قام “التحالف النسوي الإقليمي RFA” وهو مجموعة من الحركات النسوية الفاعلة في المنطقة العربية، بإطلاق أول ندوة له بعنوان: “مقاومة الاحتلال والاستعمار كفعل نسوي” كجزء من مشاركته للتنديد والمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غzزة، ودعا التحالف لهذه الندوة الناشطتين الفلسطينيتين الباحثتين وعالمتي الإجتماع د. نور أبو عصب ود. نوف ناصر الدين المؤسستين الشريكتين والمديرتين لمركز التنمية والتعاون عبر الأوطان CTDC وذلك يوم الثلاثاء الفائت بتاريخ 9 كانون الثاني / يناير.
قدمت الندوة الناشطة النسوية والكاتبة د. ناديا محمود عضو مؤسس في تحالف أمان العراقي، وأدارت الحوار السيدة رويدة كنعان عضو مؤسسة وعضو في الأمانة العامة للحركة السياسية النسوية السورية.
وخلال الندوة التي استمرت لمدة ساعة ونصف أجابت الضيفتان على كل الأسئلة التي طرحت عليهما من قبل المشاركات والمشاركين في الندوة.
ودار خلال الندوة الحديث عن أنه لا يوجد شكل واحد للمقاومة النسوية يمكن من خلاله القول إن مقاومة الإستعمار نسوية أو غير نسوية من منظور ضيق وواحد، كون النسوية مدارس فكرية متعددة ومختلفة وتملك مساحة كبيرة للتعددية، وعليه فإن القول أن مقاومة الاستعمار هي فعل نسوي من منظور نسوي تقاطعي يسعى للعدالة هو الأشمل، وبذلك نصل إلى نقطة مهمة تقول إن النسوية ليست فقط للنساء و للمطالبة بالمساواة والعدالة بين النساء والرجال، فمقاومة الإستعمار هي فعل نسوي، وفي حال اتفقنا على أن النسوية هي سعي نحو العدالة الاجتماعية للجميع بغض النظر عن العرق واللون والعمر وغيرها من التصنيفات سيكون من الأسهل القول أن مواجهة الإستعمار هي فعل نسوي وهي أساسية بالفعل النسوي.
كما تطرقت الضيفتان خلال الندوة إلى ذِكر أن الاستعمار والأبوية والرأسمالية ومنظومات القمع كلها فعلياً تشبه بعضها في آلية عملها وتفكيرها.
فالرأسمالية تعمل على فصل أو تفريق الناس بناءً على الموارد أو القيمة المالية لأفعال الناس، والأبوية تعمل على تفريق الناس بناءً على النوع الإجتماعي أو الجنس الذي ولدوا عليه، أما الإستعمار فهو يفرقنا لمجتمعات يدَّعي أنها متحضرة ومجتمعات بحاجة إلى التهذيب والتحضّر. وهذه المفاهيم الثلاثة بنيت على سياسة فرق تسد، وتقوم بممارستها كل الأنظمة القمعية، والتي تعيد من خلالها إنتاج نفسها.
وبالعودة إلى فلسطين، عندما نريد ممارسة نسويتنا لا يمكننا إنقاذ فقط النساء ونترك المجموعات المقموعة الثانية، فالنظام الإستيطاني يقمع كل الفئات الفلسطينية بطرق مختلفة، لذلك فإن مفهوم العدالة للجميع وليس لفئة معينة أو فئة واحدة من المجتمع.
ولدى سؤال الضيفتين كيف يمكن للحركة النسوية بشكل عام في فلسطين والمنطقة العربية أن تساهم بشكل فعال بمقاومة الاستعمار بسياق القضية الفلسطينية في ظل العدوان الحالي على غزة والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد أهلنا في غزة؟
كان الجواب أنه على المنظمات النسوية أن لا تكون أفعالها تضامنية فحسب لأنها هي أيضاً بحاجة للتحرر أي أن المنظومة القمعية التي وصلت لنا في فلسطين من الإستعمار الإستيطاني والمجتمع الدولي وكل المؤسسات الدولية هي فعلياً ومع الأسف قامعة أيضاً للمؤسسات والحراك النسوي الموجود، وهذا ما شهدناه عندما قررت بعض المؤسسات الدولية قطع التمويل عن فلسطين بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ولم تنسى الندوة وضيفتاها الإضاءة على الأثر العالمي الذي نتابعه جراء ما يحصل في غزة، فالوعي بين جيل الشباب الذي كان الغرب يراهن على أنهم لن يعرفوا كثيراً حول القضية الفلسطينية فاجأهم بعكس توقعاتهم، وخرجت المظاهرات التي أقيمت في دول كثيرة حول العالم تنادي أغلبها بأن الشعوب دافعة الضرائب لا توافق على أن تكون ضرائبها تذهب لقتل شعب آخر، وهم ليسوا فقط مع فلسطين وإنما مع زوال إسرائيل، وبعضهم امتلك الشجاعة ليقول أنهم ليسوا ضد المقاومة الفلسطينية.
ما حصل يلخص لنا أهمية ما يحصل في الشارع ودور وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها الذي غلب أثر المؤسسات الإعلامية الكبيرة، فالناس على الأرض وتوثيقهم لما يحدث من خلال هواتفهم الشخصية وصفحاتهم الخاصة، صار الوسيلة الأجدى لوصول المعلومة الموثوقة للناس في كل أصقاع الأرض وكسر ذلك الحواجز التي فرضتها الدول والسياسات الإعلامية التابعة لإيديولوجيات وبروباغندا صهيونية، وفرضت تقارب أكبر رغماً عن كل السياسات. كل ذلك أنتج وعياً أكبر ويدفعنا لكي نؤمن بالأجيال الجديدة التي بيدها التغيير.
هذا التغيير على المستوى العالمي هو بصيص أمل على طريق ثورة عالمية نحن جميعاً بحاجة لها.
ولدى سؤال ضيفات الندوة عن تجربتهما النسوية في مقاومة الاستعمار، كان الجواب المختصر “الصمود” فهم أصحاب أرض وحق والصمود هو عمل سياسي برأيهما.
وأكدت الضيفتان على أن أهم فعل يمكن أن تقوم به النسويات والنسويين حول العالم يتمثّل بالضغط السياسي كوقف التطبيع وقطع العلاقات مع السفراء، وبعدم النسيان والاعتياد على ما يجري في غزة، وأن لا نعتاد على متابعة العيش تحت القمع، ونشعر بالعجز ونتقبل فكرة وحشية البشرية لأن الحرب ربما تنتهي، لكن الاحتلال لم ينتهي، وهو ليس فقط في فلسطين.
تأسس “التحالف النسوي الإقليمي RFA” يوم 13-12-2023 وكان بلقاء مؤسسيه في إطار مبادرة نسوية ضرورية وعاجلة تفرضها الحاجة الملحة للتصدي للإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غzزة، والتي تستمر للشهر الرابع على التوالي.