كانت ومازالت المرأة في عموم المجتمعات الشرقية، ملقية على عتبة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تكاتف التطبيق السلبي للدين والعادات والتقاليد والأعراف على استباحة إنسانيتها، واعتبرت ضلعا قاصرا، وعوملت كسلعة رخيصة في البيت والمجتمع على حد سواء،
وظلت مسلوبة الإرادة لا تملك حق التصرف، حتى بما يخص أدق خصوصياتها، والتي غالبا ما يكون قرارها بيد أبيها وأخيها ثم ينتقل هذا “الحق” وجوبا لزوجها، ويبالغ المجتمع في تجذير الموضوعة الدينية “الرجال قوامون على النساء” وتفريغها من أي محتوى إيجابي إن وجد. أضف إلى ذلك موقف المجتمع ككل المتربص بحنانها، ليصنع لها خواتيم أعمالها، وتنتهي مشاركتها بإيماءة الإيجاب، التي لا تتجاوز انحناءة عبد صاغر.
تتالت الانجازات البشرية، ولم تتدخل جديا بواقع المرأة، سوى تعديلات طفيفة لا تكاد تذكر، وحتى اليوم في سويا يطبق قانون “غسل العار” ولا وزر لمن يقتل امرأة. لذا لن نتوقف عند النذر اليسير من الحقوق التي تصدق به الرجل عليها، وذلك في عالم مغلق من صنع الرجل وحده، حيث اصطفته السماء ليمثلها ومنحته امتيازات جمة، ككائن أساسي في الحياة، بينما المرأة هي تابع ملحق في عالم الرجال ومتمم له.
حبست المرأة في المطبخ وتفرغت للإنجاب، هي أمور قد تحرر الرجل منها في معظم العصور، بينما فتح الباب للرجل ليرسم تفوقا وهميا عليها بكل أنواع الفنون، والفلسفة، والعلوم الأخرى، وذلك مرده لتفوق بدائي لا يتعدى حجم القوة العضلية. فصار الرجل محط أنظار المجتمع، يوجه اهتمامه، لشهرة الرجل، و ينظر للمرأة دائما كظل تابع للرجل.
لم تعد الآلة اليوم وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة بحاجة للقوة البدنية والمواصفات الفيزيائية فليس لامتياز الرجل بالقوة البدنية في التكنولوجية الحديثة أي دور، حيث أن الآلة، قد رفعت عن كاهل الإنسان، الكثير من الجهد، ووفرت عليه المشقة، التي كانت تصاحب عملية الإنتاج. ومع ذلك نجد أن المجتمع مازال ذكوريا ويصر على تهميش دور المرأة ويهين وجودها كشريك حقيقي للرجل.
لا شك أن ظهور بوادر المساواة الفعلية بين الجنسين جاءت كضرورة منطقية للتطور البشري، ونلحظها في العهود المتأخرة في أكثر أشكالها حدة ووضوحا لدى مناصري حرية المرأة من أمثال بلزاك وهنري ابسن، وبرنارد شو، ورواد الاشتراكية الذين تبنوا قضية حرية المرأة، بشكلها الأوسع، حتى أن “جون ستيوارت مل” أكد بان قضية الديمقراطية اللبرالية، لا يمكن أن تتحقق، إلا بمشاركة المرأة والرجل الحياة مشاركة فعلية. أما” فوريه” يرى أن تخلف المرأة في التربية والاستقلال الذاتي هما السبب الذي من اجله تسوء العلاقات الإنسانية، واعتبر الزواج شكل من أشكال الشراء، حيث لا ينظر إلى المرأة، إلا كمادة للشراء، بينما تنظر المرأة للرجل، بأنه وسيلة للحياة، هكذا تتحول الحياة إلى واجب ثقيل على كاهل الجانبين.
يقع اليوم على عاتق أعضاء المجتمع من نساء وجال التفكير جديا وإعادة النظر في التشريعات، وكذلك الأسباب المادية، والنفسية، والاجتماعية، التي ساهمت في عبودية المرأة الشرقية وسلبها حريتها وحقوقها وتعطيل نصف المجتمع. واتخذت الحركة النسوية الساعية للمساواة واستعادة هذه الحقوق في بعض الأحيان مظهرا سلبيا، حين يطرح كنظرية حادة جوفاء، لا تتضمن سوى لغة حاقدة، تستخدمها لمحاربة الرجل، كما لو كان الصراع على أخذ دور الرجل المهيمن ووضعه بيد المرأة. والاستعاضة عن إجحاف بمثله، وتتسم بعض الكتابات النسوية بحدة المزاج كما لو كنت أمام طاغية، لا يعرف الرحمة، ولا الشفقة، وهذه اللغة العدوانية، تسبب نكسة للرجل الشرقي، وتجعله يتمادى في تخلفه. رغم أن قضية الحرية، ليست مرهونة، بالرجل وحده، بقدر ما هي مرهونة بكليهما، فالمرأة الشرقية، بطبيعتها عاطفية، تتأقلم مع الواقع، دون ان تطور ذاتها، أو تتمرد عليه. هناك قلة ممن يحاولن تحليل هذه المعضلة بعيدا عن الطابع العدواني الذي اتسمت به معظم مطالبنا النسوية.
لا شك أن الوصول للحرية الحقيقية يتم عبر عملية متكاملة يشارك في صنعها طرفي المعادلة، لا تتعارض فيها حرية المرأة مع حرية الرجل. إن حصول المرأة على حريتها مرهون بحرية شريكها، وعليها أن تعي أن فيما إن كان الرجل يتمتع بحريته، ففاقد الشئ لا يعطيه، والحر من يعيش بين الأحرار.
ما من شك أن حصول المرأة على حقوقها يجعلها عضوا فاعلا في المجتمع ومنتجا كما الرجل، وكل معوقات ومثبطات المساواة بين الجنسين مرهونة بتفعيل دورها في عملية الإنتاج، أي تحررها اقتصاديا، وقتذاك تحل قضية المرأة بسلاسة وبساطة، ويتحرر الاثنان معا بإرادة حرة، وتصبح الحياة أكثر بهجة واحتمالا، مع مساواتها بالرجل تتربى المرأة نفس التربية التي يتربى عليها الرجل، تتحمل مسؤولياتها وواجباتها مثله، وتحصل على حقوقها لتصل إلى الحرية الفعلية، ولن تنظر للرجل كإله، بل رفيقا وشريكا حقيقيا في مجمل أمور الحياة.
في سعيه لفك أغلاله لابد وأن يعي الرجل الشرقي أن حريته مرهونة بتحرر شريكته، كما لا يمكن للمرأة أن تتحرر وشريكها أسير كل هذه التراكمات عبر عصور، ومجرد التفكير بجعل حرية أحد الطرفين على حساب الآخر يعني تسويفا وتأجيلا جديدا وإعاقة لحرية كليهما.
خاص موقع شبكة المراة السورية