القاهرة – أحمد السراج
“لمن المنابر اليوم؟”، هو عنوان الدراسة التي كتبها وناقشها الباحث والصحفي المصري عمرو عزت، الباحث في وحدة الحريات المدنية التابعة للمركز الحقوقي المصري “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وذلك في مقر المبادرة بجاردن سيتي مساء 26 آب/ أغسطس، بحضور العديد من الحقوقيين والمهتمين بهذا المجال.
وتتضمن الدراسة تحليل سياسة الدولة في إدارة المساجد، ومناقشة جذور الجدل والصراع حول الحق في إدارة المساجد وأنشطتها الدينية والدعوية في الفقه الإسلامي، والممارسة التاريخية وامتداداتها المعاصرة، ثم التطورات المتلاحقة في السنوات الثلاث الأخيرة.
وقبل البدء بالخوض في الدراسة، تحدث مقدم الندوة الباحث عمرو عبد الرحمن عن المبادرة التي تدافع عن حق الأفراد في اعتناق دين بعينه والحق بممارسه شعائره الدينية بشكل علني. وتطرق إلى قضية حق المنتقبات في دخول مكتبه الجامعة الأمريكية، وحقهن في ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بهن وعدم تجريمهن لاعتناقهن دين معين. ونوه إلى أن إدارة الدولة للدور الدينية فيها تمييز كبير ضد المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
ثم بدأ الباحث عمرو عزت بمناقشة الدراسة التي تناولت موضوع إدارة الدولة لدور العبادة، وخصوصا المساجد، وعاد في سرده إلى تراث الدولة المصرية والتعامل مع الدين وعلاقة الدولة بالمساجد عبر التاريخ. وإحدى الفرضيات التي راهن عليها عزت وأثبتها بالتحليل والتوثيق في دراسته هي “الدولة المصرية المتجسدة في السلطة الحاكمة هي المسيطر على الخطاب الديني بالمساجد وتسييسه”.
عنوان الدراسة في صيغتها الاستفهامية جاءت على غرار الصياغة القرآنية “لمن الحكم اليوم؟” حيث لم يبتعد الباحث كثيراً في الربط بين فكرة السيطرة على المنابر في عنوان بحثه من أجل الحكم، و السيطرة على الحكم في الصياغة القرآنية ربما من خلال المنابر، وهو ما عبر عنه غلاف الدراسة الذي صور منبراً يجلس على مقعده – مكان جلوس رجل الدين – نسراً على صدره ألوان جمهورية مصر العربية .
وقد رصدت الدراسة بداية حلول الدولة محل ” الإمام ” حيث انطلقت من بدايات إنشاء الدولة الحديثة و تطور نظم الإدارة و بداية التنظيم الإداري للأوقاف فى الدولة العثمانية ، ثم دولة محمد علي وأولاده في مصر، وتوغل التنظيم الإداري من المساجد المركزية إلى غيرها، واختيار الأئمة والخطباء والإنفاق عليهم، مرورا بإدارة التفاصيل الدقيقة اليومية لنشاط المسجد، والنجاح بشكل كبير في اقناع أو إرغام بعض رجال الدين في الترويج لفكرة رفض الخروج على الحاكم.
ومع تأسيس الجمهورية بعد 1952 وحتى يناير 2011، ظل الإطار القانوني والإداري يتطور في نفس الخط وبنفس الافتراضات، وحل رئيس الجمهورية محل الخديوي الذي حل سابقاً محل ولي الأمر المسلم / الإمام فى ولايته على الشئون الدينية الإسلامية، فضلاً عن تطور قوانين وقرارات جمهورية، حين أعطت – قانونياً – لوزارة الأوقاف حق ضم كل المساجد وتعيين الأئمة والخطباء من موظفيها أو منح التراخيص للخطابة.
وأشارت الدراسة إلى تأكيد الدولة على الإشراف الأمني على المساجد لضمان الولاء ودعم النظام السياسي ومواجهة خصومه، وكان التهديد السياسي والأمني لخطباء المساجد يتجلى بالصدام والصراع المتشح بالإرغام أحياناً لإجبارهم على القبول بالحيز الذي ترسمه الدولة للحدود والهوامش، وأحياناً أخرى بالتفاوض، حيث قامت الدولة بالتغاضي عن مخالفة القانون في بناء المساجد وإدارتها من قبل أفراد وجماعات أهلية.
وتوقفت الدراسة عند مرحلتين فاصلتين فى دور الدولة فى السيطرة على المساجد الأولى تتمثل في هزيمة الدولة في السيطرة على المساجد بعد ثورة يناير عندما تحولت المساجد إلى ساحات لمناهضة حكم مبارك، ثم تحولها في عهد مرسي إلى ما سُمي إعلاميا بــ”أخونة المساجد” ثم عودة الدولة مرة أخرى وبشكل أقوي في ممارسة سيطرتها على المساجد واستخدامها الحد الأقصى من كل الأدوات السلطوية تحت مظلة حملة أمنية شاملة بعد فوز عبد الفتاح السيسي، حيث اتخذت الدولة بعد تولي الأخير رئاسة الجمهورية قرارات إدارية باستبعاد وفصل ووقف وعقاب العديد من الأئمة بسبب نشاطهم السياسي الموالي للتيارات الإسلامية وقررت السعي في ضم أكبر عدد من المساجد وأوقفت صلاة الجمعة في العديد من الزوايا، وألغت كل تصاريح الخطابة لغير الأئمة العاملين في الأوقاف وقررت الوزارة تحديد موضوع خطبة الجمعة وإصدار موضوعات إجبارية لخطبة الجمعة أول كل شهر عربي ومعاقبة المخالفين.
الدراسة ناقشت الأمر من وجهة نظر فقهية حيث طرحت سؤال” لمن الإدارة في دوله المسلمين؟”. فالفقه يقول إن المسجل لا يمتلكه الناس، ولكن ملكيته لله، أو للمنفعة العامة للناس أو لجمهور المسلمين. لكن عزت أوضح أن هذا الافتراض، افتراض الوحدة الدينية للمسلمين، واجهه حقائق مثل اختلاف المسلمين أنفسهم والخلافات بين طوائفهم.
وانتهت الدراسة إلى أن سياسات الدولة في إدارة المساجد والنشاط الديني استمرت وتواصلت منذ بداية نموذج “دولة المسلمين” إلى الدولة الوطنية الحديثة بدون تحولات وتغيرات تنصاع لمفاهيم المواطنة والحريات الدينية وأن هذا التواصل أخل بحرية الأفراد والجماعات من المسلمين غير الراغبين في إتباع التوجه الديني الرسمي للدولة وللمؤسسة الدينية الرسمية .
وختم عزت ندوته بقوله “إن المسجد المركزي عبر التاريخ، لم تكن له حرية التملص من التوجه الرسمي الديني والسياسي للسلطة، وتخلت الدولة عن دورها في لعب دورها كمنظم للحريات وتحولت إلى موقع إمام المسلمين”.