لجين العرنجي
يتعامل المجتمع السوري مع قضية عمل المرأة بشكل يمكن تحليله بالعمق من عدة وجهات نظر، إلا أن الملاحظة الأولية تقدم لنا فئاتٍ مختلفة التعاطي مع هذه القضية: فهناك فئات تعطي المرأة الحرية في الابداع والتطور في مجال العمل، يقابلها شريحة مناقضة تماماً تمنع المرأة من العمل، وتتراوح بين هاتين الشريحتين المتغايرتين فوارق كبيرة وشرائح عديدة تختلف في تعاطيها مع عمل المرأة ونوعه وكيفيته …الخ. الحالة الاقتصادية المتردية فرضت نفسها، وأدخلت المرأة ميدان العمل بقوة، وكجانب أساسي لإسناد العائلة عند الطبقة المتوسطة والتي تدنى وضعها بعد الحرب لما دون الوسط، لذلك، كان من أهم شروط الرجل في بعض المجتمعات السورية عند بحثه عن شريكة أن تكون موظفة، “ممرضة، مُدرسة، وسواه”.
قامت شبكة المرأة السورية بالبحث ضمن فئة الموظفات الحكوميات، وجمعت بعض التحقيقات حول جوانب عدة، لها تأثيراتها في حياة المرأة عندما تكون موظفة وخاصة بما يتعلق بالزواج:
ريم، 30 عاماً، خريجة معهد صناعي، مدرسة في مدينة السلمية (ريف حماه)، تقول: ” لم أقتنع حتى اليوم أنه يمكنني الزواج برجل لا أحبه، وهذا ما سبب لي اشكالات كبيرة مع عائلتي، خاصة أن أخواتي اللواتي يكبرنني ويصغرنني قد تزوجن منذ عدة سنوات. في السابق كانت علاقتي حادة جداً مع والدي، إلا أن الوظيفة عدلت من هذه الصفة بسبب استقلالي الاقتصادي، أما على صعيد آخر، فقد كثرت حالات طلب يدي عن طريق أمي أو أبي بطريقة تقليدية بعد أن أصبحت موظفة، وهذا ما أراه غير منصف بالنسبة لي من قبل رجل يبحث عن شريكة، فأنا ذاتي منذ عدة سنوات، خريجة المعهد الصناعي، بذات الأفكار والشكل، ولولا هجرة قسم كبير من السوريين/ات، كان من الممكن ألا أتوظف كما حال الكثيرات والكثيرين من خريجي معهدي قبل الحرب”.
نوارة، 31 عاماً، مدرسة جغرافيا من سكان الدويلعة: ” بحثت عن الحب مراراً إلا أنني غير محظوظة بهذا الجانب، فصرت أبحث عن رجل يمكنني أن أنسجم مع أفكاره، كان ذلك غاية في الصعوبة قبل تعييني كمدرسة، إلا أن الوظيفة قد زادت من فرص طلبي للزواج، وأخيراً تمت الخطوبة هذا العام، وأنا أرى أن ذلك صحي بالمطلق، إذ أن الرجل يحتاج لموظفة كي تكون الحياة ميسورة بشكل ما ضمن الظروف الاقتصادية السيئة في هذا البلد”
سعاد، 55 عاماً، مدرسة تعليم أساسي في مدينة سلمية: ” تزوجت في سن مبكرة بعد أن تم تعييني كمدرسة، أحبني زوجي في البداية إلا أن الخلاف في أغلب وجهات النظر في الحياة جعل زواجنا عالماً لا يطاق، وما جعلني أصبر هو المجتمع والخوف من كلمة مطلقة وخوفي على الأولاد، أما هو فقد حاول مراراً الزواج من زوجة ثانية والتعرف على نساء أخريات بالرغم من أنَّ مجتمعنا لا يحبذ ذلك، ولكنه لم يطلقني لأن راتبي كان سنداً أساسياً في مصروف البيت، وقد قالها عدة مرات في أوقات الغضب (لولا راتبك لم أبقيتك ثانية واحدة في هذا المنزل)، لم أكن ذات سلطة على راتبي البتّة، فأنا أرى وظيفتي عبئاً كبيراً وجهداً وتعباً لا أتصرف بنتاجه بل يُسلب مني في أول يوم من الشهر”.
غصون، 40 عاماً، مهندسة في جرمانا: ” إن قرار الزواج يتعلق ببناء مؤسسة صغيرة، والتفكير في عمل المرأة هام بالنسبة للرجل خاصة إن كانت الأحوال المادية غير جيدة، إلا أنني كمهندسة مدنية أجد صعوبة كبيرة بعد 15 سنة من الوظيفة في الاستفادة منها، بل وأتمنى أن أتخلى عن هذه الوظيفة المهينة، وتنتابني أفكار خطيرة، وأقول لماذا تعلمت من أصله؟ مشكلتي أن زوجي وبرغم حالتنا المادية الجيدة، يهدد بأنه لن يكون سنداً لي، بالمقابل أنا أهتم بشؤون الأولاد وأقوم بمهام المنزل كافة دون أن يساعدني بشيء، وكل هذه الظروف لن تساعدني كي أقوم بمشروعي الخاص”.
نعمات، 33 عاماً :” أنا خريجة معهد زراعي منذ عام 2000، اشتغلت بأعمال متعددة، وكنت أنجز في الفحص الكتابي جيداً، إلا أنني لم أحصل على وظيفة حتى الآن، بالمقابل فإن الوحدة الإرشادية في قريتي والتي يجب أن تكون وظيفتي فيها تبعاً لشهادتي، تضم موظفات حاصلات على شهادة التاسع والثانويات بكل أنواعها، اللواتي توظفّن عن طريق الوساطات، وكلما تعرفت على رجل للزواج، ينفر من كوني لم أتوظف بعد، هم لا يهمهم شهادتي البته، ولو كنت موظفة على شهادة التاسع لكان تحقق مرادهم!”
يبدو أن وظيفة الدوائر الحكومية في سورية لا تحقق أحلام النساء الطامحات لتطوير أنفسهن وإحراز عمل فعال في المجتمع، حيث يشتكين من الروتين وقلة العمل وسخافته أمام ما تمت دراسته في الجامعات، بالإضافة لتعرضهن لحالات من عدم تكافؤ الفرص… الخ، إلا أنها تظل سنداً في بلد لا قوانين فيه للعمل الخاص وخاصة أنها تخلّف راتباً تقاعدياً عند الكبر في السن، بينما هي حلم للعديد من النساء، متوسطات الشهادات، اللواتي يتمنين الحصول على مرتب شهري يصونهن من الظروف المحيطة.
من المفروض أن تكون وظيفة المرأة قضية تخصها لوحدها كشأن شخصي مرتبط بكل عوالم حياتها، إلا أنها وللأسف عند شريحة واسعة من النساء لها ارتباطها الوثيق بعلاقة الزواج تحديداً، ولا ضير في القضية إن كانت متكافئة بين الرجل والمرأة، فالرجل أيضاً عند دخوله مؤسسة الزواج يتحمل مسؤولية مادية تجاه هذه الخطوة، ومن الممكن أن تكون الحالة متكافئة وصحيّة في حال بُني الزواج على مقومات إيجابية بالإضافة إلى وظيفة المرأة. تسعى المرأة بحصولها على الوظيفة للتمتع بكل الحقوق والواجبات والتي تجعل من وظيفتها خياراً صحياً لوجودها ولدورها الجندري في المجتمع، والتوافق على الأدوار الجندرية مع الرجل، إلا أن الزواج وفقاً للأعراف التقليدية من امرأة موظفة لا يكون عادة منصفاً للأدوار الجندرية، حيث تصبح موظفة داخل البيت وخارجه (العمل المنزلي وتربية الأطفال)!.
أن تشكل المرأة الموظفة صيداً ذكورياً يزيد طين الذكورية بللاً، فهنا الطامة الكبرى، فإهمال مقومات عديدة متكافئة بين الشريكين لصالح الوظيفة، أو استغلال المرأة للعمل داخل المنزل وخارجه، والتسلط على راتبها، والتحكم بوضعها الوظيفي، كلها عوامل تؤدي إلى زيادة العبء عليها وزياد الهيمنة الممارسة عليها. قد يخيل إلينا شكلياً أنها بوضع أفضل من غيرها من النساء، إلا أن وظيفتها هذه تلبي درجة متفاقمة من الهيمنة الذكورية لا تعيها هي نفسها أحياناً، ومن تعيها تفضلها لأنها تنقذها من براثن العنوسة أو أي خيارات أخرى لا تفضلها!.