Search
Close this search box.

موقع القرار الأممي 1325 ومفاعيله في واقع المرأة العربية

موقع القرار الأممي 1325 ومفاعيله في واقع المرأة العربية

غالية الريش

جاء قرار مجلس الأمن الدولي 1325 حول المرأة والسلام والأمن وبالإجماع في جلسته رقم (4213) سنة 2000 تتويجا لمعارك سياسية وفكرية، ونضالات عالمية حيث شرعت النساء في كل أرجاء المعمورة، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بإظهار حقوقهن، ودخولهن معتركات الشأن العام في كل مندرجاته، وأدواته التنظيمية على مستوى النقابات والهيئات الحزبية والمدنية، خاصة في ظروف البلدان الغارقة في وحل الحروب والاضطرابات السياسية والإجتماعية – كحال بلدان عالمنا العربي-  وخطوة نوعية في المدونة القانونية والسياسية النافذة لصدوره عن مجلس الأمن الذي  يعكس الإلتزام والإلزام القانوني في تحقيق التطلعات المشروعة للشعوب، والدول، لإحلال السلام ودور المرأة المنوط به لإرسائه بكافة مراحله وعناصره، والأهم لكونه تعبير عن إرادة التفاهم والتوافق الدوليين بالإعتراف بدور المرأة على المستوى العالمي والوطني في صنع قرار السلم، رغم اختلاف توجهات الدول وخياراتها السياسية والإيديولوجية.

في حيثيات القرار:

تنبع أهمية القرار1325 من زاوية إهتمامه  بتوسيع الإطار المعياري لحماية وتعزيز حقوق المرأة في أثناء النزاعات المسلحة، وما بعد النزاعات المسلحة، بما في ذلك حمايتها من العنف الجنسي، والعنف القائم على النوع الإجتماعي. يهدف إلى ربط تجربة النساء في النزاعات المسلحة، بمسألة الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي تفاصيل القرار الأممي  حثَّ القرار المجلس عينه والأمين العام، والدول الأعضاء وجميع الأطراف الأخرى لأخذ التدابيراللازمة  في المواضيع المرتبطة بمساهمة المرأة، المتكافئة والكاملة، وعلى قدم المساواة، في عمليات صنع القرار وعمليات حفظ السلام، والأخذ بدمجها في التدريب، وحمايتها، جنباً إلى جنب مع إدماج حقوقها في جميع مدونات وتقارير الأمم المتحدة، وآليات تنفيذ البرامج، وبضرورة دعم مشاركتها في مفاوضات السلام، وفي مرحلة إعادة الإعمار والبناء، التي تعقب الحروب.

كل ذلك من خلال الدعوة إلى مراعاة خصوصية المرأة، وإشراكها في عمليات الحفظ على الأمن، وبناء السلام، وخاصة في المناطق المتضررة من النزاع، وزيادة مشاركتها في جميع مستويات صنع القرار، وفي عمليات حل الصراعات، والمشاركة بقوات حفظ السلام، والشرطة، والسلطة القضائية، والمفاوضات، واتخاذ الإجراءات لضمان حمايتها والالتزام بحقوق الإنسان للنساء والفتيات، واحترام حقوق السكان المدنيين واللاجئين والمشردين، وحماية المرأة من العنف الجسدي والتمييز، مع الحزم في تجنب العفو عن الجرائم التي وقعت في الحرب ضد المرأة.

في توطين القرار الأممي 1325:

تتحكم أسباب موضوعية لتكون دول عالمنا المسمى ” بالثالث” في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، البيئة المناسبة لإظهار مفاعيل هذا القرار باعتبارها ساحات حرب عالمية ” مصغرة” استعرت فيها تعارضات الدول وسياساتها من ناحية، وووقوع الأعباء الكبرى لتلك الحروب على مجموع سكانها وخاصة النساء والأطفال. ومن الطبيعي مادام القرار قد أخذ صفة العمومية والعالمية، من ضرورة تبيئته وتوطينه تبعا للأوضاع الاجتماعية والسياسية في كل بلد يصطرع فيه نزاع، أو حرب، ومستوى درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي والقانوني لهذا البلد أو ذاك، ولتنفيذ هذا القرار كان – ولايزال- يتعين على الدول الأعضاء وضع وتنفيذ خطط العمل الوطنية بهذا الِشأن.

من المؤسف التنويه إلى  المفارقة المتوقعة بعض الشيء أنه من أصل 192 دولة لم ينفذ هذا القرارحتى الآن سوى 21 دولة عضو في الأمم المتحدة.

والسؤال الذي يطرح نفسه  على ضوء التنويه، هل حظي قرار مجلس الأمن 1325 بالتطبيق على النحو المطلوب؟

تجيب ورقة بحثية بعنوان “استجابة المنطقة العربية لقرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام” للباحثة الدكتورة سارة محمود العراسي- أستاذة القانون الدولي العام المشارك، أنه للأسف لم يحظَ القرار المذكور بالتطبيق، ولاتزال هناك فجوات كبيرة بتطبيقه خصوصا في منطقتنا العربية، لأسباب عديدة منها أن النساء لايحظين بأصوات متساوية في صنع القرار على جميع الصعد.

من المفيد هنا أن نبحث في مقاربة بعض البلدان العربية “الساخنة” في صراعاتها المحتدمة وآلية تطبيقها للقرار الأممي قانونيا وتطبيقياً وتحديداً في فلسطين وسورية:

فلسطين:

بسبب ظروف الإحتلال الإسرائيلي، والممارسات التعسفية التي تطال كل فئات ومكونات المجتمع الفلسطيني، مع ظروف الانقسام الحالي ( الضفة والقطاع)، كان لابد أن يلقى القرار الأممي 1325 الاهتمام والعناية المناسبة باعتبار أن مضمون أهدافه وغاياته تتوافق مع الوضع الفلسطيني، فضلاً عن الدور الشجاع الذي تقوم به المرأة الفلسطينية في كل مراحل الصراع مع العدو الإسرائيلي، وخبرتها، لتحمل المهام الملقاة على عاتقها التي يتضمنها القرار المذكور في كل مراحل تطبيقه. بالتأكيد شكّلَ الوضع الفلسطيني بكل تعقيداته نموذجا فريدا وخاصة بسبب الحالات التي يعالجها القرار 1325 مابين مهام بناء السلام العادل والشامل، وقضايا المشاركة، والعنف الممارس ضد المرأة، والإحتلال وعنفه. من هنا كان لابد من القيام بحملة توعية شاملة حول القرار الأممي 1325، وآليات الاستفادة منه فلسطينياً.

سبق لوزارة شؤون المرأة الفلسطينية أن أطلقت بتاريخ 26/11/2018 حملتها السنوية “الحملة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة” شرق مدينة القدس تحت شعار( نرفض التهجير القسري المستمر للمرأة الفلسطينية البدوية واللاجئة.. من حقنا أن نعيش بأمان) وذلك بالتنسيق المشترك بين كل الفعاليات  (محافظة القدس مع الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ودائرة شؤون اللاجئين، ومنتدى المنظمات الفلسطينية  لمناهضة العنف ضد المرأة)

جاءت هذه الإنطلاقة تجسيدا للعمل بأهداف الخطة الوطنية لتنفيذ  قرار مجلس الأمن رقم 1325″ المرأة والسلام والأمن” التي اصطدمت ( أي الخطة) بعدم توفر الدعم المالي المحلي، وعدم تحديد مصادر الدعم الخارجي، إضافة إلى عدم تبني مشاريع القرارات الفلسطينية، ذات الصلة ، المقدمة إلى هيئات الأمم المتحدة، مما حدَّ من المخرجات المتوقعة للخطة الوطنية.

 الخطة الوطنية: المكونات وجهات التنفيذ

تبنت الخطة الوطنية لتطبيق القرار، ثلاث أهداف إستراتيجية: جاء الأول للعمل على تعزيز حماية النساء والفتيات الفلسطينيات، وبخاصة في مواجهة الاحتلال، وقد ضم هذا الهدف سياستين و 20 نشاطًا فرعيًا. أما الثاني، فقد تعلق بمساءلة الاحتلال الإسرائيلي ومنع الإفلات من العقاب، إلى جانب جبر الضرر الواقع على النساء والفتيات الفلسطينيات بموجب الآليات الدولية والوطنية، متضمنًا أيضًا سياستين و16 نشاطًا فرعيًا. في حين تطرق الثالث إلى مسألة تعزيز مشاركة النساء الفلسطينيات في عمليات صنع القرار على المستوى المحلي والدولي.

وبهذه الأهداف، تكون الخطة قد سعت إلى تفعيل دور المرأة واحترام حقوقها، ودعم مشاركتها في عمليات السلام الدولية والسلم الأهلي، ودمجها في قطاعات الحياة ومستوياتها كافة. ولتنفيذها وزّعت الأدوار كلٌ حسب مسؤولياته. ويشترك في هذه المسؤوليات كافة أعضاء اللجنة العليا لتطبيق القرار، بالإضافة إلى مؤسسات غير أعضاء في اللجنة، ولكن نظرًا لضرورة تدخُلِها كان لا بد من إشراكها في الخطة، كوزارة الاقتصاد وما تقدمه من دعم للمشاريع التنموية الخاصة بالنساء وغيرها من المؤسسات المذكورة في الخطة سعت السلطة الفلسطينية إلى توطين هذا القرار، وما تبعه من قرارات مساندة، لحشد الرأي العام لوقف الانتهاكات الاسرائيلية ضد النساء والأطفال، وأصدر مجلس الوزراء الفلسطيني قرارا في العام 2012 يتضمن تشكيل لجنة وطنية عليا لتطبيق القرار1325 لضمان تفعيل دور المرأة واحترام حقوقها، ودعم مشاركتها في عمليات السلام الدولية، والسلم الأهلي، ولدمجها وتمكينها بما يكفل النهوض بدورهاعلى كافة المستويات في الدولة. سبق للمجلس أن صادقَ في 2015على وثيقة الإطار الوطني لتطبيق القرار1325، التي تشكل نافذة مهمة لتطوير الواجهة الحقوقية وحماية المكتسبات التي أوجدها نضال مختلف الفعاليات في الحراك الحقوقي الفلسطيني المستجيب لقضايا المرأة، والذي سيقود إلى ضبط أولويات الدولة على أساس تلك الحقوق.

تقييم الخطة الوطنية : طموحات وعقبات شتى

بادرت وزارة شؤون المرأة الفلسطينية بصفتها رئيسا للجنة الوطنية العليا لتطبيق القرار 1325بالشروع في العمل على هذه الخطة بشراكة مع جميع الفعاليات الوطنية، ضمن منهجية محددة تضمنت مجموعة من الخطوات والمراحل، وتمثلت هذه المراحل بعقد العديد من اللقاءات بين الشركاء للخروج بالخطة انطلاقا من وثيقة الإطار الاستراتيجي للقرار المصادق عليها في العام 2015كون الخطة تعد بمنزلة ترجمة حقيقية للوثيقة.

جرت مراجعة شاملة لعدد من الخطط الوطنية والقطاعية، والوثائق المتعلقة بتوطين القرار وسبل تطبيقه. عمد المشاركون في وضع الخطة إلى العمل على تحديد الأنشطة للأهداف الاستراتيجية، والإطار الزمني لهذه الخطة (2017-2019)، وذلك بغية الخروج بنتائج تصب بمصلحة حماية النساء الفلسطينيات ووقايتهن، بما يضمن حقهن في الحياة ويحفظ كرامتهن.

السوريات والقرار 1325 وضوح في الهدف في غياب الوحدة المطلوبة:

بما أن القرار 1325 لابد أن يلقى مفاعيله في سيرورة الحرب والأزمة الكارثية في سورية، فإن النظام الديكتاتوري في سورية ، ولكونه قابضا على مقدرات الدولة السورية، وعلى التزامه الأسمي للقرار المذكور لم يكن معنياً بأي شكل من الأشكال بتفعيل حيثيات القرار الأممي- والدولة هي المعنية بحماية حقوق الإنسان، والنظام القانوني الوطني هو المعني بحماية هذه الحقوق واحترامها-. إلا أن النظام السوري  وسلطته السياسية، كان ولايزال الطرف الرئيسي في مسؤوليته  بالارتكابات الخطيرة عن جرائم ضد الإنسانية، وهو ما شهدته المناطق الساخنة في سورية من تدمير وقتل عشوائي، وتعذيب، وعنف جنسي، وتجويع وحصار واقتلاع من السكن وفرض نزوح جماعي شمل المدن والمناطق والبلدات والقرى، وكذلك فتح الأبواب على مصاريعها للإتجار بالفتيات والنساء والحطِّ من كرامتهن .

لكن المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية تقع على عاتق المعارضة للنظام الديكتاتوري السوري التي لم تقدم إلا على محاولات خجولة، وغير منهجية ومدروسة من شأنها استقطاب جمهور النساء المتضررات سواء في الداخل أو الخارج في البلدان المضيفة للنزوح، وإدراجهم في مفاعيل القرار الأممي في كل مراحل الصراع. لم تسعَ المعارضة إلى تطوير أدائها وأدواتها التفاوضية بالعنصر النسائي المجرب والمكافح، واعتمدت بكوادرها النسائية على نخب نسائية غير جديرة أو مؤهلة حيث لعبت العلاقات الاستنسابية دورا في وصولها إلى هذا الموقع أو ذاك. لكن المميز في أداء النخب النسائية فرط الحساسيات البينية في اتجاهاتها المتعارضة، وفقدان الإرادة على صياغة برنامج موحد للفعاليات النسوية، ومدّ الجسور مع أوساط الداخل ودعم النماذج النسوية الحية من قلب الحصار المحكم من قبل قوات النظام الديكتاتوري وأجهزته القمعية، التي صمدت وقاومت كل صنوف القهر والتجويع.

بالتأكيد لايندرج تقييمنا إلا في إطار الحرص والنقد القويم لأداء الإتجاهات المعارضة وقواها الحزبية والسياسية والمدنية، وهو نقد غير قابل للتعميم، من ناحية، ولايختص بالنساء السوريات، بل يتعداه، إلى كل القوى السياسية والتحالفية المنظمة، في الإئتلاف الوطني لقوى الثورة، أو في هيئة التنسيق الوطني. وسواها من الهيئات التنظيمية، ومع كل التقدير للمساهمات اللواتي استطعن عبر هيئات التفاوض من فرض قضية النساء السوريات وإرساء دور المرأة في عمليات السلام والتفاوض في أكثر من مؤتمر وملتقى سواء عن طريق الأمم المتحدة أو خارجها، بضرورة دعم إشراك المرأة السورية في عملية السلام والمفاوضات، بالإضافة إلى إشراك المرأة أيضا في المرحلة الإنتقالية بإدماجها في مواقع صنع القرار، ولجان صياغة الدستور، باعتبارها أهم المواقع لحفظ حقوق ومشاركة المرأة بشكل متساو مع الرجل في بناء دولة المواطنة والقانون والديموقراطية وحفظ أمن وسلام المرأة ومشاركتها استناداً إلى قرار جنيف 1 إلا أن ماراكمنه من خبرات يضع إشارات استفهام فيما تم إرساءه من مردود إيجابي وبناء، في ظل غياب وحدتهن الضرورية لتحقيق الأهداف المناطة بهن.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »