Search
Close this search box.

الحاجة لحلول إغاثية لمواجهة مخاطر الأمية بحق أطفال سوريا

الحاجة لحلول إغاثية لمواجهة مخاطر الأمية بحق أطفال سوريا

سحر حويجة

يعتبر التعليم رأس مال بشري جوهري في عملية بناء المجتمعات الحديثة، والتواؤم مع العصر، وواحد من المقاييس، في قياس مستقبل التنمية، والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، حيث لا مكان للإنسان الأمي، و الأمية علامة بارزة من علامات التخلف، و من أهم العقبات التي تواجه المجتمعات التي تسعى للتقدم وتكوين مجتمعات عصرية . ولاشك أن البلدان التي تعاني من الحرب والصراعات الطائفية والسياسية التي تمتد لسين طويلة، مهددة بانتشار الأمية، حتى تتحول لكارثة تؤرق أجيالاً، إذن فالأمية مشكلة تحول بين الإنسان والحياة، وحجر عثرة في التعيير والتنمية والتفكير، والحوار والتعايش. . كما أن التعليم حق من حقوق الإنسان، ما ذنب أي إنسان في هذا العصر أن يكون أمياً غير قادراً على استخدام تقنيات العصر، أضف إلى أن التعليم حق أساسي من حقوق الطفل وفق معاهدة حقوق الطفل، في أن يتعلم وينمي ملكاته وقدراته، ويتأهل للحياة والعمل في المجتمع. إن حرمان إنسان من هذا الحق الأساسي، لا يقل أهمية عن حرمانه من الطعام والمأوى.

سوريا التي دخلت في أتون العنف منذ أكثر من ثلاث سنوات، في البداية تم إهمال قضية التعليم على أن هذا الوضع مؤقت ولا بأس من انقطاع سنة أو سنتين عن الدراسة تضحية من أجل مستقبل الوطن، لكن مرت سنوات إضافية حتى تنبه المعنيون والأهالي لخطورة الانقطاع عن التعليم، وضرورة أن تكون هناك عملية إغاثية لمواجهة مخاطر هذه الكارثة التي إن حلت على جيل من السوريين، ليس لهم ذنباً لما حصل، ستمتلئ قلوبهم كرهاً على عالم دمرهم حيث سيكونون عرضة وفريسة سهلة للوقوع في حبال الجريمة والتشدد .

التعليم في سوريا قبل الحراك الثوري

على الرغم من جوانب الضعف في العملية التعليمة، التي تميزت بالتلقين، وقتل روح الابتكار وهجرة الأدمغة، واستخدام المدارس وسيلة لتدجين المجتمع بهدف الولاء للنظام من خلال المواد التدريسية ومن خلال المنظمات الطلابية التابعة للسلطة، الطلائع والشبيبة، واتحاد الطلبة، كما أن العملية التعليمية لم ترتبط بالتحديث وتطوير المجتمع، نتيجة احتكار السلطة لكل مجالات الحياة ومنها التعلبم، كان الطموح لنيل وظيفة في الدولة غاية المواطن السوري، وكانت الشهادة وسيلته لذلك. حتى أن التعليم قد تراجع ونسبة التسرب الدراسي زادت مع انسداد أفق العمل في قطاع الدولة الذي أحذ يعاني اترهل والبيروقراطية والبطالة المقنعة. على الرغم من كل ما سلف، لكن لابد من الإشارة إلى أن التعليم الإلزامي كان له دوراً إيجابياً في التحاق الأطفال بالمدرسة، وكان التعليم الإلزامي سبباً للتخفيف من عبء الأمية، حتى نالت سوريا في عام 2010 مرتبة متقدمة بين دول العالم عندما حلت بالمركز الحادي عشرة على مستوى الالتحاق بالمدارس، أما في عام 2013 أصبحت سوريا في ذيل دول العالم وفق إحصائيات الأمم المتحدة للتنمية البشرية، بسبب عدم الالتحاق بالمدارس . كانت حالة التسرب في المدارس منتشرة خاصة في أرياف ادلب وحلب والرقة بسبب ميلهم للعمل في الأرض وكثرة الأطفال في العائلة ونتيجة الفقر وعدم اهتمام الأهالي بتعليم أولادهم, حيث كانت نسبة التسرب تصل إلى حدود 20 بالمائة في هذه المناطق، من مرحلة التعليم الأساسي. مع أن الأرقام الرسمية كانت تقر نسبة 2% فقط.

أما بعد الصراع المسلح في سوريا لم تعد القضية قضية تسرب من المدارس، بل نتيجة توقف المجتمع بكل مفاصله عن الحياة ودخوله في عوالم الموت البشري والمادي، حيث أنه من بين خمسة ملايين طفل سوري التحق ثلاثة ملايين طفل بالمدرسة، في عام 2013. كما أن 4000 مدرسة خرجت عن الخدمة، نتيجة تخريبها أو استخدمها مأوى للنازحين، وفق إحصائيات وزارة التربية السورية. دور النزاع المسلح، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في انهيار العملية التعليمة: لقد قام النظام بتدمير قطاع التعليم في بيئات الثورة بشكل منهجي، منذ بداية الحراك الثوري، نتيجة الزخم الشبابي الذي كان يرافقها، تحولت المدارس إلى معتقلات وتحولت سطوحها إلى متاريس عسكرية، وما أن أن خرجت هذه المناطق عن سيطرة النظام، حتى أصبحت المدارس هدفاً للتدمير وحرمان هذه المناطق من مخصصاتها التعليمية واعتقال المئات من أفرادها وقتل الكثير من الطلاب والمعلمين. ومع نزوح الأهالي نتيجة القصف وتدمير البيوت والأملاك، حيث تحول نصف الشعب السوري إلى نازحين من بيوتهم، نصف هؤلاء توجهوا إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، و النصف الآخر تحولوا إلى لاجئين في دول الجوار. ونتيجة ذلك نجد تمايزاً واختلافاً في التعليم، والالتحاق بالمدارس وذلك حسب تواجد الشعب السوري حيث نجد إنه في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام  هي الأفضل حالاً بالنسبة للتعليم، فالأولاد يلتحقون بالمدارس رغم الازدحام في الصفوف التي بلعت 75 تلميذاً في الشعبة الواحدة، ونظام الدوامين، ونقص الكوادر التعليمية، حيث أن التسرب يلحق الأطفال الفقراء اللذين لا معيل لهم، ويعمل الأطفال لتأمين قوت يومهم، لهم ولأسرهم. كما أن عدم الاستقرار والنزوح المستمر، وعدم وجود مأوى، يلعب دوراً في الالتحاق بالمدارس.

المناطق الثانية هي المناطق المحاصرة والتي خرجت عن سلطة النظام: تعيش هذه المناطق أوضاعاً خطيرة حيث تعاني من نقص الكوادر التعليمية، وعدم الأمان في الذهاب إلى المدرسة، نتيجة القصف المستمر واستهداف المدارس. تعاني هذه المناطق من نقص المستلزمات التعليمة وغلاء القرطاسية و عدم توفر المرافق الصحية، ومنها توفير مياه للشرب. التعليم في مناطق اللجوء : في دول الجوار والعالم خاصة مخيمات اللاجئيين : على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة، تأخذ بعين الاعتبار العائلات التي هاجرت وأولادها إلى أوروبا، أو العائلات الميسورة والمتوسطة الحال التي هاجرت إلى الخارج، ولديها عمل ومال و بيت فهي بمقدورها أن تحمي نفسها وأطفالها. غير أن أطفال المخيمات هم هدف العملية التعليمية الإغاثية بالدرجة الأولى، حيث تصل أعدادهم مئات الآلاف، في كل بلد من بلاد اللجوء خاصة لبنان وتركيا والأردن. ولو وضعنا تصوراً حول الفئة العمرية منهم التي تتراوح مابين ست سنوات وعشرة سنوات عند لجوئهم، في بداية الثورة سنجد أن فئة منهم كانت التحقت بالصف الأول أو الثاني ومنهم من كان لم يلتحق بالمدرسة بعد، لكن وبعد انقطاع ثلاثة سنوات عن المدرسة أصبحت أعمارهم هذه السنة، مابين تسع سنوات وثلاثة عشرة سنة ولم يلتحقوا بالتعليم أو تركوا التعليم قبل أن يتعلموا القراءة والكتابة جيداً، أليس مصير هؤلاء الأمية؟

على الرغم من جرس الإنذار الذي دقته المنظمات الدولية حول التعليم بين اللاجئين السوريين، ومن وجود تجارب تعليمية من قبل منظمات أهلية ومنظمات نسائية وشبابية ناشطة، ورغم اهتمام الائتلاف الوطني متأخراً بهذا الشأن فما زالت التجارب متعثرة تحتاج إلى الكثير من الدعم المادي والكفاءات والكوادر التربوية والتعليمية، ووسائل التعليم المرنة، والوصول إلى أكبر عدد ممكن من اللاجئين المحرومين من التعليم، ومواجهة خطر التنافس من قبل أطراف يعملون على نشر التعليم الديني في خدمة غايات سياسية معينة تعزز الانقسام والتشرذم في سوريا وتزكي الكره والعداء بين مكونات الشعب السوري.

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »