لينا الوفائي
واجهت العملية التعليمية في سوريا صعوبات جمة جراء العنف الذي استخدمه النظام في مواجهة الثورة، وقد تفاقمت تلك الصعوبات بعد اندلاع العنف العاري في سوريا، ودخول التنظيمات الإسلامية المتطرفة إليها. فقد توقف التعليم في العديد من المدارس، إما بسبب تضررها الكبير أو بسبب استخدامها لإيواء النازحين. كما واجهت المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيمات المتطرفة مشاكلها الخاصة في التعليم، بدءاً من تغيير المناهج، مروراً بحرمان العديد من الطلاب من التعليم، وصولاً إلى تجنيد الأطفال. في حين يعاني اللاجئون خارج سوريا من التسرب وعدم وجود المدارس المرخصة، وكذلك من عمالة الأطفال.
تعاني مناطق الحصار المتنازع عليها عسكرياً بين المعارضة والنظام، والمحاصرة من قبل النظام، من مشاكل تعليمية، وإذا كانت هذه المشاكل تنضوي تحت مشاكل التعليم الأوسع في سوريا الآن، إلا أن لها بعض الخصوصية التي تفرضها حالة الحصار وتخلق صعوباتها الخاصة. “عبد الله” أحد سكان حي الوعر الحمصي المحاصر، الذي لم تنجز المصالحة فيه بعد، والذي تتواجد فيه كتائب مسلحة للمعارضة، ويتعرض دائماً للقصف والقنص من قبل قوات النظام، تحدث عن هذه الصعوبات، مرجعاً إياها إلى العديد من العوامل، أهمها:
“انقطاع التيار الكهربائي ليلاً بشكل يومي منذ 3 سنوات، عدم توفر الكوادر التعليمية، عدم وجود المدارس حتى بشكلها البدائي (فالطلاب يدرسون في قاعات لا تشبه الصفوف)، التوتر النفسي وسط القصف المستمر وأخبار الشهداء والقنص والاعتقال اليومية، اعتقال بعض الطلاب المغادرين للحي من أجل الالتحاق بالجامعة أو امتحانات الشهادات على الحواجز (ومنهم من مضى على اعتقاله أكثر من عامين)، إذلال الطلاب على الحواجز وتفتيشهم جسدياً بحجة البحث عن السجائر والأموال وأشياء أخرى، فضلاً عن انقطاع غالبية الطلاب عن المرحلة الثانوية بين الشهادتين الإعدادية والثانوية بسبب عدم توفر التعليم والإمكانيات المادية ومخاطر الطريق”.
يشير “عبد الله” أن على طلاب الجامعات السير على الأقدام إلى ما بعد الحاجز بمسافة، كي يستطيعوا أن يستقلوا وسيلة نقل عامة تنقلهم إلى جامعاتهم، أما طلاب الشهادات فهم يقدمون امتحاناتهم في مراكز تقع خارج منطقة الحصار، إذ لا مراكز إمتحانية للشهادات داخل مناطق الحصار، وهم يغادرون الوعر وفق جداول تعدها مديرية التربية، ويستقلون باصات خاصة مجهزة لهذا الغرض تقف بعد الحاجز مباشرة، وتحملهم في طريق العودة إلى الحاجز مرة أخرى، وهم يتعرضون لتفتيش دقيق في العودة. كما يذكر أنه “لا توجد إحصائيات تعطي نسب التسرب من التعليم”، لكنها بتقديره قد تصل إلى النصف، مشيراً أن “التسرب يعود لأكثر من سبب، منها: عدم وجود برامج كاملة للدروس، وعدم توفر كوادر تدريسية”، لكن أهم الأسباب وفقه هي القنص: “مرت فترة امتنع خلالها جميع الطلاب عن الذهاب إلى المدارس نتيجة شدة القنص واستمراره”، مضيفاً أن العامل الاقتصادي لا يدخل في الوعر ضمن أسباب التسرب لأنه لا وجود لفرص العمل أساساً.
أما في المعضمية، الضاحية الواقعة غربي دمشق، والتي تعاني الحصار أيضاً رغم إتمام مصالحة بين قوات المعارضة المتواجدة فيها وبين النظام، والتي لم تنه هذا الحصار تماماً، فقد ذكر “أبو كنان” أحد نشطاء وإعلاميي المنطقة أن هناك فقط ست مدارس تعمل، بينما كانت في المعضمية اثنتان وعشرون مدرسة، وأن المدراس متضررة بشكل عام، حتى تلك التي يداوم فيها الطلاب، فهناك فتحات في الجدران والنوافذ والسقف جراء القصف، مما يعرض الطلاب لأوضاع مناخية وصحية سيئة. مشيراً أن هناك نقصاً حاداً في الكادر التعليمي وخصوصاً للمرحلة الثانوية.
وكما هو الحال في الوعر، يسمح لطلاب الجامعات من أبناء المعضمية المغادرة إلى جامعاتهم، لكن عليهم السير على الأقدام مسافة 3 كم حتى يتجاوزوا الحاجز بمسافة، ثم يستقلون وسائط النقل إلى الجامعات. وبحسب “أبو كنان”، “يستغرق الوقوف على الحاجز للتفتيش حوالي أربع ساعات يومياً، يتعرض الطلاب خلالها للتفتيش الدقيق والإذلال. أما طلاب الشهادات، فيجمعون أيضاً في حافلات خاصة تنقلهم من الحاجز إلى مراكز تقديم الشهادات خارج المعضمية، ويتعرضون للتفتيش الدقيق في العودة”. لكن أبا كنان أكد أن “لا مخاطر من القنص يتعرض لها الطلاب أثناء الذهاب إلى المدرسة”، وأن نسبة التسرب من التعليم تقارب بتقديره 60%، موضحاً أن أسباب التسرب “تتمثل بشكل أساسي في الخطر الأمني أي الخوف من الاعتقال بالنسبة للشهادات والجامعات، إضافة إلى أسباب أخرى كاضطرار الطلاب للعمل وإعالة العائلة أو الالتحاق بالفصائل المسلحة”.
“مروان” طالب شهادة ثانوية من المعضمية، يقول: “تتلخص معاناتي خلال العام الدراسي بانقطاع الكهرباء والجوع نتيجة الحصار، والقلق النفسي الناتج عن ظروف الحصار، أقدم الآن امتحان الشهادة الثانوية، أخرج من المعضمية، وأعود تحت رعاية لجنة المصالحة في باصات خاصة، ينتشر الجيش والأمن حول الباصات وحول المراكز الامتحانية، ونتعرض لتفتيش دقيق في العودة حتى لا نحمل الأطعمة معنا، إذ لا يسمح لنا حتى بحمل طعام نتناوله مساء لنتمكن من تقديم الامتحان في اليوم التالي، ويسمح لنا بثلاث قطع من البسكويت فقط. أشعر في كل مرة أني انتقل من سجن إلى سجن آخر”.
أما “ريم” وهي طالبة جامعية من المعضمية، فتقول لأبي كنان: “الصعوبات التي تواجهني خلال دراستي في الوضع الراهن لا تعد ولا تحصى، أهمها اضطراري للنوم باكراً في أغلب الأحيان حتى لو كانت لدي امتحانات، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم وجود إضاءة بديلة، إضافة إلى عدم توفر الطعام والمواد الغذائية في ظل الحصار المفروض على المدينة. لكن الأهم هو الساعات الطويلة التي نقضيها على الحاجز بغرض التفتيش، والتي قد تصل إلى أربع ساعات، إضافة إلى الإهانات والكلام النابي الذي نسمعه على الحواجز. ورغم أن كل ما ذكر يحد من حريتي، إلا أنني مصرة على الدراسة ومتابعة مشواري التعليمي، لأن الأمم ترتقي بالعلم، ولأني أريد غداً بناء مدينتي (المعضمية) وكل مكان في سوريا”.
في ظل الحصار، وفي مدارس مازالت تتبع للنظام السوري وتدرس مناهجه، يعاني الطلاب الكثير من الصعوبات سواء تمت المصالحة في مناطقهم كالمعضمية، أو لم تتم بعد كالوعر. ولا يقتصر الأمر على هاتين المدينتين، فكل مناطق الحصار تواجه نفس الصعوبات التعليمية كاليرموك مثالاً.
على صفحته في فايسبوك يقول أحد سكان حي الوعر الحمصي، عن طفليه اللذين رسبا في امتحان الشهادة الإعدادية:
“كل ما تعلماه في السنوات الأربع
كيف يراوغان القناص
كيف يركضان يمنة ويسرة
ينحنيان ثم يثبان
يقرفصان، يزحفان
كي يحار القناص أين يسدد
تعلما كيف يضبطان هروبهما بين القذيفة والقذيفة
وكيف يستطيعان أن يقاوما الجوع بكسرة خبز
والبرد بالقفز في المكان
تعلما أن الموت أمر عادي كشربة الماء
وأن على الإنسان ألا يصرخ مهما كانت جراحه بليغة..
تعلما الموسيقى بالنقر على الشظايا
وكيف يقطفان الخبيزة من حدائق الحي..
الحرب المجنونة ذهبت بمستقبل الأولاد
وهشمت البلاد
جعلتهما كائنين مختلفين..
اليوم أبكي حزناً لأجلهما
وأبكي فرحاً لأنهما مازالا في عداد الأحياء..”