هند سالم
تعلن وزارة التضامن الاجتماعي كل عام عن الشروط التي يجب توافرها في الأم المثالية وذلك ضمن المسابقة التي تنظمها لتكريم الأمهات “المثاليات”، تأتي شروط هذا العام (التي لا تختلف عن كل عام تقريبا) كالتالي:
- “معيار عطاء الأم وإعلاء القيم الإنسانية وقدرتها على الحفاظ على تماسك الأسرة.
- إيجاد التوازن بين المسئوليات المتعددة للأم ورعاية الأبناء وإلتزام الأسرة بمنظومة القيم والقدرة على مواجهة الصعاب.
- ألا يقل السن عن 50 سنة ولها قصة عطاء.
- ألا يزيد عدد الأبناء عن 3 أبناء ويستثنى من هذا الشرط محافظات الحدود بحد أقصى 5 أبناء.
- أن يكون جميع الأبناء حاصلين على مؤهل عالٍ ويستثنى الإبن المعاق ذهنيا غير القابل للتعلم.
- تفضيل الأم الأعلى درجة في السلم التعليمي، والأم التي استطاعت أن تتعلم مع أبنائها وحصلت على مؤهل.
- الأم العاملة أو التي لديها زوج مريض أو الأرملة والمطلقة.”[1]
ولا يقتصر هذا التكريم على وزارة التضامن الاجتماعي فحسب لكن تقوم كل المؤسسات المجتمعية الرسمية منها وغير الرسمية بعقد مثل هذه المسابقات؛ فالمصالح الحكومية والوزارات والشركات والمحافظات والقرى تتسابق للبحث عن الأم المثالية ليتم تكريمها ضمن احتفالات عيد الأم. وفي وسط هذا الجو الاحتفالى أتذكر أمي التي كانت تردد دائما أنها احتملت الكثير من الآلام والمصاعب لتربينا وتحافظ علينا وعلى البيت وحتى لا يُقال أنها تركت أبنائها. بين البحث عن الأم المثالية وصوت أمي المتعب تتم صناعة الأم، بين المثال والواقع يتم تُجهيز الخلطة التي تُعجن بها النساء ليصبحن جديرات بالأمومة، والسؤال الذي يشغلني هنا هو: لصالح مَن تتم هذه الصناعة؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا- فى البداية- تحديد الطرق التي يتم النظر بها للنساء وعلاقتهن بالوطن، تشير “آن مكلينتون” إلى أن “النساء ينتجن بيولوجيا أعضاء جدد للمجتمع والوطن، كما ينتجن الحدود الفاصلة بين الجماعات الوطنية (من خلال القيود المفروضة على علاقات الزواج والعلاقات الجنسية) كما أنهن منتجات وناقلات للثقافة الوطنية”[2]، وبالتالى ليس من الغريب أن تكون أولى الشروط هو الحفاظ على الأسرة وقيمها (وهنا لا يتم تفسير القيم الأسرية بإعتبارها معروفة ومحددة مسبقا)، فالأم “المثالية” ترعى الأبناء والزوج المريض، وفي حالة الطلاق أو موت الزوج يجب ألا تتزوج لأن الزواج مرة أخرى يَنتقص منها فالتضحية لم تُكتمل! على الأم المثالية أن تتجرع المعاناة حتى آخرها، أنها الرمز الذى يجب أن يُنظر له بإجلال وشفقة.
تشير حنان خلوصي في مقالتها “مولد أمة عصرية: تأميم الزواج فى مصر فى العهد الملكي” والمنشورة فى مجلة طيبة، أن السلطة تسعى دائما إلى خلق أسرة نووية وطنية كأساس لبناء أمة عصرية، ويرجع ذلك إلى حكم “محمد على” الذي قام بإطلاق عدد من حملات الصحة العامة بهدف بناء الدولة وتزويد المشاريع العسكرية بحاجتها من أجساد قوية تتمتع باللياقة وقوة التحمل يمكن تعبئتها، عند الحاجة، لتكون ذخرا للدولة وتسد حاجتها من العمالة التي تعمل بنظام السخرة [3] ، ولضمان وجود هذه الأسرة بقيمها لابد أن تلعب الأم دورا محوريا في إعادة إنتاج الثقافة القائمة على التضحية والبذل والعطاء ويجب أن تنتفى الفردانية الخاصة بكل أم لتصبح السلطة هى الرابح الوحيد في هذه العملية.
الأمومة جدارة واستحقاق
في صغرى لم تكن أمى تجهز لى وجبة إفطار وإنما تعطيني نقودا لأشتري ما يحلو لى، إلى أن جاءت جارتنا ونهرتها على هذا الفعل ووصفتها بأنها أمًا مهملة وغير مكترثه بإبنتها الصغيرة التي يمكن أن تصاب بالأنيميا بسبب عدم إهتمامها بوجبة إفطارها. اتذكر يومها كم اعجبت بهذه الجارة، وتمنيتها أن تكون أمي لأنه من الواضح أن أمي “بحسب كلام الجارة” لم تكن جديرة بي لأنها لم توفر لي وجبة الإفطار!
كان على أمي أن تشعر بالذنب حتى تكون جديرة بي وبالأمومة، فكما تقول إيمان مرسال فى كتابها “كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها””.يبدو الشعور بالذنب وكأنه الشعور الذى يوحد الأمهات على اختلافهن. إنه يكمن في المسافة التي تقع بين الحلم والواقع مثلما في البنوة والحب والعمل والصداقة، هو أيضا نتاج المسافة بين مثالية الأمومة في المتن العام وبين إخفاقها في الخبرة الشخصية.”[4] فالأم المثالية كما تصورها الخطابات الدينية والثقافية والمجتمعية والسياسية هى أم لا تشعر بالذنب فحسب لكنها ايضا يجب أن تتخلى عن هويتها السابقة كفرد له رغباته وطموحه واحتياجاته، وأن تعطي وتبذل فى العطاء والتضحية فلا توجد أم بدون تضحية لذا حتى تكوني أمًا “مثالية” عليكِ إتباع هذه الوصفة:
- الشعور بالذنب اتجاه أبنائك بإعتبارك انتٍ فقط المسئولة عنهم!
- العطاء والإيثار والتضحية، فالأمومة لا تكتمل إلا ببذل الألم!
- الحفاظ على أسرتك لأن الأسرة “الصالحة” هى عماد أمة قوية!
- وأخيرا، من الأفضل لكِ أن تتخلي عن هويتك السابقة وتتماهي مع هويتك كأم. فبناء الأمة يقع على عاتقك الآن، كوني على قدر المسئولية!
فإما أن تلهثي لتحقيق صورة الأم المثالية كما يراها المجتمع والسلطة أو أن تسعي لكسر هذا الإطار والهروب من الصورة الجماعية – التي تَرُصنا كأمهات بجانب بعضنا البعض- للبحث عن أسئلتك تجربتك الخاصة لرسم صورتك الخاصة بظلالها ونورها، بثناياها وزواياها المختلفة، الصورة التي يمكن أن تحررك وتخفف عنك عبء يُدعى “الأمومة المثالية”. لكِ الإختيار.
[1] – اليوم السابع، انظر/ى الرابط المختصر التالى: http://cutt.us/WKbrW
[2] – آن مكلينتون: أصوات بديلةص 245
[3] – حنان خلوصى: مجلة طيبة، العدد الثالث عشر، اصدار مؤسسة المرأة الجديدة ص102
[4] – إيمان مرسال: الأمومة واشباحها، إصدار كيف ت ص12
- نسوية مصرية، ومديرة دار نشر “هن”
- اللوحة للفنانة: مريم سلامة
خاص “شبكة المرأة السورية”