سامر مختار
كيف نعرف الخليلة؟ في كتاب لفيكتوريا جريفين بعنوان “الخليلة”، تقول: هي “الدخيل المثالي” الذي يسعى لاقتحام دائرة ـ إما للانضمام إليها أو لتدميرها. وتنجذب الخليلة إلى كل ما هو محرم، فهي تنزع لسلوكيات افتضاحية لكن بنوع من السرية في نفس الوقت. تعيش لحظتها، مغرمة بتعقيدات الأحوال، بنوبات الصعود والهبوط، كما “تعيش الحياة كأنها في رواية”. الحب المعذب يروق لها، هو الأشد إثارة في اعتباراتها، حيث الثمرة المحرمة هي الألذ طعماً.
وهناك ما هو أكثر، فإن الخليلة تتجاوز عن الأخلاق المتواضع عليها وتحب التمرد. وسائلها تصادمية غالبا، تبدو مستقلة وممتنعة، لكنها مستعدة لمسايرة العلاقات غير المكتملة وعديمة الإشباع، العلاقات الخطرة، بإحساس المذنب، لكسر التوقع والخداع كجزء من روتين حياتها اليومية. تعتبر نفسها أعلى من أن تكون زوجة، ولا يعنيها العلاقات المكتملة أو الدائمة، كما لا تهتم بمكانة لائقة في المجتمع. يأتي الأمان فقط من إحساسها بالعزم على الخضوع لرغباتها بخصوص هؤلاء الرجال الذين تعرفهم، وذلك الاتجاه قد يؤدي بها إلى الإذعان والمازوكية، وفقد الشهية للطعام مع الميل أحيانا إلى إيذاء النفس كجزء متمم للصورة.
كتبت جريفين عن هذه الفكرة في أول كتاب لها، وقد كانت في فترة من حياتها تعيش كمحظية هي نفسها، وفكرتها بالكتاب هي أن هذه المرأة تعيش دور “المرأة الأخرى” بالصدفة أحيانا. تقول: “قليلا ما تأتي الصدفة للإنسان”. وتدعي جريفين أن سلوكها هي بذاتها كان نوعا من الاختيار.
يبدأ الكتاب بتحليل سلوكيات الخليلة في الماضي والحاضر، بطريقة موضوعية وغير عاطفية، لترى إن كانت هناك ثمة تشابهات أو أن كل خليلة لها منحى أو طريقة. إن أكثر الفصول إمتاعا هي الفصول التي تنحو للشكل الفلسفي، والعبارات الشخصية في البداية والفعل المتوازن في النهاية، حيث توجد رؤية أمينة ومدركة. أما الفصول التي تشتمل على حكايات فهي مملة. وتتضمن الأمثلة التي تقدمها جريفين تلك التي للأثرياء والمشهورين، اللاتي يختلف سلوكهن بشكل متطرف عن أولئك العاديات. والفصول الخيالية مذهلة، فهي تشير إلى فرويد ويونغ وعلماء نفس آخرين. ويتم وصف الخليلات في الكتاب عبر النصوص الأدبية والفنون والسياسة وغيرها.
بالنسبة إلى جريفين، فإن ما يحدد سلوك الخليلة هو الزواج، حيث لا يمكن لها بدون هذه المؤسسة أن توجد. ولا تذهب المؤلفة في تحقيق هذه المقولة إلى تحليل كيف يتمكن بعض الرجال أن يشردوا بينما لا يتمكن البعض الآخر من ذلك.وكل الإحصاءات في هذه المسألة مشكوك بها.في مجتمعات الكتاب لابد تبعا لذلك أن يوجد الكثير من النساء لمصاحبتهن. علقت خليلة هـ. ج. ويلز: (الأزواج، الزوجات، العشاق، الخليلات، اختلاط ذلك مثل قطيع القردة في قفص، يسمون هذه الأخوية “تجريبية”.) ولا يشيع هذا السلوك دائما. لكني أظن بخبرتي أن جماعات الكتاب لا تتصرف على الدوام هكذا، فهناك حدود لا يمكن تخطيها.
يصف الكتاب كيف تقع الخليلات في هذه المسألة بشكل سلبي، إما بالصدفة أو بالدعوة، والدافع الأكبر نحو هذا هو السلطة والمال والوجاهة الاجتماعية. وتروي المؤلفة كيف يقع كثير من الكتاب في حبائل الخليلات كأنهن مرايا لهم، يعكسن ذات الرجل، بتعريف النرجسية. ولا تستبعد المؤلفة الثنائيات أو صديق العائلة. تكتب إحداهن “كل كراهيتي لكلمة الزواج، وكلمة العائلة…”. وفي الكتاب كله تعامل الزوجة بأنها المملة وغير الملائمة. إن الاحترام، بالنسبة لجريفين، يتساوى مع عدم الإشباع، والزواج يحملك على أن تكون تعسا، “إنها زوجة بائسة، لا تتحمل رؤية الأخريات وهن متحررات”.
لكنه خطأ الزوجة دائما لو شرد الزوج. ولأن الكاتبة لم يكن لديها علاقة دائمة، فلا نجد شيئا إيجابيا في ذلك، لأنها تحاول تضخيم دور الخليلة بل وتبريره.ذلك يمنحنا ظاهريا “فرصة كبيرة لمواجهة حقائق العالم”. وعلينا أن نتجنب ذلك الذي “يعيش فقط لعناق القيم السائدة بدون أن يجرب أخلاقياته هو”.
ومعظم الخليلات تعمى أعينهن عن الألم والدمار النفسي الذي يعانين منه، والجدير بالملاحظة أن جريفين تقول إن ذلك له تأثير قليل على الأطفال، ربما لأنها لم تجرب أن تلد مرة.
وبالنسبة لموضوع الأخلاق، فلقد استغربت كثيرا من وضعها شارلوت برونتي في القائمة، حيث لا يوجد لها قطعا مكان بينهن. فهي امرأة كرست حياتها للأدب والعاطفة، وسجلت حبها الوحيد في رواية “جين إير”، وقد أظهرت بطلتها تسير مبتعدة عن علاقة محظورة، حتى لو كانت داخل مجتمع يغتفر الخطيئة لبعض الناس.
ورغم أننا لا نوافق المؤلفة على كثير من أفكارها، إلا أن الكتاب يقدم غذاء روحيا للمتعطشين للتسلية، كما يشتمل على بعض النصائح مثل “حذار أن تصبحي مستقلة، أو ممتلكة”. وينبغي في النهاية أن لا تغفل الزوجة عن أمور الزوج، حتى لا تخطفه الخليلة، ولا ينبغي لها على الإطلاق أن تتخلى عنه ولو بأحلك اللحظات.
اللوحة للفنان العالمي “بول غوغان”