نجاح سفر
قد تكون “نظرية القناع” هي ما يجمع بين الأدب النسائي في اليمن والخليج العربي، حيث تضطر الكاتبة للتستر خلف اسم مستعار لتخفيف وطأة الرقابة الاجتماعية عليها، في مجتمع ذكوري يحد من حريتها في التعبير عن نفسها بأي شكل من الأشكال. فقد واجهت الكاتبات الخليجيات صعوبات اضطرتهن للكتابة بأسماء مستعارة، خوفاً من دفع فاتورة قاسية نتيجة ممارستهن فن البوح، سواء عبر القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر. ومع الأيام عجزت العديد منهن عن متابعة المسيرة، فرفعن الراية البيضاء وانسحبن من الساحة. في المقابل رفضت منهن الاستسلام، وتابعن مشوارهن الإبداعي ليحققن نجاحاً متميزاً في المجال الأدبي.
يمن “سعيد” لكن خجول
بالنسبة لليمن، يلاحظ عموماً أن حضور الكتابة النسائية خجول في المشهد الإبداعي العربي، نتيجة العادات والتقاليد التي تتحكم بالمجتمع اليمني. ولدت القصة النسائية في اليمن على يد الكاتبة “رمزية الأرياني”، التي أصدرت مطلع العام 1970م روايتها الأولى “ضحية الجشع”، وهي أول رواية كتبت بقلم نسائي في اليمن، كما أصدرت عام 1981م مجموعتها القصصية الأولى “لعله يعود”. وهناك أيضاً الكاتبات: (سلوى الأرياني، محاسن الحواتي وآمنة النصيري)، والكاتبة “سلوى الصرحي” التي كانت عرفت باسم مستعار هو “بنت اليمن”.
ويلاحظ أن القصة النسائية ظهرت في الجنوب اليمني قبل الشمال بأكثر من عقدين، بسبب انتشار التعليم والصحافة، وكانت انطلاقتها عام 1962 مع أول قاصة يمنية عنونت قصتها بـ “ظالم يا مجتمع” تحت اسم “ف. أحمد”. لتكر السبحة بعدها بنشر “فوزية عبد الرزاق” (الاسم المستعار لنبيهة عبد الحميد) قصتها الأولى “أمي” عام 1963. ثم تبعتها “سامية محمود علي” بقصتها “غداً سيعرف كل شيء” عام 1967، لتصبح بعدها “شفيقة زوقري” أول قاصة تصدر مجموعة قصصية عام 1970 بعنوان “نبضات قلب”، وقد أذيعت قصصها في إذاعة عدن في الستينيات. كما نشرت “اعتدال ديرية” قصصها تحت الاسم المستعار “أمينة”.
تبنت الكتابات النسائية خلال تلك الفترة الاتجاه الواقعي في بنائها، على حساب جماليات السرد الإبداعية، فقد تأثرت المسيرة الأدبية النسائية اليمنية خلال القرن العشرين بوجود مجتمعين: (شمالي وجنوبي)، فيهما الكثير من صور التباين الحضاري، حيث حصلت المرأة في عدن على نصيب وافر من التمدن والتحضر وتمكنت من التعبير عن هموم المرأة اليمنية بشكل واضح، فهي متحررة ومستقلة اقتصادياً وتملك قرار حياتها، ما جعل من الحضور الإبداعي للمرأة اليمنية قوياً، مستنداً إلى قوة الجدات المبدعات في التاريخ اليمني.
ثم ظهرت أسماء جديدة في عالم القصة النسائية في السبعينيات، لكنهن انتظرن طويلاً ليصدرن مجموعاتهن القصصية، مثل “زهرة رحمة الله” و”هدى عبد الله أحمد”. وفي الثمانينيات ظهرت كل من: (نجيبة حداد، هدى علوي، شفاء منصر، أمل عبد الله وافتكار محمد إسماعيل).
بتاريخ 22 حزيران 1990 شهد تاريخ اليمن منعطفاً هاماً تجلى في الوحدة اليمنية، التي انعكست بشكل إيجابي على الصعيد الإبداعي، وظهرت عدة أقلام نسائية في عالم القصة أمثال: (أروى عبده، ريا أحمد، أفراح الصديق، نسيم الصرحي، عفاف البشيري، حنان الوادعي، مها ناجي صلاح، هدى العطاس، إيمان حميد، بشرى المقطري، نبيلة الزبير، نبيلة الكبسي، هند هيثم، نادية الريمي وأخريات..).
ومع بداية التسعينيات، حصل تحول في عالم القصة النسائية، حيث حاولت المبدعة اليمنية الخروج من عزلتها، وتم تغليب الجانب الجمالي على الجانب الواقعي، لتظهر قدرة مميزة على التغيير والتعبير عن الذات بحرية. أخذت المبدعة اليمنية تكتب عن ثنائية “الذكورة والأنوثة”، “المهمش والملغي” وكذلك عن المكبوت في حياة المرأة، فحققت خلال فترة قصيرة حضوراً بارزاً ومتميزاً في الساحة الإبداعية.
وفي نهاية القرن الماضي ظهرت أسماء مثل “نبيلة الزبير”، التي بدأت مسيرتها الإبداعية بكتابة المقال الصحافي وشعر التفعيلة، ثم قصيدة النثر والقصة والرواية، وأصدرت العديد من الكتب مثل ديواني “ثمة بحر يعاودني” و”الكذبة الرائعة”. كذلك الشاعرة المتميزة “هدى آبلان”، التي بدأت بشعر التفعيلة ثم تحولت إلى قصيدة النثر، حيث صدر لها: (وردة شقية الملامح، اشتماسات، ومحاولة لتذكر ما حدث).
في مجال الشعر الشعبي، ظهرت الشاعرة “فاطمة العشبي” التي تدرجت في كتابتها من الشعر الشعبي إلى التفعيلة والعمودي المقفى، حيث صدر لها ديوان شعري بعنوان “إنها فاطمة”. كما ظهرت كل من القاصة والشاعرة “آمنة يوسف”، والقاصة “هدى العطاس” التي فضحت المسكوت عنه في المجتمع، وقد صدرت لها مجموعات قصصية منها “هاجس الروح هاجس الجسد”. من اليمنيات أيضاً القاصة والشاعرة “نجلاء العمري”، التي فازت بجائزة العفيف في القصة، والشاعرة “ابتسام المتوكل” التي تكتب قصديتي التفعيلة والنثر، ولها ديوان “شذى الجمر”، و”بشرى المقطري” التي تكتب الخاطرة والقصة والمقال الصحافي، و”منى باشراحيل” الشاعرة والقاصة، والشاعرة “أزهار فايع” والقاصة “نورا زيلع”، والقاصة والروائية “نادية الكوكباني”. بالإضافة إلى شاعرات مثل: (ياسمين راجح، فاتن محمد، أمة العليم السوسوة، رؤوفة حسن، نادية مرعي، سوسن العريقي ووفية العمري)، إضافة إلى “سماح الشغدري”، التي تكتب القصيدة العامية، صدر لها ديوان عامي بعنوان “زهرة الماسي”، وتكتب اليوم قصيدة النثر.
أما الشاعرة “نوال الجوبري” فتكتب الشعر الكلاسيكي المقفى وقصيدة النثر، وتعالج بشعرها اليومي الحياة اليمنية للمرأة والرجل. ولا يمكن أن ننسى ظهور “هند هيثم” أصغر روائية عربية، بدأت بإصدار المجموعات القصصية، وأتبعتها بروايتين هما: “ملوك الخشب” و”الأنس والوحشة”.
تعدى حضور المبدعات اليمنيات حدود البلاد، لتفوز بعضهن بجوائز عربية مثل نبيلة الزبير التي حازت على جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 2002م عن روايتها “إنه جسدي” وذلك عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، والروائية حنان الوادعي الفائزة بجائزة المبدعين العرب عن روايتها “أحزان إلكترونية”.
الكويت: إشكالية الهوية
لعبت المرأة الكويتية دوراً كبيراً في المجال الثقافي لمجتمعها، وظهرت مجموعة كبيرة من الأسماء التي يمكن توزيعها على ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل النفط، الوسطى وما بعده. وتعتبر “موضي العبيدي” أول شاعرة كويتية، إذ كتبت في رثاء ابنيها عام 1901، وتمثل المرحلة الأولى من التاريخ الأدبي للمرأة الكويتية، إلى جانب القاصة “بدرية مساعد الصالح” التي كتبت القصة القصيرة ونشرتها في مجلة البعثة.
وكانت هناك شاعرات عُرفن داخل بيوتهن فقط، بسبب عدم التعليم واعتبار المرأة عورة، مما أدى إلى تأخر حضورهن في الساحة الأدبية. لكن مع تطور التعليم منذ الخمسينيات، ظهر الأدب النسائي الذي لعب دوراً كبيراً في حركة المجتمع.
تمثل كاتبة المقال “نجيبة الرفاعي” الملقبة بـ”أم أسامة” المرحلة الثانية في الأدب الكويتي، ومن أهم كتاباتها “أيتها المسافرة إلى لبنان” و”بنات صهيون”. بالإضافة إلى “غنيمة المرزوق”، التي اخترقت مجال الصحافة وعملت كرئيس تحرير لمجلات: (أضواء المدينة، الرائد العربي، أجيال وأسرتي)، كتبت فيها مجموعة من المقالات التي تخص المرأة الكويتية وتعالج مشكلات المجتمع. ورافقتها في مسيرتها “صبيحة المشاري”، التي نشأت في أسرة أدبية تتذوق الشعر والأدب، وتفوقت في كتابة القصة القصيرة والمقال الأدبي.
وتعتبر المرحلة الثالثة الأهم في تاريخ أدب المرأة الكويتية، إذ ظهرت العديد من الكاتبات والشاعرات والروائيات والصحفيات أمثال: (ليلى العثمان، فاطمة يوسف العلي، ثريا البقصمي، نجمة إدريس وجنة القريني)، إلى جانب “فاطمة العبدالله” صاحبة أول رواية نسائية كويتية بعنوان “وجوه في الزحام”، صدرت عام 1971، تناولت “العبدالله” فيها المرأة والمجتمع وطريقتها لتحقيق وجودها. أما “ليلى محمد صالح”، فهي أول من أرخ ووثق لكتابات المرأة في الكويت ومنطقة الجزيرة العربية والخليج العربي، من خلال كتابها الذي صدر عام 1978 بعنوان “أدب المرأة في الكويت”، وهو عبارة عن دراسة ميدانية مع الكاتبات أنفسهن.
وتعكس كتابات المبدعات الكويتيات موضوعة أساسية هي قضية الهوية في المجتمع المشتت بين الكويتيين والبدون، مثل نتاجات “باسمة العنزي” في روايتها “حذاء أسود على الرصيف”، حيث تعرضت فيها للهوية الاجتماعية في الكويت، ونتاجات “فوزية شويش السالم” من خلال روايتها “سلالم النهار”، التي تتحدث عن الهوية السياسية وإشكالية البدون. أما القاصة “منى الشمري”، فتتحدث في مجموعتها “يسقط المطر… تموت الأميرة” عن هوية المكان الكويتي في حقبة زمنية مهمة، إذ ظهرت في الكويت ثنائيات شبه متصارعة: بدون/ حضري بدوي، سني/ شيعي، أصيل/ غير أصيل.
ويمكن اعتبار الروائية “ليلى العثمان” إحدى أهم الروائيات، ليس في الكويت فحسب، بل في الخليج العربي كله، فقد عملت “العثمان” على موضوعة القهر الاجتماعي الموجه للمرأة، وتجرأت على طرح مشاكل المرأة العاطفية والجنسية في مجتمع محافظ، ومحاولة تلك المرأة النزوع نحو الحرية. ومن أهم أعمالها: “وسمية تخرج من البحر”، و”حكاية صفية” روايتها الجريئة التي حررت فيها مستعمرة الجسد، حيث تعرض فيها، بأسلوب سردي شيق، لإشكاليات المرأة الكويتية من خلال سياقات اجتماعية متعددة. بالإضافة إلى مجموعتها “ليلة القهر” ذات اللغة المشحونة برغبات الحب والكره ومشاعر الخوف والإقدام.
أما أشهر شخصية أدبية في الخليج، فهي الشاعرة والاقتصادية الكويتية “سعاد الصباح”، التي تعتبر رمزاً لتحرر المجتمع الخليجي، وتشارك في العديد من الهيئات والمنظمات العربية والدولية، وتهتم بقضايا حرية الرأي وحقوق الإنسان. وكانت أسست دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، ورصدت جملة من الجوائز باسمها واسم الشيخ “عبد الله المبارك الصباح” لتشجيع الإبداع الفكري والعلمي والأدبي.
أهم كتبها: “دور المرأة”، “هل تسمحون لي أن أحب وطني؟”. وقد أصدرت العديد من الدواوين الشعرية مثل “من عمري” عام 1964م، “أمنية” عام 1971م القاهرة، “إليك يا ولدي” عام 1982م عن دار المعارف بالقاهرة، “فتافيت امرأة” عام 1986م، “في البدء كانت الأنثى” عام 1988م لندن، “حوار الورد والبنادق” عام 1989م لندن، “برقيات عاجلة إلى وطني” عام 1990م، القاهرة، “آخر السيوف” عام 1991م، “قصائد حب” عام 1992م و”امرأة بلا سواحل” الصادر عام 1994م.