Search
Close this search box.

بين براميل الأسد والمنافي … أين أطفال سوريا من الهوية؟  

بين براميل الأسد والمنافي … أين أطفال سوريا من الهوية؟  

كريمة رشكو – ألمانيا

اللغة هي الأداة الأقوى التي تحافظ على التراث، الحضارة، العرق والتاريخ، تساعد على تطوير الوعي الثقافي في كافة أنحاء العالم، وتحقق التضامن الحقيقي المبني على التفاهم والتسامح والحوار. ولأهمية هذه العامل، فهو الأكثر عرضة للخطر، إذ “يؤدي إقصاء اللغة إلى حرمان المتحدثين بها من حقهم الإنساني الأساسي في الانتفاع بالمعارف العلمية”، كما تقول المديرة العامة لليونسكو ).

لذلك، أعلنت اليونسكو في مؤتمرها العام سنة 1999 عن جعل يوم 21 شباط يوماً عالمياً للغة الأم، هادفة من هذا الإعلان إلى تعزيز التنوع الثقافي وتعدد اللغات، وتعزيز التفاهم الدولي.

 والجدير بالذكر أن اختيار هذا التاريخ يرمز إلى اليوم الذي فتحت فيه الشرطة النار في مدينة دكا، عاصمة بنغلاديش حالياً، على التلاميذ الذين خرجوا متظاهرين للمطالبة بالاعتراف باللغة الأم. الواحد والعشرون من شباط، قد يكون يوماً عابراً ككل الأيام لدى البعض، إلا أن له دلالات تاريخية لا يفهمها إلا من قدم الدم والملايين من الشهداء من أجل الحفاظ على لغته وأصالتها وتاريخها.

اللغة إذن هي إحدى مقومات الوجود والهوية، فلا يمكن لشعب ما أن يؤكد على هويته أو يواكب الأحداث إن لم يستخدم لغته الأم كلغة للحياة اليومية. وها نحن اليوم نأتي لنكتب عن اللغتين الأوسع انتشاراً في سوريا الوطن، العربية والكوردية، وضياعهما في أوروبا نتيجة إهمال أطفالنا السوريين الذين ولدوا هناك أو هاجروا إليها في الصغر، حيث نلاحظ أنهم يتكلمون اللغة الأجنبية أكثر من اللغة الأم. نعلم جميعاً أن اللغة العربية من أكثر اللغات التي تعرضت للإقصاء عالمياً، وكذلك الكوردية، وأن الشعبين قدما الكثير من التضحيات للحفاظ عليها. يقول رئيس تيار المستقبل الكوردي في سوريا، السيد “سيامند حاجو”: “لكل لغة أهميتها حاضراً ومستقبلاً، فنحن نتعلم الإنكليزية مثلاً، لأننا ندرك أنها لغة عالمية ونحتاجها في العمل، إلا أن أبناءنا يعتقدون أن اللغة الكوردية غير مهمة في ألمانيا مثلاً، سوى للتواصل مع الأهل والأقارب في الوطن، والمسؤولية برأيي يتحملها الأهل، فالاهتمام باللغة الألمانية فقط هو بحد ذاته خطأ كبير. لابد أن يتكلموا في البيت باللغة الأم لأنهم سيتعلمون تلقائياً لغة البلد الذي يقطنونه من خلال المدارس والاحتكاك مع أبناء البلد، لذلك لابد من إقناع الأهالي بضرورة الانتباه لمدى أهمية اللغة الأم، ففي سوريا المستقبل سيكون للغة الكوردية مستقبل، وليس من الضروري لمن يتعلم لغته الأم طبعاً أن يكون مدافعاً عن حقوقه المشروعة، لكن رغم ذلك لابد أن نعلم أولادنا لغتنا، فمن غير المعقول أن تطالب بحقوقك وأنت لا تتقن لغتك. وكما قلت آنفاً، في سوريا المستقبل لا يمكن للحركة الكوردية أن تطالب بجعل اللغة الكوردية لغة رسمية، في وقت لا تتمثلها كلياً بإتقان أبنائها لها، وهذه هي المشكلة الكبيرة، فأغلب بياناتنا السياسية هي باللغة العربية، ولابد من الكتابة بالكوردية أيضاً”.

يضيف: “لنا آمال كبيرة في سوريا المستقبل، سوريا التي نطمح أن تضمن الحقوق الكوردية بما فيها اللغة الأم”.

يحدثنا السيد “خالد الزايد”، رئيس الجالية السورية في هانوفر عن أن العالم العربي مر بفترات رهيبة وفظيعة، لا سيما فترات الاحتلال، فكانت لذلك حتماً تأثيرات سلبية على اللغة العربية، حيث تمكن المحتل من إدخال لغته في الحياة اليومية، لا سيما شمال أفريقيا، فعلى سبيل المثال في جنوب سودان، وبالرغم من أن المحتل لم يصل إلى تلك المنطقة كثيراً، لكنهم لا يزالون يستخدمون اللغة الفرنسية. بقناعتي أن الشعب العربي تمكن من الحفاظ على لغته وتاريخه، والفضل أيضاً يعود للقرآن الكريم، فالقرآن يجسد اللغة العربية الحقيقية، وأي دخيل لا بد من القضاء عليه، هذا بشكل عام عن اللغة العربية ومراحل محاولات إقصائها”.

مشكلة الأجيال الموجودة في ألمانيا ذات بعدين، الأول متمثل في الرجال الذين تزوجوا من ألمانيات، فكان حظ الأطفال من اللغة العربية ضعيفاً جداً، الأم تتحدث معهم بلغتها الأم، وهنا تصدق تسمية اللغة الأصلية باللغة “الأم”، لأن لغة تتحدث بها الأم ستكون الأساسية، ومهما حاول الأب العربي التحدث مع أطفاله بالعربية، ستكون حتماً كلمات قليلة ولفترة وجيزة.

أما البعد الآخر فهو الأطفال من والدين عربيين، يرتادون المدارس، المعاهد والجامعات، ويتحدثون إلى الأصدقاء بالألمانية، ويكون التيار الخارجي بذلك أقوى من التيار الداخلي أي المنزل.

حتماً هذه مشكلة كبيرة جداً، فالجيل العربي ربما يفهم اللغة العربية، لكن سيجيب باللغة الألمانية وكأنه أجنبي، ولا أعتقد أن الأجيال القادمة ستكون لها صلة باللغة الأم، لذلك أنصح الأهالي إرسال أبنائهم إلى المدارس أو المكاتب التي تعلم اللغة العربية، حتى ولو لساعة واحدة فقط في الأسبوع، كي لا ينسوا تاريخهم وأصلهم.

أما عن الحلول التي لابد من إيجادها للحفاظ على أجيالنا ولغتنا، فيقول السيد “عبد الحميد خليل” رئيس جمعية آزادي الكوردية الألمانية، أن على الوالدين المسؤولية الكبرى، لكن لا بد من الاعتراف أيضاً أن الطفل ينخرط في المجتمع الأجنبي منذ أعوامه الأولى، واستخدامه للغة الأم يقل يوماً بعد آخر، لكن إن كانت للوالدين أو لنقل للشعب، رغبة في تعليم أطفالهم اللغة الأم، فبإمكانهم مطالبة الحكومة بتعليم أطفالهم ساعتين في الأسبوع، فهناك تسهيلات من قبل الحكومة بهذا الخصوص، ويمكن تخصيص معلم للغة الأم، وبذلك سيتعلمون الكثير من الكلمات. أما عن الحل الأمثل، فلا بد من تواصل الأهل مع أطفالهم، ولكن للأسف، ونتيجة التكنولوجيا واستخدامها من قبل الأطفال والأهالي، قطعت تلك العلاقة التي كانت موجودة بين الأهل والأطفال، وتلك الطاولة التي كانت تجمع العائلة لم تعد موجودة.

إن ضياع اللغة الأم، في هذه الظروف التي خسرنا فيها أكثر من نصف مليون طفل، تعتبر خطوة خطيرة نحو ضياع كلي للغة.

لقد أثبتت الدراسات أن إتقان الأطفال للغتهم الأم يسهل عليهم تعلم لغات أخرى. وبعد ما أوردناه من آراء، فإن ابتعاد الأطفال عن لغتهم الأم ليس حضارة أو تطوراً، بل على العكس تماماً، لذلك لابد من التحدث معهم دائماً بها، متابعة الأخبار السورية بها، دفعهم للمشاركة في النشاطات والفعاليات السورية، توطيد علاقات صداقة مع عوائل سورية أخرى، تأسيس منظمات سورية مهتمة بالأطفال ولا سيما المراهقين، وتكليفهم بمهمات ونشاطات تاريخية، ليبحثوا دائماً عن تاريخهم ويحافظوا عليه، فضلاً عن عدم التباهي أمامهم بالتحدث بلغات أجنبية، لأن ضياع اللغة الأم هو ضياع للوطن.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »