت في مطلع القرن التاسع عشر (قدري باشا)، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين الذي يشهد تطوراً ملحوظاً على كل مكوّنات الأسرة (الطفل، المرأة، والرجل)، وعلى العلاقة المتبادلة بينهم وفق تطور المفاهيم والقيم الإنسانية والاجتماعية القائمة على أساس المواطنة والعلمانية.

ومن هنا، فإن العمل على تعديل وتغيير هذه القوانين، ومن ضمنها قانون الأحوال الشخصية. ضروري وواجب تقتضيه مصلحة المجتمع. ولكن أودّ قبل استعراض بعض مواد هذا القانون المتعلقة بالطفل أن أُبدي اعتراضاً طالما أبداه آخرون على بعض مفرداته، والتي لم تعد تتوافق مع لغة العصر الحالي كالنكاح، والموطوءة وضرورة استبدالها بمفردات العصر.

المواد المتعلقة بالطفل:

زواج الأطفال أو طلاقهم

المادة 16

تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر.

المادة 18/1

1- إذا ادّعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة، أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج، يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.

يتبيّن من هذه المواد تناقضها الواضح مع المادة 162 من القانون ذاته، والتي تقول: القاصر هو من لم يبلغ سن الرشد، وهي ثماني عشرة سنة كاملة.

وكذلك مع المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل والتي تنص على:

يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.

واضح من مواد قانون الأحوال الشخصية أعلاه تشجيعها على زواج الأطفال الذين هم بأمس الحاجة في هذه المرحلة الحساسة من العمر إلى الرعاية الأسرية على جميع المستويات الصحية والنفسية وتنمية المدارك والمعارف التي تحتاجها شخصية الطفل. فكيف لطفل/ قاصر(أنثى أو ذكر) لم يكمل الثامنة عشرة من عمره أن يتحمل جسده أعباء الزواج ومتغيراته النفسية والعاطفية، في حين أن التكوين الجسدي والنفسي والعاطفي لا يكتمل قبل العشرين من العمر على أقل تقدير، وهذا يُسيء إلى النمو الطبيعي للطفل/ الزوج من جهة، وللطفل الذي سيُنجبه لاحقاً. كما أنه يشجع على التسرّب المدرسي، وبالتالي ارتفاع نسب الأمية والجهل والطلاق وتردي صحة الأطفال والنساء في المجتمع. ناهيك بالعجز عن تأمين مستلزمات الأسرة المعيشية واحتياجاتها التي ستكون حتماً في الحدود الدنيا، وبالتالي تكرار الحالة وبقاء المجتمع رهينة عقلية مقيّدة إلى أعراف وتشريعات مفروضة لا تتوافق والعصر الراهن.

المادة 20

الفتاة الكبيرة التي أتمت السابعة عشرة، إذا أرادت الزواج، يطلب القاضي من وليها بيان رأيه خلال مدة يحددها له، فإذا لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار، يأذن القاضي بزواجهما بشرط الكفاءة. أيّة كبيرة هذه وعمرها لا يتجاوز السابعة عشرة؟ باعتقادي في هذه المادة تناقض لجهة مبدأ الولاية العائدة للأب حسب القانون ذاته. فكيف لها أن تتفق مع رأي القاضي برفض اعتراض الأب/ الولي ويأذن لها بالزواج دون موافقة الولي شرط الكفاءة، كما أنها تتناقض مع تحديد عمر القاصر في المادة ،162 وبالتالي لا يمكن لهذه الطفلة أن تُدرك معنى الكفاءة وهي ما زالت تحبو في طريق تكوين مفاهيمها ومداركها.

المادة 85

1- يكون الرجل متمتعاً بالأهلية الكاملة للطلاق في تمام الثامنة عشرة من عمره.

2-يجوز للقاضي أن يأذن بالتطليق، أو يجيز الطلاق الواقع من البالغ المتزوج قبل الثامنة عشرة إذا وجد المصلحة في ذلك.

هذه المادة تعجُّ بالتناقض ما بين كلمة رجل في الفقرة الأولى، واعتبار هذا الرجل قاصراً في المادة 162 من القانون ذاته، ثمّ كيف نُجيز لطفل أتمّ الثامنة عشرة أن يكون أهلاً للطلاق أو الإيقاع به وهو ما زال في مرحلة عدم النضج والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة والصائبة، لاسيما بخصوص تقرير مصير أفراد آخرين كالزوجة والأطفال؟ ثمّ ألا يُعدّ هذا تساهلاً بحق المؤسسة الزوجية حينما تتم الموافقة على زواج الأطفال من جهة، ومن جهة أخرى السماح لأولئك الأطفال بالطلاق، في حين لم يتمكنوا بعد من الإحساس بالمسؤولية؟

النسب

المادة 129

لا ينفى نسب المولود عن الزوج إلا باللعان.

إن مسألة النسب من المسائل الأساسية في حياة كل إنسان، وهذا ما تُقرُّ به المادة السابعة من اتفاقية حقوق الطفل:

1- يسجل الطفل بعد ولادته فوراً، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقّي رعايتهما.

2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولاسيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك.

إن طرق تحديد هذا النسب إن كان يُشكُّ به متوفرة بأساليب علمية تنفي وتقطع كل شك بحيث لم يعد هناك من داعٍ لكل هذه المواد المذكورة أعلاه في قانون الأحوال الشخصية، إذ يمكن ذلك عن طريق تحليل الحمض النووي DNA بدل اللجوء إلى اللعان المذكور بالقانون، وهي طريقة متخلّفة فيها إهانة للطفل أولاً، ومن ثمّ للأبوين معاً، وهذا ما يؤثّر على نفسية الطفل وثقته بنفسه وانتمائه إن كان على علم بالموضوع، مما يفقده الشعور بالأمان والحماية والانتماء. إضافة إلى أن المشرّع السوري أعطى هذا الحق للطوائف الأرثوذكسية بالمرسوم رقم 7 للعام ،2011 فلماذا لا يكون هذا المبدأ عاماً في حياة السوريين دون تمييز؟

الحضانة

المادة 137

يشترط لأهلية الحضانة البلوغ والعقل والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقاً.

كيف يستقيم شرط الأهلية في هذه المادة مع زواج الأطفال المُقرّ في قانون الأحوال الشخصية؟ إذ غالباً ما نجد طلاقاً لزوجين لم يكملا الثامنة عشرة ولديهما طفل.

المادة 138

زواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون يسقط حضانتها.

تتضمن هذه المادة تمييزاً واضحاً ضدّ الأم من جهة، وضدّ الطفل من جهة أخرى، فكيف تُحرم الأم من الحضانة إذا تزوجت، بينما لا يُحرم الأب منها إذا تزوج.؟ هل ستكون زوجة الأب أقدر على رعايته وتربيته من أمه التي سيكون بأمس الحاجة لوجوده معها (لاسيما في عمر صغير) أكثر من أيّ شخص آخر، وبضمنهم الأب في بعض الحالات.

المادة 143

لا تستحق الأم أجرة للحضانة في حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق.

في هذه المادة تناقض مع الواقع الحي للأسرة والأمومة من جهة، وعنف مادي ضدّ المرأة والطفل في حالة الطلاق. فهل رأينا يوماً أن هناك أمّاً تتقاضى أجرة حضانتها لأطفالها في حال قيام الزوجية؟ أليس في هذه المادة انتقاصاً من كرامة المرأة وأمومتها حينما نخضعها للعامل المادي البحت؟ وفي حال الطلاق ومبدأ العدة الشرعي الذي يقضي بمدة تتجاوز الأربعة أشهر، كيف لهذه الأم أن تُعيل أطفالها طيلة هذه المدة إن كانت بلا عمل؟ وكيف يكون وضع الطفل المعاشي والصحي؟ إن في هذا تناقضاً مع اتفاقية حقوق الطفل التي تقول بواجب تأمين مستلزمات حياة الطفل على والديه، ومن ثمّ على الحكومة.

المادة 144

إذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسراً عاجزاً عنها، وتبرع بحضانة الصغير أحد محارمه، خُيّرت الحاضنة بين إمساكه بلا أجرة أو تسليمه لمن تبرع.

هنا، نجد أن الطفل ما هو إلاّ سلعة يتمّ التعامل معها دون الإحساس بإنسانيته أو كرامته، كما أن الحضانة هنا ما هي إلاّ تجارة خالية من الدوافع الإنسانية تجاه هذا الطفل، وفي ذلك كل الإهانة للطفل. لأن الرعاية الأبوية واجبة في حال قيام الزوجية أو انحلالها، ولا مجال للمساومة تلك.

المادة (146)

تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام التاسعة من عمره، والبنت الحادية عشرة.

طبعاً تمّ تعديل سن الحضانة في العام 2003 وصار الولد بتمام الثانية عشرة، والفتاة بتمام الخامسة عشرة. ولكن مع ترحيبنا الكبير حينذاك بهذا التعديل، إلاّ أن الأطفال في هذه السن ما زالوا بحاجة إلى الرعاية النفسية في تلك المرحلة الحرجة- المراهقة- لاسيما من قبل الأم، فكيف نقتلع طفل/ة من حضن أمهما في هذه المرحلة الحساسة؟ ألا يقتضي هذا الوضع سن تشريعات تتوافق وهذه المرحلة من عمر الطفولة؟

إن كل ما ذكرنا يقتضي ضرورة إخراج مشروع قانون الطفل الذي وضعته الهيئة السورية لشؤون الأسرة بإشراف مختصين في جميع المجالات، على اعتبار أن المسائل المتعلّقة بالطفل السوري متناثرة في عدد من المواد بالقوانين الحالية، هذا القانون الذي ما زال حبيس الأدراج الصدئة والذهنية المقيّدة إلى تشريعات وقوانين عفا عليها الزمن، ولم تعد تتوافق وروح العصر وتأثيراته على جميع الأفراد وبضمنهم الأطفال.

.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »