إعداد: جمانة علي
تطالب عدد من النساء حول العالم بأن يكون لهن مكان وكلمة في صياغة قوانين بلدانهن، وفي تعديل دساتيرها، وبأن وجودهن تحت قبة برلمانات دولهن، لا يعني أنهن حظين بالفعل بما يسعين لتحقيقه، من مساواة وحق في صناعة مستقبلهن.
ومن أجل تمكين المرأة للعب دور فاعل في مراحل الانتقال نحو الديموقراطية وإنهاء الصراعات، ومشاركة النساء في المفاوضات والتسويات السياسية، وصياغة الدساتير، وفيما حققت المرأة العربية إنجازات ملحوظة، ما زال هناك من يطالبن القوى الكبرى وزعماء العالم، بأن يقدموا لهن المساعدة اللازمة لتحقيق طموحاتهن في هذا المجال.
وما يجدر ذكره، أن النساء عامة لا يعانين خارج مقار البرلمان وحسب، بل من داخله، حيث بالنظر لقلة عددهن، لا يسمع، في معظم الأحوال لصوتهن، أو أنه لا يصل لمواقع صنع القرار ولا يكون نافذاً، جراء الهيمنة الذكورية على جميع الهيئات القانونية والرسمية. ومن هنا تضيع حقوق وتتضاءل مكتسبات وفرص مفيدة.
وفي عام ٢٠٠٠، اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار رقم ١٣٢٥، والذي جسد استجابة لمطالب محقة بوجوب مشاركة أوسع للمرأة في مفاوضات السلام والتسويات السياسية. ولكن رغم مرور أكثر من ١٥ عاماً على صدور ذلك القرار الأممي، ما زالت تلك المراحل التي تتطلب وضع أطر مؤسساتية جديدة ودساتير وأنظمة انتخابية وقانونية، تفتقر لوجود فاعل للمرأة، إذ غالباً ما تغيب المشاركات عن اللحظات الحاسمة، أو يكن متواجدات بأعداد صغيرة. ونتيجة لكل ما سبق لا تشمل التسويات والقوانين الجديدة ذكراً لوجوب المساواة بين الجنسين.
نشر فكرة
ولكن، كما يقول خبراء في مجال علم الاجتماع وتطوير المؤسسات الرسمية، لا بد من نشر فكرة إشراك النساء في اللقاءات الهامة والمؤتمرات الدولية ،التي يتم فيها مناقشة أوضاع المرأة، من أجل إسماع صوتهن، والمساهمة في اتخاذ قرارات تلبي مطالبهن، وتعود عليهن وعلى مجتمعهن بالنفع العام. وقد حرص باحثون وخبراء على تقديم خلاصة تجارب خبروها في عمليات الانتقال نحو الديموقراطية، وصياغة الدساتير من أجل إعطاء دروس مفيدة لنشطاء ولمنظمات غير حكومية وصناع قرار يسعون لتحقيق أفضل لأهداف المساواة بين الجنسين، في مناطق تشهد صراعاتً أو خرجت لتوها من حروب أهلية طاحنة.
وقد أظهرت مراحل انتقال نحو الديموقرطية في دول عديدة، مثل البرازيل وتشيلي وجنوب أفريقيا، أن النشطاء من داخل البرلمانات ومن خارجها، يمكن أن يحققوا مكاسب كبيرة. فقد أثبت هؤلاء قدرتهم على تنظيم جهودهم في وقت مبكر في تلك المراحل، عبر التغلب على انقسامات كبرى، وعبر وضع أجندات مشتركة، والعمل على صياغة استراتيجيات فعالة. وفي بعض الأحيان، تمكن أولئك الناشطين من تشكيل تحالفات عريضة، واستطاعوا اختراق العمليات السياسية بواسطة مجموعات نسائية مختلفة الميول السياسية، ولكنها توحدت من أجل تحقيق هدف واحد منشود، مما أمكن لهن تحقيق نتائج ملموسة.
عوامل عدة
وتلعب عدة عوامل أثرها في المدى الذي يمكن للناشطات أن يصلن إليه في التغلب على التحديات والمعوقات، التي تقف حائلاً أمام الاستفادة من الفرص المتاحة، لجعل العملية الدستورية أكثر استجابة لمتطلبات المساواة بين الجنسين. وفي هذا السياق يكون هناك ضرورة لوضع قواعد رسمية من أجل التشجيع على مشاركة أكبر للمرأة في الحقل العام، وخاصة الدستوري. وهذا بدوره يسهل تواجد النساء في مختلف المواقع، سواء كحزب منفصل، كما جرى في آيرلندا الشمالية، أو كجزء من مجمل الوفود، كما تم في جنوب أفريقيا. ولكن من المفترض تواجد النساء على مختلف المستويات، ومن ضمنهم تلك المتعلقة بصناعة أهم القرارات( كعضوات لجان)، وليس فقط ضمن فرق التفاوض، أي في المواقع الإدارية والقانونية والتقنية التي غالباً ما تقوم بمهام وضع مسودات الاتفاقيات، وتقديم المشورة في حال الموافقة على تسويات.
مشاركة المرأة في عمليه صياغة الدستور
ظمت شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات بالعمل السياسي حواراً عبر الانترنت حول دور المرأة في عملية صياغة الدساتير، واستمر الحوار لمدة 3 أسابيع وشارك فيه أكثر من 20 عضو من بلاد مختلفة ومنها الإكوادور وإندونيسيا وكينيا والمكسيك ونيجيريا، وسيراليون، سلوفينيا، أسبانيا، السودان، تونس والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أقيم الحوار في الفترة من 18 فبراير( شباط) 2014 حتى 24 مارس( آذار) 2014.
وتمت الإشارة إلى قيام بلدان عديدة في السنوات الاخيرة بمراجعة أو كتابة دساتير جديدة، مثل أفغانستان، الأرجنتين، بوليفيا، البوسنة و الهرسك، إكوادور، مصر، العراق، موزمبيق، وجنوب أفريقيا وكينيا وتايلاند وتيمور الشرقية، وتونس، و زيمبابوي – وذلك على سبيل المثال فقط، لا الحصر.
مشاركة الجمهور
وفيما سبق، كانت عملية اعداد و تعديل الدستور تحجب في العادة عن الجمهور، وتقتصر على الخبراء. ومع ذلك، ارتفعت، خلال الأعوام الأخيرة، نسبة مشاركة العامة في هذه العمليات، واليوم صارت مشاركة الجمهور مقبولة على نحو متزايد باعتبارها حق ديمقراطي أساسي أكدته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من خلال تفسيرها للمادة 25 من الميثاق الدولي . وتشمل آليات بناء الدستور بطريقة تشاركية كل من التربية المدنية، والمشاورات العامة، ومشاركة المواطنين عن طريق الدعوة من قبل المجتمع المدني و خبراء المجتمع والاستفتاءات.
ويمكن اعتبار مشاركة أبناء المجتمع في عمليات ديموقراطية لإعداد الدستور بمثابة حوار مستمر بين أفراد المجتمع، بما في ذلك المواطنين كأشخاص عاديين، أو من خلال النقابات ومنظمات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية، ومجموعات الخبراء، مع الأحزاب السياسية و الهيئة ( مثل الجمعية التأسيسية ) المكلفة بصياغة الدستور الجديد وإقراره. وبهذه الطريقة يصبح لجميع المواطنين الحق في المشاركة في العملية الدستورية بأكملها.
مجرد نص
بغض النظر عن هذه التطورات، فإن بعض الحكومات لا تزال تعتبر أن مجرد النص في ديباجة الدستور على أن النساء والرجال متساوون يكون كافياً. ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة على فقرات عدة دساتير تكشف أن تأكيد المساواة و عدم التمييز لا يكفيان لضمان مساواة النساء في المعاملة. لهذا الغرض فان الحركات النسائية، في العديد من البلدان أمكنها دفع مقترحات تضمن حقوق المرأة، واضطرت عدد من الدول لإزالة العقبات التي تحول دون فعاليتها.
وفي معرض الإشارة للمكتسبات التي حققتها المرأة العربية من خلال الدستور يجدر ذكر الإصلاحات الدستورية التي تمت قبل أربعة أشهر في المغرب. فقد نصت الوثيقة الدستورية على أن “الرجل والمرأة يتمتعان، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية” ما من شك أن المرأة تشكل النصف الثاني للمجتمع، وبناء على هذا الوعي واعترافا بمكانة المرأة المغربية داخل الحقل السياسي، جاء الدستور الأخير 2011 متضمنا صراحة لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وذلك في فصله 19 السالف الذكر .
إن إشكالية هذا الموضوع تتمحور حول مقاربة مدى تفعيل وتطبيق مبدأ المساواة وفقا لما نص عليه دستور 2011 في فصله 19 في التركيبة الحكومية الجديدة، وكيف استقبل الفاعلون والفاعلات في مجال الحقوق الإنسانية، وخاصة الجمعيات النسائية التي ناضلت من أجل تحقيق المساواة في الحقوق السياسية والمدنية.
ديموقراطية في طور النمو
ورغم أن الديمقراطية في الوطن العربي ما زالت في طور النمو إلا أنها بحاجة إلى المزيد من الخطوات المدروسة لتحقيق الديمقراطية كنهج وفكر وقيم، لأن ممارسة الديمقراطية في الحكم، في ظل غياب القيم، لن تؤدي إلى النتائج الايجابية. وفي الواقع، هناك تشابه في قبول المرأة كشريك متكامل للرجل في الدول العربية، ولكن تعاطي المجتمعات العربية يختلف من دول عربية إلى أخرى من حيث يتم اعتماد تعامل متفاوت غالباً ما يكون رهين الأعراف والتقاليد والثقافات القديمة.
ونأخذ المغرب كنموذج في منح المرأة التساوي مع الرجل على مستوى جميع الأصعدة، حيث تم اجتياز مسار صعب مكن المرأة من الحصول على وضع متقدم إلى جانب الرجل وتمت دسترة رزنامة من القوانين في الدستور الجديد، ولعبت في الأمر دوافع أساسية أبرزت هذا التحول، ولا ننسى دور المجتمع المدني والحقوقي وكل مكونات المشهد السياسي في المغرب بما فيها الأحزاب الإسلامية التي لم تجد مانعا شرعيا يمنع أو يوقف حصول المرأة على التساوي مع الرجل. انعكس هذا على وضع الدولة المغربي التي تعتبر من الدول العربية التي وقعت على مواثيق ومعاهدات تهم حقوق وأوضاع المرأة.
بالإضافة إلى كون المغرب متعدد الثقافات واللهجات واللغات، فقد استطاع التعامل مع أوضاع المرأة ومنحها حقوقها الأساسية وكانت كل البرامج السياسية الحكومية تضم نصيب مهم للمرأة حيث تعامل المشرع السياسي بالمغرب مع المرأة بنوع من التشارك تلبية لنضالها من أجل أخد موقع متقدم وسط المجتمعات تحقيقاً للحقوق المشروعة للمرأة.
وبالفعل، تمكنت المرأة بفضل مجهودها، ومجهود مختلف القوى الحية في المغرب العربي، من الحصول على وضع متقدم واقترابها من مواقع صنع القرار. وقد أقرت الدولة نظام الكوتا للوصول تدريجياً الى الوضع المتقدم الذي تفتقده بعض الدول العربية.
من بين المشاريع الديمقراطية الحقيقة التي ساهمت في ما تم تحقيقه لصالح حقوق المرأة في المغرب مدونة الأسرة، هيئة الإنصاف والمصالحة كأساس للقطع مع الماضي، قانون الجنسية الذي يمكن الأم المغربية اليوم من منح جنسيتها لزوجها غير المغربي، وهذه إشارات عملية على أن هذه المكتسبات تاريخية ، وفي غاية من الأهمية وهي أيضا نتيجة لجهود حقوقية وإرادة سياسية قوية وثابتة إلى جانب العديد من الإصلاحات.
دستور ما قبل الحرب
من جانب آخر، حققت المرأة اليمنية، وفقاً للدستور، نوعاً من المساواة مع الرجل في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية. فقد ورد في نصوص المواطنة في الدساتير اليمنية 1978- 1994 و التعديلات المقترحة على ما يلي:
- المادة (36) من دستور اليمن الديمقراطية الشعبية (1978)كانت تنص على الأتي: “تضمن الدولة حقوقاً متساوية للرجال والنساء فى جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعيةً، وتوفر الشروط اللازمة لتحقيق تلك المساواة . وتعمل الدولة كذلك على خلق الظروف التي تمكن المرأة من الجمع والمشاركة في العمل الإنتاجي والاجتماعي ودورها في نطاق الحياة العائلية، وتعطى المرأة العاملة رعاية خاصة للتأهيل المهني . كما تؤمن الدولة حماية خاصة للنساء العاملات والأطفال، وتقوم بأنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال، وغير ذلك من وسائل الرعاية كما يبين القانون”
- المادة (27) من دستور 1991: “المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون و متساوون في الحقوق و الواجبات العامة و لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة”
- المادتين (31): “النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق و الواجبات ما تكفله و توجبه الشريعة و ينص عليه القانون” و (41): “المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق و الواجبات العامة” من دستور 1994
التعديلات المقترحة تلخص في العودة إلى المادة (27) من دستور 1991 عوضاً عن كل من المادتين (31) و (41) و إضافة المادة (36) من دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
ثانياً التمكين السياسي للنساء:
نص توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة في 32 نوفمبر( تشرين الثاني)2011، على جعل كافة أطراف العملية السياسية في اليمن، ملزمة بأن تمثل المرأة تمثيلاً مناسباً في جميع المؤسسات التي جرت الإشارة إليها في الآلية التنفيذية.
خاص “شبكة المرأة السورية”