أمل العلي
لم يمنع المستوى التعليمي للأب والأم الخلافات الأسرية والأضطرابات العائلية التي كبرت وتنامت كثيراً، لذلك أخذت الأم ابنتيها وذهبت للمدينة، لأنها كانت ترفض حياة القرية، بينما بقي الأب متمسكاً بقريته، حيث كانت تزوره ابنتاه في العطل المدرسية. كانت الابنة الصغرى في الصف الخامس الابتدائي أما الكبرى فعمرها ثلاثة عشر عاماً، وهي في الصف الاول الاعدادي.
بعد قدومهن للمدينة مع والدتهن رغبت الأم بتحسين مستوى ابنتيها في المدرسة لذلك استعانت بمدرس، مثل الكثير من الأهل، الذين يستعينون بالدروس الخاصة لتقوية أولادهم في المدرسة بسبب انحدار التعليم في المدارس العامة، حيث أصبح من النادر جداً أن تجد طالباً أو طالبة لا يعتمد على الدروس الخاصة في المنزل، لدرجة أن بعض الأهالي يعتمدون الدروس الخاصة لأبنائهم من الصفوف الأولى في المدرسة.
وكان المدرس (ع . ن) خريج كلية الآداب لم يتم تعيينه بعد. تعرفت عليه والدة الفتاة عن طريق أحد أقاربها، فهو صديق له، وهو مدرس ناشئ باحث عن عمل، تخرج من الجامعة منذ أكثر من ست سنوات ولم يجد عملاً كحال الكثير من الشباب العاطل عن العمل. وباسم الصداقة والمعرفة كانت أسعاره قليلة بالمقارنة مع باقي المدرسين القدامى.
بدأ يتردد على منزل الفتاة من أجل القيام بعمله كمدرس، لكن ما لبثت علاقته أن تطورت من مدرس للفتاة إلى صديق للأسرة وتطورت علاقته بالفتاة إلى أكثر من علاقة مدرس بطالبة، هذه الطالبة التي هي أساساً فتاة في سن المراهقة، وهي بأمس الحاجة لاهتمام الأب ورعاية الأم، لكن ظروف انفصالهما أبعدهما عن ابنتهما فكانت فريسة سهلة لهذا المدرس الشاب لإشباع نزواته باسم الحب والارتباط، فوجد الطريق مفتوحاً امامه للدخول إلى قلبها وعقلها واعجبته فكرة أن يكون هو الحب الأول لفتاة صغيرة، وهو الذي خاض حياة جامعية طويلة وتعرف على الكثير من الفتيات وارتبط بالعديد منهن. وأغرته فكرة أن يدخل مغامرة جديدة مع طفلة هو من يعلمها معنى الحب. وأعلن ارتباطه بها ليطمئن أن أحداً غيره لن يقترب منها، وكان تبريره للارتباط بفتاة تصغره بخمسة عشر عاماً لأصدقائه، عندما علموا أن علاقته تطورت من التدريس إلى الحب، أنه يريد فتاة لم يلمسها أحد سواه، ففي مجتمعنا الذكوري المليء بالعقد مسموح للشاب ان يغامر بحياة الفتيات، أن يحب ويمارس الجنس معهن، ولكن عندما يريد الزواج يريد فتاة نظيفة، كما يقال، لأن الفتاة التي تقع في الحب تتحول إلى عاهرة، أما الشاب فمن الطبيعي أن يجرب فحولته مع كل الفتيات اللواتي يشتهيهن، فلا ملامة عليه لأن الفتاة هي من تمد يدها وهي من تقبل وهي من تغري وهي من تثير ذلك الحمل الوديع، ليتحول إلى ذئب يفترسها.
والفتيات وحدهن يحملن العار لأنه هو رجل لا يحمل غشاء بكارة يجب أن يحافظ عليه حتى زواجه سليماً لأجل الشرف. وهو لا تظهر عليه دلائل الحمل التي قد تفضحه في المجتمع إن هو مارس الجنس مع إحداهن، بالعكس تماماً الشاب يتفاخر بعدد الفتيات اللواتي اوقعهن بغرامه وتخلى عنهن فيما بعد، أما عندما تحب الفتاة يبقى حبها سراً وتبقى حياتها مرتبطة بهذا السر وتخاف أن يُفتضح أمرها، فحب الفتاة عار يجب اخفاؤه أما حب الشاب فرجولة وفحولة ومدعاة للتفاخر.
وعد المدرس المراهقة بالزواج بعد ان تنجح في الصف التاسع وتطورت العلاقة حتى استطاع أن ينال منها مبتغاه باسم الحب والاهتمام، اللذين كانت بحاجتهما وهي في هذه السن وتلك الأوضاع.
بعد مضي ثلاث سنوات، وهو يعاملها كزوجة، فهو من يحدد حركاتها وسكناتها وكلماتها وصديقاتها، أما هو فيتابع حياته وعلاقاته، فهو الكبير العارف المدرس المثقف، وهي الصغيرة التي تحيا وسط اضطرابات أسرية وإهمال من قبل الأم والأب. وجدت فيه المستمع، المهتم، الموجه، المخلص، فانتظرت أن يأتي اليوم الموعود وتصبح زوجته بشكل رسمي أمام العالم. لكن هذا اليوم لم ولن يأتي فهو لن يستطيع أن يتزوج من فتاة غير متعلمة، لأن المتعلمة ستتوظف يوماً وستسانده مادياً في بناء المنزل، وهي صغيرة لن يستطيع ان ينتظرها عشر سنوات أخرى على أقل تقدير حتى تنهي دراستها وقد تنجح أو لا تنجح، وقد تجد وظيفة أو لا تجد، فهو يريد الشيء السهل والمضمون. وهكذا قرر تركها تواجه عارها وحيدة.
دفعها خوفها من الفضيحة للانتحار، لكن لم تنجح بالموت، فأخذها والدها لمنزله في القرية، وهناك انقطعت أخبارها. أما هو، فقد كانت بالنسبة له هذا المراهقة مجرد تسلية وتقضية وقت فراغ وتلبية لنزواته. تزوج بأخرى وكأن شيئاً لم يكن. تزوج من فتاة متعلمة موظفة لديها مرتباً شهرياً سيسهل عليه حياته الأسرية.
ما حدث اسمه “التغرير بقاصر” والاعتداء عليها، وقانونياً سيعاقب الشاب ويُسجن، لكن خيار الادعاء عليه استُبعد من اجل الحفاظ على سمعة الفتاة وعائلتها. وهكذا انتصرت العادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة حتى على القانون، وبذلك نجا الفاعل بفعلته. هذه القصة الحقيقية واحدة من القصص الكثيرة المشابهة التي تحدث في مجتمعنا وتبقى طي الكتمان، حيث تقع الفتيات الصغيرات أو حتى الكبيرات في هذه المشاكل، البعض يحمل الفتاة المسؤولية والبعض الاخر يحملها لأهل الفتاة، على اعتبار انهم لم يحسنوا تربيتها، ويتناسى الجميع أن التربية يجب أن تكون للشاب والفتاة معاً، وأن عادة تبرير أخطاء الشاب لأنه ذكر هي اسوأ عادة في مجتمعنا، لأنها تسمح له بتكرار أغلاطه مرات ومرات، دون الشعور بأدنى تأنيب ضمير، فهو لا يعيبه شيء لأنه ذكر.
و البعض الآخر يتهم حرية الفتاة والسماح لها بالاختلاط بالجنس الآخر هي السبب، فلو أنها لازمت منزل والدها ولم تخرج للتعلم والعمل وبقيت منتظرة شاباً يتزوجها، لو كانت منقبة لما أثارت شهوته وتلاعب بها.
ولو كانت الأم لا تعمل خارج المنزل، لكان زاد اهتمامها بابنتها وكانت استطاعت أن تقوم بواجب تربيتها كاملاً، ولما وقعت الفتاة فريسة لنزوات أحدهم. وقد تناسوا أن الاخلاق يجب أن لا تكون مرتبطة فقط بالفتاة، لان لأخلاق صفة إنسانية يجب ان تشمل الذكر والأنثى، وحرمان الأنثى من حق التعلم والعمل والمشاركة بالحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليس هو الحل، لأنه سيُنتج مجتمعاً ناقصاً في أساسه غير متوازن، لأن نصف المجتمع سيكون مقموعاً مكبوتاً مضطهداً باسم الحفاظ على الشرف.
والحل يكون بتغيير نمطية التفكير السائدة التي تسمح للشاب بارتكاب ما يحلو له من أخطاء دون عقاب، وتحميل نتيجة أغلاطه للفتاة. وبزرع الوعي ورفض التمييز بين أبنائنا على اساس الجنس، بحيث تكون التربية الأخلاقية متساوية للذكر والأنثى على حد سواءـ إضافة إلى تفعيل القوانين التي تعاقب على ارتكاب الانتهاكات بحق النساء.
خاص “شبكة المرأة السورية”