إيمان أحمد ونوس
طال قانون الجنسية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم/276/ للعام/1969/ الكثير من الانتقادات والمناقشات والمطالبات المتكررة والمتزايدة لتعديله بما يخدم مصلحة المرأة السورية المتزوجة من غير سوري وأبنائها، وذلك للتمييز الواضح ضدّها لصالح الرجل لاسيما في المادة/3/ وذلك للتخفيف من معاناة العديد من الأسر والأبناء الذين يعيشون واقعاً مأساوياً في كثير من الحالات، لأنهم لا يعرفون بلداً آخر غير سورية، فهم ولدوا ونشؤوا على ترابها، لكنهم للأسف يُعاملون معاملة الأجنبي وربما أسوأ.
تمييز على أساس الجنس:
تنص المادة/3/ من قانون الجنسية على:
يُعتبر عربياً سورياً حكماً:
أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري.
ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً.
ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس.
د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية.
هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهن المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة.
لقد كانت الفقرة/أ/ من هذه المادة مثار جدل وسجال لم ينته من قبل الناشطات/ ين والحركة النسوية السورية عموماً، فقد تركّز العمل دائماً على الطلب من الحكومة تعديل هذه الفقرة، لاسيما الحملة التي قامت بها رابطة النساء السوريات ما بين عامي/2003- 2010/ بحيث تُصبح: يُعتبر عربياً سورياً حكماً من ولد لأب عربي سوري أو والدة عربية سورية.
تناقض مع اتفاقية حقوق الطفل:
أما إذا أمعنّا النظر أكثر في الفقرتين/ ب- ج/ من ذات المادة نجد أن الطفل لأم سورية مجهول النسب أو اللقيط المولود في الأراضي السورية يكتسبان الجنسية تلقائياً، بينما المولود لأم سورية وأب غير سوري لا يمكنه أن يكتسبها رغم أنه وُلِدَ وعاش كل عمره في سوريا ولا يعرف بلد أبيه، فكيف للقانون أن يكون أكثر رحمة مع اللقيط ومجهول النسب أكثر من ابن الأم السورية، إنها قمة التمييز(طبعاً مع ضرورة الإبقاء على هاتين الفقرتين)
أليس هذا تناقضاً واضحاً وصارخاً مع اتفاقية حقوق الطفل في مادتها السابعة- الفقرة(1) والتي تنص على:
” يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما.”
تجنيس الأجانب أولى:
المادة-4:
يجوز منح الأجنبي الجنسية بمرسوم بناء على اقتراح الوزير وعلى طلب خطي يقدمه الطالب الذي يشترط أن يكون:
أ ـ كامل الأهلية.
ب ـ مقيماً في القطر إقامة متتالية مدة خمس سنوات على الأقل سابقة لتقديم الطلب وتعتبر الإقامة المتقطعة متتالية إذا لم تتجاوز مدة غياب صاحبها سنة كاملة تضاف زيادة على الخمس سنوات.
ج ـ خالياً من الأمراض السارية والعاهات والعلل التي تمنعه من مزاولة أي عمل.
د ـ حسن السلوك محمود السمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أبو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة شائنة إلا إذا أرد إليه اعتباره.
هـ ـ ذا اختصاص أو خبرة يمكن الاستفادة منها في القطر أو أن تكون له وسيلة مشروعة للكسب أو يملك ما يغنيه مساعدة الغير.
و ـ ملماً باللغة العربية قراءة وكتابة.
إن هذه المادة الخاصة بالأجنبي لجهة الأبوين، رغم أنها تنطبق بكليتها على الكثيرين إن لم يكن جميع أبناء السوريات، إلاّ أنهم لا يستحقون الجنسية وفق هذا القانون رغم أن الأم سورية وتعيش معهم على الأراضي السورية التي لم يغادروها يوماً.
عودة للتمييز والجنسية لغرباء لا يعرفون الوطن:
المادة-8:
1- تمنح الجنسية لزوجة الأجنبي المكتسب للجنسية ضمن الشروط التالية:
أ ـ أن تقدم طلباً بذلك إلى الوزارة.
ب ـ أن تستمر الزوجية قائمة مدة سنتين من تاريخ الطلب.
ج ـ أن تكون مقيمة في القطر بصورة مشروعة خلال المدة المذكورة في الفقرة (ب) السابقة.
د ـ أن يصدر قرار عن الوزير بإكسابها الجنسية.
2- يتمتع الأولاد القصر بالجنسية إلا إذا كانت إقامتهم العادية في الخارج وبقيت لهم جنسية أبيهم الأصلية بمقتضى التشريع الناظم لها.
3- للأولاد القصر الذين اكتسبوا الجنسية بحسب الفقرة السابقة أن يختاروا جنسيتهم الأصلية خلال السنة التالية لبلوغهم سن الرشد ويسمح لهم بذلك بقرار من الوزير.
واضح من هذه الفقرة أن الأجنبي لأبوين، والذي اكتسب الجنسية وفق المادة/4/ من هذا القانون يمكنه أن يمنح جنسيته السورية المكتسبة بالتجنيس لزوجته وأبنائه، بينما ذلك غير مسموح لأبناء الأم سورية الأصل والمقيمين في سورية منذ ولادتهم. ومعلوم أن هناك الآلاف من سوريي الجنسية سواء المكتسبة من الأبوين، أو من أب سوري الأصل لا يعرفون عن سوريا شيئاً، وربما لا يعرفون أين تقع على الخارطة، ورغم ذلك يحملون الجنسية، بينما أولئك المقيمون مع أمهاتهم في سوريا منذ رأت عيونهم النور، ولم يغادروها يوماً لا يُسمح لهم بتلك الجنسية.!!!!
تناقض مع الدستور ومعاناة لا تنتهي:
من خلال عرض هذه المواد في قانون الجنسية يتضح التمييز الفظيع ضدّ المرأة/ الأم السورية وأبنائها لأب غير سوري بالمقارنة مع تجنيس الأجانب وفق ما نصّت عليه المواد السابقة، فالأم السورية عليها تجديد الإقامة لأبنائها كل خمس سنوات، وفي حال النسيان وعدم التجديد تحت ضغط بعض الظروف القاهرة يتم ترحيل الأبناء بصورة فظيعة ليس فيها أيّة نفحة إنسانية، وكثيرة القصص التي تُروى في هذا المجال. إضافة إلى أن أبناء الأم السورية لا يحق لهم أن يتملكوا أيّ شيء، ولا يمكنهم مزاولة أي عمل أو مهنة رسمية رغم أنهم تلقوا تعليمهم في المدارس والجامعات السورية، إضافة إلى أن الأم لا يمكنها أن تورّث أبناءها شيئاً من أملاكها حسب الفقرة/ج/ من المادة/263/ من قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بالإرث، في حين يمكنها توريث أيّاً من أقاربها، بينما لا ينطبق ذلك على الرجل المتزوج من غير سورية، وفي هذا منتهى التمييز والعنف النفسي والمادي للمرأة والأولاد.
إن مواد قانون الجنسية هذه تتناقض مع مبدأ المساواة الذي أقرّه الدستور السوري القديم في مادته/25/ والمادة/33/ من الدستور الجديد والتي تقول:
” المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.”
التلطي وراء قضية اللاجئين:
لقد تعالت بعض الأصوات الرافضة لتعديل الفقرة/أ/ من المادة/3/ من هذا القانون بحجة وضع الأخوة الفلسطينيين في سوريا، وهنا يمكننا أن نقول لهم إن مسألة الجنسية المراد تعديلها أمر مختلف تماماً عن مسألة اللجوء أو التوطين وحق العودة المكفول بقرارات الأمم المتحدة وباقي المواثيق الدولية ذات الصلة، إضافة إلى أن الأخوة الفلسطينيين السوريين يتمتعون بذات الحقوق والواجبات التي يتمتع بها كل سوري، وبالتالي هم لا يُعانون كما يُعاني أبناء السوريات المتزوجات من غير سوري.
نأمل من اللجنة المكلّفة بتعديل القوانين التمييزية أن تأخذ بالحسبان هذا الوضع الإنساني المزري للسوريات وأبنائهن، كما نأمل في هذا الصدد أن تعمل على حق الزوجة السورية في منح جنسيتها لأبنائها وزوجها الأجنبي بعد استيفائه للشروط المطلوبة لمنح المرأة الأجنبية المتزوجة من سوري الأصل والجنسية.