وجيهة عبد الرحمن
هل في يوم الثامن من آذار عام 1910 تمَّ زجُّ النساء في السجون، أم طردهن من العمل؟ هل لتحديد هذا اليوم كيوم عالمي للمرأة، أسباب اجتماعية أم تاريخية أم دينية؟ أم أنها أسباب عامة تتعلق بمكانة كائن يعتبر الشريك الأوحد للرجل في صنع الحياة؟
هذه المناسبة لم تثبتها الحكايات التاريخية ولا القصص الشعبية. فهل سيبقى السبب في تسمية يوم الثامن من آذار من كل عام، بـ”يوم المرأة العالمي” دون تفسير؟ أسئلة طرحت كثيراً من قبل الدارسين في حقل المجتمع والمرأة. لكن بالرغم من كلِّ الأسئلة، فإن معظم دول العالم تحتفل بعيد المرأة العالمي منذ عام 1909 وحتى يومنا هذا. ويأتي هذا الاحتفال على خلفية نضالات وحوادث كثيرة، وقد تدرَّج عبر مراحل كثيرة، فبعد أن تم إقراره محلياً، ضمن منظمات شعبية، إلا أنَّ حركات التحرر النسوية لم تكن لتقبل، أن يتم الاحتفال بيوم خاص بهن ضمن إطار ضيق، حيث سافر عام 1910 وفد نسائي أمريكي إلى المؤتمر الثاني للنساء الديمقراطيات الاشتراكيات في كوبنهاغن( الدانمارك) وهناك تم اقتراح تكريس يوم المرأة العالمي، لأنَّ الجو العالمي كان مهيئاً لذلك تماماً، وأصبح فيما بعد هذا اليوم رمزاً، لنضال المرأة لدى الذين تبنوه، إذ تحتفل به النساء في العالم بغض النظر عن الحدود الوطنية، والفروق العرقية واللغوية والثقافية والاقتصادية والسياسية ،ومن خلال الاحتفال يتم في كل عام، استعراض تاريخ النضال من أجل العدل والسلام والمساواة على امتداد عقود طويلة خلت.
تقول كلارا زيتكن رئيسة تحرير مجلة العاملات ( مساواة) منذ عام 1892 التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا: إن هذا اليوم يجب أن يكون له مضمون أممي، وكان المؤتمر النسائي الاشتراكي في ألمانيا، عام 1906 وجه نداء للنساء الاشتراكيات في كل أنحاء العالم، للاحتفال بيوم المرأة العالمي كل عام.
إذاً يجب علينا التسليم بأنَّ هذا الاحتفال قد كان لدى الاتحاد السوفيتي، وبلدان المنظومة الاشتراكية، أما في باقي البلدان فلم تكن تحتفل به بشكل رسمي، علماً أنَّه في أمريكا كان يتم الاحتفال به كيوم للمرأة الأمريكية، تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909، وفي اليونان القديمة قادت ليستراتا، إضراباً عن الجنس ضد الرجال من أجل إنهاء الحرب، أما في فرنسا فقد نظمت نساء باريس الداعيات للحرية والمساواة والأخوة، نظَّمن مسيرة حاشدة إلى قصر فيرساي، مطالبات بحق المرأة في الاقتراح، والمرأة الأهوازية كانت قادرة على الخروج على نظام الملالي وسننه وشرائعه، لتثبت لذاتها وللآخرين جدارتها في وقفتها في العديد من الأوضاع والأحداث التي كانت بحاجة إلى مشاركتها.
بالرغم من ذلك فقد تعددت الآراء في فكرة الاحتفال بيوم عالمي خاص للمرأة، منهم من قال أن الفكرة ظهرت أول مرة، منذ بداية القرن الذي شهد خلالها العالم الصناعي توسعاً واضطرابات ونمواً في السكان، وظهرت فيها الإيديولوجيات الراديكالية.
وقد تم الاحتفال، وفق إعلان الحزب الاشتراكي الأمريكي، بأول يوم وطني للمرأة في كامل الولايات المتحدة، في 28 شباط وظلت النساء تحتفل به كل آخر يوم أحد من ذلك الشهر، وفي عام 1910 قررت الاشتراكية الدولية المجتمعة في كوبنهاغن، إعلان يوم المرأة على أن يكون مشرَّعاً دولياً، وذلك تكريماً للحركات النسوية الحقوقية، ولدعم حقِّ المرأة في الاقتراع وسوق العمل.
ساعدت الحركة النسائية الدولية المتنامية، والتي عزَّزتها المؤتمرات الأربع العالمية ،التي عقدتها الأمم المتحدة بشأن المرأة، على جعل الاحتفال فرصة لتضافر الجهود، من أجل المطالبة العالمية بحقوق المرأة، والأمم المتحدة أولت اهتماماً مبالغا فيه لقضايا المرأة، بحيث لم تحظ أية قضية أخرى اهتمامها، أكثر من قضية المرأة وحماية حقوقها بدعم مكثف.
نتيجة لذلك كان ميثاق الأمم المتحدة، الذي تمَّ توقيعه في سان فرانسيسكو عام 1945 ليكون أول اتفاق دولي، يعلن المساواة بين الجنسين، كحق أساسي من حقوق الإنسان ، من خلال وضع مجموعة معايير وبرامج وأهداف، للنهوض بواقع المرأة في العالم، واستند عمل الأمم المتحدة فيما بعد، إلى إستراتيجية تقتضي: أنَّه يمكن إيجاد الحلول المناسبة والدائمة لأكثر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا بمشاركة المرأة وتمكينها الكامل على الصعيد العالمي.
انطلاقاً من واقع إذا كانت أهداف حركات التحرر العالمية، هي تحقيق تطور نوعي ضمن الأطر الاجتماعية والثقافية، للبنى التحتية للشعوب، فلابد أن يتحقق بالدرجة الأولى تحرر المرأة، ونيلها لحقوقها ومساواتها بالرجل ،في المجالات التي تستدعي ذلك.
يوم المرأة العالمي
الثامن من آذار من كل عام، هو يوم ثورة النساء العاملات ضد العبودية، على اعتبارها كائنا من الدرجة الثانية.
ونظراً للحالة الدونية التي كانت تعيشها المرأة، نمت حركات عمالية ونقابية جماهيرية كرد منطقي على استغلال العمال، لم يكن هدفها تحسين ظروف العمل فحسب، بل تحويل تلك القوة البشرية الهائلة إلى قوة سياسية يمكن الاعتماد عليها في سوق العمل وفي الانتخابات، وإدارة الحياة الاجتماعية، لتتوافق مع مفاهيم أكثر تحررية وديمقراطية، في مواجهة التسلط والاستبداد. من هنا فإن يوم المرأة في حقيقته، يكرِّس منظومة التحديات التي تواجهها نساء العالم، على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتأكيد على أهمية دور المرأة في الحياة العامة، وضرورة تنشيط هذا الدور، خلال التركيز على مشاركتها في فعاليات المجتمع، ومن ناحية أخرى هو فرصة لتقييم التقدم في مجال حقوق الإنسان، والدعوة إلى التغيير، والاحتفال بما أنجزته المرأة العادية، بفضل شجاعتها وتصميمها وقيامها بدور خارق في تاريخ حقوق المرأة.
فهو بامتياز احتفال بالانجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمرأة، وتجديد الالتزام بالعمل الجاد من أجل قضايا الإنسان المهمش، ومن أجل المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين.
قصة يوم المرأة العالمي هي قصة المرأة على العموم ، المرأة التي صنعت التاريخ على امتداد القرون، بفضل نضال دؤوب من أجل الاندماج الطبيعي في المجتمع ، وعلى قدم المساواة مع الرجل.
تباين الرؤى
يمتعض الكثير من الدارسين العرب والعامة أيضاً، من الاحتفال بهذا اليوم على أنَّه استحضار للنموذج الغربي، الذي يحرِّض على خروج المرأة إلى سوق العمل، متناسيين أنهم بذلك يكرسون ثقافة دونية المرأة، من خلال الوقوف في وجه حركات التحرر النسوية، فهم بذلك لا يقفون في وجه تلك الحركات فحسب، وإنما يناقضون الصيرورة التاريخية، وأن كل مالا يتفق مع أفكارهم وطروحاتهم، يعزونها إلى أنها نموذج غربي مؤامراتي، يهدف إلى تفكيك بنية مجتمعاتهم العربية، ويتملقون المرأة على أن وظيفتها هي البقاء في المنزل، والقيام بتربية الأولاد، ويدحضون فكرة التبعية الاقتصادية، التي هي في الأساس تبعية اجتماعية قائمة على الخضوع والانصياع.
عدا عن أن هذا الاحتفال بنظرهم، هو تحريض للمرأة للخروج عن الثوابت الدينية، ورفض كون مطالب المرأة العربية، هي مطالب كل امرأة في العالم، فالكثير من أولئك يجدون في يوم المرأة تحيزاً للمفهوم الغربي المادي الحديث، القائم على عنصر المؤامرة، وبين المفهوم العام وهذا المفهوم، ثمة انقسام في الأفكار والرؤى والتفاسير، بالرغم من أنَّ شريحة واسعة من العالم يحتفلون غير آبهين بالتفاسير، أو الرغبة في التوضيحات الكامنة، انطلاقا من فكرة أن الحدث ما أن صار عالميا إنَّما هو دلالة على أنه حدث مهم للغاية.
إبان الثورات العربية
العديد من الدول العربية، تحتفل بعيد المرأة بالرغم من التغيرات والتحولات الحاصلة على الساحة العربية، منذ بداية ما يسمى بربيع الثورات العربية ، بالرغم من نضال المرأة في تلك الثورات إلا أنها لم تحصل سوى على النذر اليسير من أهدافها العريضة ومطالبها الأزلية، ومن جانب آخر خسرت الكثير من النساء في تلك الدول مكاسبها نتيجة التحولات غير المسبوقة.
منذ عصور خلت تسعى المرأة العربية، إلى تعديل الكثير من القوانين التي تعزِّز التمييز ضدها، وقد حظيت ببعض المكاسب في بعض الدول، مثل تونس التي تمَّ فيها تعديل قانون الأحوال الشخصية، وغيرها من الدول العربية. لكن دخول الإسلاميين معترك الثورات العربية، واقتحامهم لخصوصية تلك الثورات، أطاح بما كانت تسعى إليه المرأة العربية منذ زمن طويل، و ألحق الهزيمة بتلك المكاسب، مما أعاد المرأة إلى المربع الأول للعبودية، بآلية أكثر فتكاً وأشد قسوة، من أجل ترهيب النساء المشاركات في الحركات الاحتجاجية من جهة، ومن جهة أخرى هو محاولة لإعادة النساء إلى مقصورات الحرملك.
فالمرأة اليمنية لم تحقق مكاسبها، بالرغم من نيل إحدى النساء الناشطات جائزة نوبل للسلام، والمرأة التونسية والمصرية خسرت مكاسبه، التي حققتها بنضال دؤوب ، ناهيك عن الجرائم المرتكبة بحقها من اغتصاب واعتقال وسحل.
أما المرأة السورية، فقد كانت خسارتها مضاعفة، لأنها بعد أن كانت قد بدأت تنتعش، لاستكمال مشروعها في تعديل قانون الأحوال الشخصية، والدخول في سوق العمل، وتبوأ المناصب العالية، جاءت الثورة السورية لتنتزع منها كل تلك المكاسب، بالإضافة إلى بيتها وزوجها وأولادها، في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وأصبحت منتهكة الحقوق بامتياز.
أما المرأة في إقليم كردستان، فبالرغم من سيطرة القبلية العشائرية والدينية، على المجتمع هناك، إلا أنها بدأت تنال جزءً من حقوقها، المتعلقة بدخولها معترك السياسة، فأصبحت تتبوأ المناصب الوزارية، والكراسي البرلمانية ورئاسة الدوائر، انطلاقاً من أن المرأة العراقية أسهمت بنحو فعال، في بناء المجتمع ،بالرغم من معاناتها الطويلة مع الحروب المتكررة.
الكثير من العقبات تعترض النسوة العربيات، نتيجة الظلم الاجتماعي، وغياب المساواة وهيمنة الفكر الذكوري، لكن كل ذلك لم يمنع العالم العربي، من الاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 آذار من كل عام، فالمرأة في المنطقة العربية مثلها مثل غيرها من نساء العالم، تعمل بسعيها الدؤوب، على إحداث تغيير في مجموعة القيم المجتمعية المتوارثة، والتي تعمل على تكريس دونية المرأة، استناداً إلى قانون الأحوال الشخصية التي سنتها الشريعة منذ أكثر من 1400 سنة.
نقول إذا
إذا اعتبرنا التحرر الاقتصادي للمرأة، هو المدخل لحريتها ونيل حقوقها، فإن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979 إنَّما هي شرعنة حقوق المرأة قانونياً وسياسياً.
والاحتفال بيوم المرأة العالمي، هو التفاتة لطيفة لا تنطوي على أي فعل، عنفي أو ظلم أو إساءة، بقدر ما هو تكريم لكفاح المرأة المرير، من أجل استعادة مكانتها ومساواتها بالحقوق والواجبات، مع الرجل في كافة المجالات وخاصة في مجال سوق العمل.