نجاح سفر
عندما قررت قطتي “لولو” فطام أطفالها الأربعة، أخذت تضربهم وتبعدهم عنها، لكنهم لم يفهموا حركاتها، وشعروا بالغرابة من تصرفاتها، مما جعلهم يصرون على التمسح بها، بينما هي تغالب أمومتها، فتقوم بلحسهم تارة وضربهم تارة أخرى. هذه التجربة يعيشها البشر كغيرهم من المخلوقات، وتعتبر الهجرة الأولى للفرد عندما يغادر رحم أمه، حسب وجهة نظر سيغموند فرويد، فقد تعود عليه، وعندما يخرج منه يواجه واقعاً مختلفاً يجبره على التكيف. أما الهجرة الثانية فهي الفطام، فالثدي يشعره بالدفء، وعند مغادرته ثدي أمه يشعر بالألم، مستغرباً تصرفات أمه التي لطالما حنت عليه بتلقيمه ثديها الحنون. وهذا ما يحدث مع المهاجر، خصوصاً غير الشرعي، حيث تشكل الهجرة، من وجهة نظر التحليل النفسي خبرة صادمة، إذ يتعرض المهاجر لمخاوف تنتج عن فقدانه حالة التآلف مع قواعد المكان الجديد، فيعيش مشاعر عميقة من الخوف تجعله يستسلم لحالة من الوحدة والعزلة.
إشكالية “الاندماج”
من أهم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المهاجرون غير الشرعيين اضطراب ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى تجارب ضاغطة تؤثر على الصحة والأمن النفسيين، نتيجة المعاناة من صعوبات الاندماج والتكيف مع المجتمع الجديد، التي تولد لديه شعوراً بالعزلة الاجتماعية والنفسية.
ومن التحديات التي تواجه المهاجر ما يطلق عليه اسم “الاندماج” في المجتمع الجديد،
حيث يعاني المهاجر من مشكلات نفسية واجتماعية نتيجة الاختلاف بين المجتمعات، والانتقال إلى مجتمع جديد له لغته وتقاليده وعاداته وقيمه، فيصعب على بعض المهاجرين التواصل مع المجتمع الجديد وتحول صعوبة الاندماج بين المهاجر وإمكانية التكيف والتأقلم مع هذا المجتمع، مما يخلق لديه شعوراً بالعزلة النفسية والاجتماعية، فهو في مجتمع غير مجتمعه وبيئة غير بيئته، يعيش بعيداً عن منزله وأهله وأصدقائه الذين ربما فقد بعضهم، فيشعر بالحزن والأرق والقلق والخوف من المجهول.
يعيش المهاجر مشاعر الحرمان والحنين إلى الوطن والتفكير فيه واستعادة ذكرياته، وقد يترافق معه الحزن والأرق وفقدان الشهية وحالات من القلق، مما يدفعه إلى تعاطي الكحول أو المخدرات، لتخفيف حالة التوتر والاكتئاب والقلق، ومحاولة منه أيضاً لمجاراة المجتمع الجديد، مما يؤثر على هويته ويدفعه لممارسة أساليب دفاعية مثل ارتداء الأزياء الوطنية لبلده والاستماع لموسيقاه وأغانيه والتحدث بلهجته. بينما يعيش آخرون عدم الشعور بالأمن والانتماء واحترام الذات والإحباط، مما يدفعهم أحياناً للتفكير في الانتحار.
ورغم أن الهجرة تشكل لدى البعض حلاً لمشاكلهم، ويرى آخرون فيها فرصة لتحقيق طموحاتهم، إلا أنهم عندما يصلون البلد الجديد يواجهون العديد من التحديات مثل التمييز في العمل والسكن والأجور واللغة، لذا سرعان ما يشعرون أنهم في منفى، ولو كان اختيارياً.
وتتطلب الهجرة إلى البلد الجديد احتكاك المهاجر بأهل البلد الأصليين ومحاولة تطبعه بعاداتهم وأخلاقهم، لكن غالباً ما يواجه صعوبة في التكيف مع هذا الوضع الجديد، خصوصاً أن بعض وسائل الإعلام تقوم بدور تحريضي فتظهر المهاجرين بصورة مجرمين أو متطرفين إرهابيين، مما يؤدي إلى زيادة التعصب وتأجج مشاعر الحقد والكراهية، وخلق صورة ذهنية سلبية قد تتحول إلى صورة نمطية، تحول دون تواصل المهاجرين مع المجتمع الجديد بشكل فعال، الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور حالات من الاضطراب النفسي لدى البعض.
سؤال الهوية
تعتبر الهجرة من أقدم الظواهر البشرية التي ساهمت في إعمار الأرض وتلاقح الثقافات واختلاط المجتمعات، والدافع الأساسي للانتقال السكاني من مكان إلى آخر هو البحث عن حياة أفضل يسودها الاستقرار والطمأنينة والأمن النفسي وتلبية الاحتياجات الأساسية.
تبدأ الانعاكاسات على نفسية المهاجر منذ اللحظات الأولى لعملية الهجرة غير الشرعية التي يضطر لخوضها عبر الحدود البحرية والبرية، والمخاطر التي يتعرض لها مع مافيات التهريب، خصوصاً عندما يتعرض “القارب” للغرق ومشاهدة الجثث وهي تطفو فوق الماء، فيشعر بالصدمة والخوف والعجز.
ومهما كانت جنسية المهاجر، فهو في النهاية إنسان لديه إرادة وهوية، وعندما يهاجر يعتبر نفسه “منفياً”، حتى لو كان هو من اختار ذلك المنفى، الذي حلم به ورسم صورة رائعة له، لكنه سرعان ما يصطدم بالواقع الجديد، فيبدأ بالشعور بالقلق أو الاكتئاب، وهي مشاعر تعبر عن الغربة والمرض. وهنا يبدأ الحنين إلى منزله الأصلي، وبلده الأصلي ويقلع في رحلته الطويلة للبحث عن هويته من خلال سؤال “من أنا؟”.
وتتمثل الخبرة الصادمة، حسب “الرابطة الأمريكية للطب النفسي” في التعرض لحادث مؤلم مثل الموت أو التهديد بالموت أو إصابة شديدة، الأمور التي يتعرض لها المهاجر غير الشرعي في كل خطوة من خطواته تجاه “المنفى”.
وتعتبر تجربة “قوارب الموت” في المتوسط من أخطر المراحل التي تصيب الناجين في صميم صحتهم النفسية وأمنهم النفسي، لذا نراهم يعانون من صعوبات في تحقيق توازنهم النفسي والشخصي، بالإضافة إلى عدم التوافق الاجتماعي مع المجتمع الجديد الذي هاجروا إليه، ما يتسبب بإصابتهم بالضعف ويؤدي بهم إلى بعض الاضطرابات النفسية.
وهناك آثار سلبية تترتب على الهجرة نتيجة الضغط على المدن المستقبلة للمهاجرين، حيث ترتفع معدلات الجريمة من سطو ونهب وسرقة وتخريب للممتلكات العامة والخاصة والاعتداءات، كرد فعل من المهاجرين تجاه المجتمع وفقدانهم للاهتمام والرعاية والعناية والشعور بالمسؤولية، بالإضافة إلى فقدان الطمأنينة والأمن والأمل بالمستقبل.
خلخلة التوازن الاجتماعي
كما أن المكانة الاجتماعية التي كان عليها المهاجر قبل هجرته قد تكون سبباً في زعزعة توازنه النفسي، فبعض المهاجرين كانوا أصحاب مكانة اجتماعية محترمة: أساتذة، أطباء، مدراء وغير ذلك، وفجأة يجد المهاجر نفسه بعد المغامرة مرميّاً في مراكز الاستقبال مع المهمشين والمصابين بشتى أنواع الاضطرابات النفسية والعقلية.
ويرى الاختصاصيون في مجال الطب النفسي أن الهجرة إلى الخارج، وبأعداد كبيرة، تركت أثراً نفسياً على المهاجرين يصعب محوها، وأن شريحة المراهقين والشباب هي الأكثر تأثراً، مما أدى إلى اضطرابات نفسية وسلوكية لديهم وساهم في خلخلة التماسك الاجتماعي نتيجة أنماط الحياة الجديدة والتناقضات في السلوكيات الاجتماعية.
وقد طرح هوفمان نوتني نظرية “النسق الاجتماعي”، التي تؤكد أن الإنسان كائن يحب الاستقرار بطبيعته، لذا يجب أن تكون هناك دوافع قوية للفرد أو الجماعة إلى الهجرة، التي تعتبر منفذاً ومخرجاً لحالات التوتر التي يعيشها في بلده الأصلي وشعوره بالحاجة إلى التغيير، لذا يرى في الهجرة إلى بيئة جديدة أفضل من تلك التي يعيش فيها تقلل من ذلك التوتر، لكنه يكتشف بعد قليل أن البيئة الجديدة تولد ضغوطاً وصراعات قد تؤدي إلى خلق حالات من التوتر النفسي وعدم التوازن.
وتفرق نظرية “النسق الاجتماعي” بين موقفي التكامل والتمثل، فالتكامل هو أن يشارك المهاجر في تبادل العلاقات في المجتمع الجديد، أما التمثل فهو توافقه مع ثقافة هذا المجتمع، لكن عليه أن يتنازل عن بعض مفردات ثقافته ومعاييره ويتبنى ثقافة المجتمع الجديد حتى يحقق ذلك التوافق.
وينظر علم النفس إلى الهجرة باعتبارها خبرة صادمة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وهي بمثابة المنفى الاختياري في بعض الحالات والنفي الإجباري في حالات أخرى، لذا تكون لها عادة نتائج سلبية على شخصية المهاجر، في المقابل يرى البعض الآخر أنها البديل الأفضل للمشكلات وتقدم حلاً لأولئك الذين فقدوا الأمن النفسي.
الهجرة إلى الفضاء
ويبدو أن الحروب المندلعة في مختلف بقاع الأرض ستنهي الجنس البشري بحرب نووية، حسب وجهة نظر البروفيسور البريطانى ستيفن هوكينغ، أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم، الذي يرى أن مستقبل الجنس البشرى سيكون بعيداً عن كوكب الأرض، وفي مكان ما في الفضاء. ويعتقد “هوكينغ” أن مستقبل البشر على المدى البعيد يكمن فى السفر إلى الفضاء، الذي قد يمنع زوال البشرية، وذلك عن طريق استعمار الكواكب الأخرى. وحث العالم الكبير البشر على أن يكونوا أكثر عاطفية، لأن العاطفة تجمعنا معاً في دولة آمنة متحابة، بينما أكبر فشل ارتكبه البشر هو “العدوان”، وإن حرباً نووية كبرى ستكون نهاية الحضارة، وقد تكتب نهاية الجنس البشري.