لبنان – مزنة الزهوري
غالباً ما يتمّ النظر إلى المرأة اللاجئة على أنّها ضحيّة أو متلق سلبي للمساعدات، علماً أنّها تتحمل أعباء مضاعفة لمساعدة نفسها وأسرتها، وتواجه العديد من المعوقات التي تعترض تقدمّها، سواء في البحث عن مصادر الرزق أو العمل أو الفرص. تحاول الكثير من النساء والفتيات اللاجئات، إيجاد مساحات آمنة تدعم وصولهن وتحقيق رغباتهن في تحسين الوضع المعيشي أو الإجتماعي، أو لعب أدوار أساسية في قيادة مجتمعاتهن. وهذا ما برز في السنوات القليلة الاخيرة بشكل واضح، حيث تمّ إطلاق عدّة مبادرات نسائية ونسوية تقودها اللاجئات على امتداد المناطق التي يعشن فيها في لبنان، بدوافع فردية أو بدعم من بعض المنظمات والجمعيات.
تنظر رجاء المصري 27 عاماً من نافذة خيمتها إلى الجوّ البارد في الخارج، حيث الجبال الصخرية المحيطة لبلدة عرسال اللبنانية والتي تتربع عليها مايزيد عن المئة وعشرين مخيماً للاجئين السوريين منذ سنوات،هناك. وتبدأ حديثها لشبكة المرأة السورية بهذه الكلمات: “دافعي بمواكبة التدريبات و الأنشطة، هو أنّه حان الوقت لنتغيّر ونُغيّر”.
رجاء لاجئة سورية و أمّ لطفلين، وجدت نجاحها بتحقيق ذاتها كـ إمرأة بعد أن فقدت ما فقدته من أحلام خلال الحرب ورحلة النزوح: “نحن لانريد البقاء جامدين في الخيمة، وليست السلل الإغاثية غايتنا ومطلبنا؛ بل نريد الحصول على حقوقنا في التعليم والتطور. نريد السعي لتغيير واقعنا المرّ الكارثي إلى واقع جميل مبني على احترام الحقوق و حفظ الكرامات”.
وتردف كلامها: “يوجد في هذه البلدة بحرٌ من المخيمات والناس والأوجاع، في مجتمع تحكمه النظرة الذكورية ويتغلب على قساوة المنطقة وطبيعتها، قساوة العنف ضد النساء بشكل خاص”.
تصف نفسها: “رجاء حالياً غير رجاء السابقة”. فبعد انقطاعها عن الدراسة لعشر سنوات، استطاعت مؤخراً الالتحاق بالجامعة، وتمكنت من تأسيس وتطوير شخصيتها، ومبادرتها المجتمعية التطوعية، التي تسعى من خلالها للتغيير رغم المسؤوليات التي تملكها كـأمّ شابّة وربّة منزل: “أرسم طريق طويل، اسمه لا مستحيل مع الأمل”. وتؤمن بأنّ قضيتها هي الإيمان بالتشاركية والدمج المجتمعي وكسر كلّ الحواجز والهواجس التي تقيّد النساء في المجتمع بشكل عام. “لديّ الكثير من المخططات و الفعاليات التي أحضّر لها في المستقبل القريب، رغم توقفي عن الاستمرار ببعض المبادرات التي بدأتها من قبل”.
انضمت رجاء هذا العام للتدريبات في برنامج القيادات النسائية المجتمعية مع منظمة النساء الآن، بعد أن التحقت قبل عامين ببرنامج التوعية الذي تقوم به حلقة نساء عرسال، حيث تأثرت بنشاط وقدرة السيدة هدى البريدي(مؤسسة ومديرة الحلقة) ودعمها وتحفيزها للنساء على التغيير.
و أسست بعد هذا التدريب مع صديقاتها مبادرة “نحنا حدّك” لدعم التوعية حول حقوق انخراط النساء في الفضاء السياسي بشكل غير تقليدي. ومن ضمن أهداف المبادرة إيصال صوت النساء في عرسال للخارج وتفعيل حملة لدعم السيدات للبدء بمشاريعهن الخاصة. تقول هدى البريدي لشبكة المرأة السورية: “المرأة مساوية للرجل تستطيع العمل والتعلم والحصول على كافة حقوقها. المرأة ضلع قادر وليس قاصراً. تستطيع أن تمضي مع الرجل نحو مجتمع متقدم ومزدهر”.
وتشرح البريدي عن بدايات حلقة نساء عرسال لنشاطها منذ 2015، من خلال تقديمها لتدريبات توعوية مختلفة، للنساء اللبنانيات والسوريات في المنطقة على حدٍّ سواء. والحلقة هي مبادرة نسائية تهدف إلى تقديم التوعية المعرفية للمرأة من خلال جلسات تدريبية حول حقوق المرأة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ) ومواضيع أخرى تتعلق بها مثل الجندر والعنف القائم على النوع الاجتماعي والزواج المبكر وأضراره، بالإضافة للدعم النفسي و الترفيهي.
انطلقت حلقة نساء عرسال بقوّة في سنة 2020 بعد تلقيها الدعم من برنامج “نساء قياديات يأخذن زمام الأمور” مع منظمة النساء الآن. أتى ذلك بعد دراسة مفصلة لاحتياجات النساء في منطقة عرسال “وجدنا من خلالها الحاجة الماسة لضرورة التوعية المعرفية حول حقوق النساء لما يعانين من تهميش وظلم وحرمان من حقوقهن، وإعلاء النظرة الذكورية بالإضافة إلى العنف المتفشي ضد النساء الذي زادت وتيرته في ظل جائحة كورونا، بالإضافة إلى قلّة الجمعيات والمنظمات التي تعمل على هذه المواضيع في المنطقة.”
وتتابع السيدة البريدي تفصيلها لأهداف حلقة نساء عرسال “بعد أول دورتين متتاليتين تبين لنا كمية الضغوطات التي تتعرض لها المرأة نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ، ففتحنا مساحة آمنة لهم بغية التفريغ النفسي لهن، بالإضافة إلى تمكينهن من مهارات للحرف اليدوية تمكنهن من كسب مادي لإعالة أنفسهن وعوائلهن مثل صناعة الدمى بواسطة الصوف والتطريز…”
بات مركز الحلقة الملاذ الآمن للنساء في عرسال، و اتضحّ أثر المبادرة الكبير من خلال العمل الدؤوب الذي تشيد به نساء المنطقة من لاجئات ومواطنات، حيث حصلت مايقارب المئتين سيدة وفتاة على تدريبات خلال العامين الماضيين، ونتج عن ذلك أيضاً تأهّل 22 منهنّ للتدرب ضمن برنامج القيادات النسائية مع منظمة النساء الآن هذا العام. بالإضافة إلى الإقبال الكبير للتسجيل في النشاطات، كما و استقبلت الحلقة في مركزها المبادرات الشبابية بغية دعمها لوجستياً و إدارياً في أنشطتها.
تختم السيدة هدى حديثها: “باتت المسؤولية أكبر تجاه السيدات بشكل عام، والنساء في عرسال بشكل خاص. ولذلك علينا الاستمرار في تحقيق رؤيتنا التي بدأنا العمل عليها (امرأة متمكنة من معرفة حقوقها، وقادرة على تذليل الصعوبات الاجتماعية التي تواجهها وتلغي كيانها وتفرض عليها التبعية للرجل. وشريكة في إدارة المجتمع وتحمّل المسؤولية والنهضة مع الآخر نحو التغيير والتطوير. وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية للنساء)”
حال رجاء وهدى، كحال الآلاف من النساء اللاجئات اللواتي يسعين لتحقيق طموحاتهن بما فيها دعم النساء الأخريات في محيطهن. يناضلن ويتحدين جميع الظروف للخروج إلى المجتمع ويحاولن القيادة فيه، ما يعزز بدوره صورة التضامن النسائي العابر للاختلاف، والحساسّ لأهميّة تلبية الاحتياجات رغم الصعوبات التي تفرضها ظروف اللجوء والمجتمع بآن واحد. وتشجع هذه التجارب محاولة النساء للخوض في ابتكار المبادرات وتفعيل الأنشطة التي يحتجنها.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”