سلمى الدمشقي
كعادة السوريين، وبمناسبة الاحتفال بعيد المرأة العالمي، انشغلت مواقع التواصل الإجتماعي بالنقاشات والخلافات حول الاحتفال بهذه المناسبة، منهم من رأى أن مجرد تخصيص يوم للمرأة هو نوع من التمييز السلبي، حيث يعني هذا الإقرار أن باقي الأيام كلها مخصصة للرجل، ومنهم من رأى أن هذا الاحتفال أصبح يكرس من قبل النسوية الأرستقراطية لإبراز نسائها ونشاطاتهن. وأن النساء المعنيات بهذه المناسبة هن بعيدات كل البعد عن هذه الاحتفالية وهن أصلاً لا يعرفن بهذا اليوم ولا يملكن الرفاهية لدخول مواقع التواصل الاجتماعي والاطلاع على هذه الفعاليات. ومنهم من رأى أن أغلب بروشورات الاحتفاليات قد تميزت بالورود وألوان الأزرق والزهري وهي ألوان نمطية للمرأة ولم تضف أي بعد إيجابي على هذه المناسبة، ومنهم من فتش عن الأخطاء باللغة العربية وعدم استخدام نون النسوة في الكلمات المستخدمة للاحتفال بالمرأة.
البعض رأى أن الرجال يحتاجون لدعم مواز للنساء ويجب عدم اقتصار هذه المناسبة على الاحتفال بالنساء بل يجب تسليط الضوء على الرجال والنساء معاً لأن المرأة لن تأخذ حقوقها إذا لم يكن الرجال على مستوى من الوعي المعرفي والنسوي بأهمية القضايا النسوية.
وبشكل من الاشكال هذه الآراء جميعها تعكس نوعاً من نقص الوعي بأهمية الوعي النسوي وبوضع النساء في منطقتنا بشكل خاص وفي العالم بنسب متفاوته.
نعم من الواضح جداً أن الرجال في مجتمعاتنا يملكون من الحقوق أضعاف ما تملك النساء ويكفي الاطلاع على قانون الأحوال الشخصية الذي هو القانون الوحيد في سوريا المنظم لوضع الأسرة وهي الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع لنرى مقدار التمييز للرجل على المرأة فيه وهذا التمييز ينعكس وبشكل تلقائي وقانوني على سيطرة الرجل على الأسرة وعلى حياة المرأة، وتدعمه طبعاً العادات والتقاليد ويحميه الدين.
وبالتالي فنحن نقر وبشكل موضوعي أن كل الأيام هي للرجل وبالتالي من حقنا أن ننتزع يوم من السنة لنحتفل به بالنساء ولنلقي الضوء على أهمية قضايا المرأة.
أيضا إثارة موضوع تسليط الضوء على بعض النساء دون البقية والذي يثير الكثير من اللغط والالتباس يعكس نقص هذا الوعي، فتخصيص يوم عالمي للاحتفال بالمرأة هو عام ويشمل جميع النساء دون تمييز وعلى مستوى العالم وليس سورية فقط، ومن المهم جدا إبراز نجاحات بعض النساء وسرد قصص نجاحهن والذي يمكن وبشكل من الاشكال أن يكون ملهما لباقي النساء، ولا يمكننا أن ننكر أن شريحة المثقفين في المجتمع السوري وفي جميع المجتمعات المشابهة تنشأ من الطبقة الوسطى ويشمل هذا الرجال والنساء على حد سواء، وهذا لا يلغي ولا يتعارض مع مهمة تسليط الضوء على معاناة النساء جميعاً ومن كل الطبقات والاعتراف، وبعد سنوات من الحرب، أن هذه المعاناة قد ازدادت وتنوعت أشكالها كثيراً، وهذه المهمة تشمل كل الأيام ولا تقتصر على يوم المرأة.
أما من ناحية عدم معرفة الكثير من النساء بهذا اليوم وعدم مبالاتهن بالاحتفال به، فهذه حقيقة تستدعي تكريس أهمية الاحتفال بهذا اليوم ومضاعفة الجهود والقاء الضوء على أوضاع النساء في كل المجتمع ومحاولة الوصول الى كل النساء ومن جميع الشرائح وهذه مهمة الجميع ولكل الأوقات.
أما بالنسبة لانتقاد الورود وألوان الأزرق والزهري على أنها تكرس الصورة النمطية للمرأة فهي تعكس هذا الوعي الملتبس بين النسوية الأنثوية، أي امرأة نسوية لا يعني أنها يجب أن تنكر أنوثتها وتخجل منها. نعم نحن نساء نسويات ولكننا نفخر بأنوثتنا ونحب الورود وألوان الربيع. وبالنسبة لأخطاء اللغة العربية وعدم استخدام نون النسوة فهذه لها علاقة بالثقافة المجتمعية. هناك نسبة من السوريين والسوريات يعانين من ضعف باللغة العربية بدون تمييز. ولم نعتد على استخدام نون النسوة في كتاباتنا لأننا لم ندرك أهمية استخدامها إلا مؤخراً، كون ثقافة المجتمع بشكل عام هي ذكورية. والآن أصبحت المنظمات النسوية تنادي بجندرة اللغة العربية في الخطابة وبجندرة القوانين.
وأخيراً لابد من الاعتراف بأن مجتمعنا بنسائه ورجاله يحتاج الكثير من العمل والجهد وتغيير القوانين وإصلاحها لنستطيع الوصول إلى دولة المواطنة حيث الجميع رجالاً و نساء متساوون أمام وفي القانون، وبالتالي حتى تحصل المرأة على حقوقها يجب العمل على الرجال بالتوازي مع النساء ليستطيعوا امتلاك الوعي والمعرفة بأهمية القضية النسوية وأن النساء هن شركاء لهم في المجتمع وهن نصف المجتمع.
ولكن جرت العادة أن المنظمات النسوية تستهدف في برامجها التدريبية والتوعوية النساء بنسبة أكبر بكثير من الرجال لأن النساء تقع تحت ضغط مزدوج عدم وعيها بحقوقها وعدم وعي الرجل بحقوقها، وبالتالي تكون المرأة في هذه الحالة عدوة نفسها وجنسها وتعاني الكثير من الظلم و الاضطهاد، ولا يمكن توعية المجتمع الا بالبدء بتوعيه النساء فيه لأنهن أصل المجتمع أولاً وأخيراً.
وإلى أن نصل لحلمنا في دولة المواطنة سنستمر في الاحتفال بعيد المرأة وستتنوع اشكال الاحتفال لتصبح أكثر شمولية وسيكون هذا اليوم بمثابة بوابه للبوح بقصص نجاحاتنا وإنجازاتنا وفشلنا ومعاناتنا، عسى أن يأتي زمن قادم ليس ببعيد نحتفل به بإنجازاتنا الحقيقية وقد انعكست على تغيير شامل في الدستور والقانون لتصبح المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات وفي الممارسات والتطبيق في كل مفاصل الحياة.
اللوحة للفنان: خالد حجار
خاص “شبكة المرأة السورية”