إحدى النساء السوريات التي انضمت لتيار المهاجرين إلى ألمانيا، اضطرت لسداد ديون زوجها للمهربين من خلال إتاحة جسدها لممارسة الجنس على طول طريق التهريب، وأخرى تعرضت للضرب حتى فقدت وعيها على يد أحد حراس السجن في هنغاريا بعد أن رفضت محاولاته للتحرش بها، وامرأة ثالثة، وهي فنانة تجميل سابقة، ارتدت ملابس صبيانية وتوقفت عن الاستحمام لدرء الرجال ضمن مجموعة اللاجئين التي تسافر ضمنها من الاقتراب منها، وهي الآن تعيش في مأوى حالات الطوارئ في برلين، ولا تزال تنام بملابسها، وكالعديد من النساء هنا، تضطر لدفع الخزانة أمام الباب لتوصد باب غرفتها ليلًا.
“لا يوجد قفل أو مفتاح للباب أو أي شيء آخر”، قالت إسراء الحوراني، فنانة التجميل، وإحدى النساء النادرات اللواتي كشفن عن اسمهن خلال المقابلة، وتابعت موضحة: “لقد كنت محظوظة للغاية، فأنا لم أتعرض إلا للضرب والسلب”.
إسراء الحوراني لاجئة سورية في ألمانيا
الحرب والعنف في بلد المنشأ، استغلال المهربين، البحار المحفوفة بالمخاطر، والترحيب والمستقبل غير المؤكد في قارة أجنبية، ليست سوى بعض المخاطر التي يواجهها عشرات آلاف المهاجرين الذين لا زالوا يشقون طريقهم إلى أوروبا من الشرق الأوسط وخارجه، ولكن في كل خطوة على الطريق، تتضخم المخاطر بالنسبة للنساء.
المقابلات التي أجريناها مع عشرات المهاجرين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين المسؤولين عن رعاية الوافدين الجدد إلى ألمانيا المصابين بصدمات نفسية، تشير إلى أن موجة الهجرة الجماعية الحالية اقترنت بموجة أخرى من العنف ضد النساء، تمثلت بحالات الزواج القسري، الإتجار بالجنس، العنف المنزلي، وحالات عنف واغتصاب مورست من قِبل اللاجئين نفسهم، المهربين، أفراد الأسرة الذكور، أو حتى ضباط الشرطة الأوروبيين، علمًا أنه وحتى الآن لا توجد إحصائيات موثوقة حول حالات الاعتداء الجنسي وغيرها بين اللاجئات.
توضح إحصائيات الأمم المتحدة بأنه من بين مليون مهاجر دخلوا إلى أوروبا خلال العام الماضي، هربًا من الحرب والفقر في الشرق الأوسط وخارجه، يتفوق الرجال عدديًا على النساء بنسبة 1 إلى 3، وكما تقول هايكه رابي، خبيرة الجنسين في المعهد الألماني لحقوق الإنسان: “الرجال يهيمنون عدديًا، ويهمنون أيضًا في كل المجالات الأخرى”.
تقول سوزان هونه، مشرفة المعالجين النفسيين في مركز في غرب برلين متخصص في علاج المهاجرات المصابات بصدمات نفسية، بأن أغلب النساء الـ44 اللواتي يخضعن لرعايتها، تعرضن للعنف الجنسي، علمًا أن بعضهن بالكاد بلغن سن الرشد وبعضهن تجاوزن عمر الـ60، وأضافت: “نحن المعالجون أنفسنا أصبحنا نذهب لدورات المعالجة النفسية الخاصة بنا مرتين في الشهر للإشراف والتعامل مع ما نسمعه من قصص”.
السيدة هونه مع 18 موظفًا آخر، يوفرون العلاج الدوري بشكل أسبوعي لكل امرأة، ويشمل هذا العلاج الزيارات المنزلية لمساعدة اللاجئات للتكيف مع الحياة في ألمانيا.
إحدى النساء السوريات، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 30 عامًا، هربت من أهوال الحرب في سورية مع عائلتها في وقت مبكر من العام الماضي، ولكن عندما نفد مال زوجها أثناء الرحلة، ولم يتبق معه ما يكفي ليدفع للمهربين في بلغاريا، عرض زوجته كوسيلة للدفع بدلًا من ذلك، ولمدة ثلاثة أشهر، تعرضت للاغتصاب بشكل شبه يومي لتدفع أجرة متابعة سفر عائلتها.
وبعد وقت قصير أصبح زوجها يسيء إليها أيضًا، “إنه منطق ملتوٍ”، قالت السيدة هونه، وتابعت: “فالأمر الذي أجبرها زوجها على فعله، أصبح في النهاية يلطخ شرفه، لقد أصبحت هي الطرف المذنب في النهاية”.
تعيش المرأة الآن بصفة لاجئة مع أطفالها في برلين، وزوجها، الذي يعيش في مكان آخر في ألمانيا، والذي طاردها في شوارع برلين لمرة واحدة على الأقل، محكوم بأمر قضائي يقضي بأن يبقى بعيدًا عنها، ولكنها مع ذلك لا تزال هلعة ومرتابة من تزويدنا ولو باسمها الأول، خوفًا من تعرضها للقتل على يد زوجها أو أحد الأقارب، لأنهم يتصورون بأنها جلبت “العار” للأسرة.
تقول السيدة هونه بأن هذه المرأة تعاني من كافة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، بما في تذكر ذكريات الماضي، الأرق، وصعوبة التركيز، “في إحدى اللحظات تكون بكامل وعيها وصحتها، ولكن في لحظة أخرى تجدها متسمرة في كرسيها وتحاول تفادي الرصاص في دمشق أو تعيش ذكريات اغتصابها في بلغاريا”، قالت السيدة هونه.
يشير وليام سبيندلر من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في اليونان، وهي إحدى نقاط دخول المهاجرين الرئيسية إلى أوروبا، بأن مراكز الاستقبال غالبًا ما تكون مكتظة وتفتقر إلى الإضاءة الكافية ولا تمتلك مساحات منفصلة للنساء العازبات، ويضيف موضحًا: “الرجال والنساء والأطفال ينامون في ذات المساحة، وفي جميع أنحاء أوروبا، تم إبلاغ موظفينا عن حصول حالات عنف جنسي أو عنف أسري”.
حتى في ظل الأمان النسبي في ألمانيا، يكافح نظام اللجوء لتوفير الاحتياجات الأساسية لحوالي مليون مهاجر وصلوا إلى ألمانيا عام 2015، ولكن هذا النظام يعاني من نقص مدقع فيما يتعلق بتوفير الحماية الأساسية للمرأة، كغرف النوم التي تحتوي على أقفال للأبواب.
“الأولوية في ألمانيا كانت لتجنب تشرد الأسر”، قالت السيدة رابي، وأضافت: “ولكن وجود بيئة تسهل عن غير قصد وقوع ممارسات العنف ضد المرأة تعتبر أحد عوامل الخطر، لذا لا يمكننا أن نسمح بتجاوز هذه المعايير”.
هذا الأمر، كما يقول جان شيبموم، الذي يدير منزلين لطالبي اللجوء في شرق برلين، يسهل قوله ولكن يصعب تنفيذه، حيث يشير إلى عدم وجود سوى حمامين في الطابق الواحد، فضلًا عن إتخام الغرف جميعها بطالبي اللجوء واللاجئين.
أحد المنازل التي يديرها شيبوم هو عبارة عن مأوى لحالات الطوارئ، وهو ذات المنزل الذي تعيش فيه السيدة حوراني، ويشير شيبوم، بأن معظم الـ120 شخصًا الموجودين في المركز هم من السوريين والأفغان، و80 شخصًا منهم من الرجال.
سمر ترقص في حفلة النساء التي نظمها المأوى في برلين ضمن مقهى محلي
أمام طاولة تسليم المواد الغذائية، وهو المكان الذي يقوم ضمنه المتطوعون بتوزيع الحساء الساخن والفواكه الطازجة على اللاجئين، غالبًا ما تكون النساء في آخر الطابور، والكثير منهن يبقين في غرفهن معظم الوقت، ونادرًا ما يشاركن في الأنشطة التي يتم الإعلان عنها على لوحة الإعلانات، كزيارة المتاحف أو الحفلات الموسيقية، لدرجة أن إحدى النساء السوريات لم تغادر المبنى منذ وصولها قبل شهرين، لأن زوجها، الذي لم يصل حتى الآن إلى ألمانيا، يمنعها من الخروج.
في غرفة الغسيل، يتم تداول قصص العنف الأسري ضمن المحادثات الخافتة بين النساء؛ فهناك زوج غيور وعنيف يضرب زوجته في الطابق الرابع، وهناك امرأة أخرى تتعرض للضرب من قِبل زوجها لأنها لا تنجب، ويشير أحد المتطوعين في الملجأ، بأنه قبل بضعة أشهر، تحرش رجلان أفغانيان بفتاة أفغانية مطلقين تعليقات بذيئة، كما دفعاها من على دراجتها قبل أن يتدخل الآخرون لإنقاذها، ولكن مع ذلك، نادرًا ما يتم التبليع عن حوداث العنف والتحرش المرتكبة.
تشير السيدة رابي بأنه غالبًا ما يتم ربط طلبات اللجوء المقدمة من الأزواج في ألمانيا، مما يجعل النساء أكثر اعتمادًا على أزواجهن، وأكثر ترددًا في الانفصال عنهم، وتردف موضحة بأنه من الناحية النظرية، القانون الألماني يضم نصوصًا ملائمة للغاية للتعامل مع حالات العنف الأسري، ولكن من ناحية التطبيق، يصعب للغاية تنفيذ التدابير التي ينص عليها القانون، كتدبير الفصل المادي بين الشركاء الذي يصعب تنفيذه داخل المأوى.
وفي ذات السياق، يشير السيد شيبوم بأنه عندما تناهى إلى علمه حالة قيام زوج بضرب زوجته داخل المأوى، قام باستدعاء الشرطة، إلا أنه تقابل مع صياح الزوجة متهمة إياه بأنه يسرق زوجها، ومنذ ذلك الحين، يتعامل مع التقارير الواردة إليه عن ممارسات العنف الأسري من خلال الوساطة والتوفيق بالغالب، محاولًا تمكين وتقوية النساء في المنازل التي يديرها.
في الشهر الماضي، قامت إحدى المتطوعات في أحد المنازل التي يديرها السيد شيبوم، بمباشرة نشاط نزهة أسبوعية مخصصة للنساء، وفي نهاية المطاف، حتى أكثر الأزواج تشككًا في البداية سمحوا لزوجاتهم بالذهاب بالنزهة، وضمن النشاط خرجت امرأة غادرت مبنى اللجوء للمرة الأولى منذ قدومها، وفي الحديقة وضعت أغنية على هاتفها الجوال وبدأت بالرقص، “كلما خرجت النساء إلى الخارج بشكل أكبر، كلما تمتعن بثقة أكبر”، تقول المتطوعة، فيفيان روس، وهي مدرسة يوغا بالغة من العمر 34 عامًا.
تم حاليًا افتتاح نشاط حياكة مسائي مخصص للنساء في صالة التمارين الرياضية؛ كما أنه وفي صباح يوم الأربعاء، تذهب مجموعة صغيرة من النساء إلى بيت أحد المتطوعين للاستحمام بشكل منعزل، لتقليم وذهن الأظافر، وللتبرج والتزين.
بعد ظهر أحد الأيام في الأسبوع، تقوم العاملات الاجتماعيات من الإناث باصطحاب النساء المهاجرات إلى مقهى في الشارع المقابل لحفلة مخصصة للنساء؛ الجدران التي تغطيها الكتابات في المقهى، ورائحة الدخان المنبعثة من الصالة، لا يهمان، فبعد أن وصلت السيدة حوراني وهي تحمل تشكيلة منتقاة من الأغاني العربية على هاتفها الذكي، تحولت الصالة إلى بحر متموج من النساء المحجبات اللواتي يمارسن هوايتهن بالرقص.
بينما كانت بعض النساء يرسمن على أيديهن بالحنة، وتتداول أخريات أحاديث الإحباط جرّاء طول الوقت الذي يستغرقه حصولهن على صفة اللجوء، روت لنا سمر، وهي موظفة سابقة في وزارة المالية السورية تبلغ من العمر 35 عامًا، عن صعوبة معيشة المرأة وحدها في ظروف الحرب؛ فبعد أن فقدت منزلها نتيجة لقصف طال منطقة داريا، وهي إحدى ضواحي دمشق التي أصبحت معروفة بكونها مقرًا للاحتجاجات المناهضة للحكومة في وقت مبكر من الحرب الأهلية، قضت سمر 14 شهرًا وحدها في طريقها للوصول إلى أوروبا مع بناتها الثلاث، اللواتي تبلغ أعمارهن عامين و8 أعوام و13 عامًا.
“خلال كامل تلك الفترة لم يغب أطفالي عن ناظري لدقيقة واحدة”، قالت سمر متحدثة إلينا بالعربية من خلال مترجم، حيث تناوبت هي والأمهات العازبات الأخريات على النوم طول الطريق، لرعاية أطفال سمر.
ولكن في أزمير، تركيا، وعندما كانت على وشك الصعود على متن قارب إلى اليونان، تعرضت سمر للسرقة، ولم يعد معها ما يكفي من المال لتدفع للمهربين، وحينها عرض عليها أحد الأشخاص، يسمى عمر، بأن يقوم باصطحابها مجانًا ولكن مقابل ممارسة الجنس معه، علمًا بأن سمر كانت قد سمعته قبل ليلة، أثناء مبيتها في النزل مع غيرها من اللاجئات، وهو “ينتقل من غرفة إلى أخرى”، على حد تعبيرها.
“الجميع يعرف بأن هناك طريقتين لتدفعي للمهربين، إما بالمال أو بجسدكِ”، قالت سمر.
بالمحصلة، رفضت سمر العرض، مما أثار غضب عمر، وفي تلك الليلة اقتحم غرفة سمر وهددها وبناتها قبل أن يجبره صراخها على الابتعاد، وفي نهاية المطاف، بقيت سمر في تركيا لمدة عام تقريبًا تعمل لتجمع ما مجموعه 4000 يورو، وهو المبلغ اللازم لمتابعة ما تبقى من رحلتها إلى أوروبا.
أثناء جلوسها مع ابنتها الصغرى الملتفة بدفء في حضنها، خلصت سمر للقول: “جميع الرجال في العالم تقريبًا سيئون”.
على الطرف الآخر من المدينة، وفي غرب برلين، تعاطفت السيدة هونه مع قصة سمر، ولكن كان لها وجهة نظر أخرى أكثر دقة، حيث أوضحت بأنه لا يوجد حلول سهلة لمعاناة اللاجئات، فلا يمكن افتتاح ملاجئ خاصة بالإناث، لأن معظم الأسر ترغب بالبقاء معًا، وبعض النساء يعتمدن على الرجال للحماية، وأضافت: “يجب علينا ألا ننسى بأن العديد من الرجال مصابون بصدمات نفسية أيضًا”.
“لا يوجد أبيض أو أسود، خير أو شر” قالت السيدة هونه، وتابعت: “إذا كنا نريد أن نساعد النساء، فنحن بحاجة لمساعدة الرجال أيضًا”.
المصدر صحيفة “نيويورك تايمز”، ترجمة وتحرير موقع “نون بوست”