إدلب – نهى الحسن
“ليس كل خطأ بإمكاننا التصالح معه، خاصةً إذا تعلق الأمر بالحياة أو الضرر الجسدي، فالأمر هنا يتعدى حدود الخطأ إلى حيز الجريمة، ويصبح من غير الوارد التساهل مع مرتكبيه“، بهذه الكلمات عبر خالد العبسي (40 عاماً) عن استيائه من الإهمال الطبي الذي أودى بحياة زوجته نبيلة الغفير ( 30 عاماً) التي دخلت إلى إحدى المشافي العامة في مدينة معرة مصرين لإجراء عملية (فتاق)، إلا أنها خرجت منها وهي تعاني من مشاكل تنفسية شخصها بعض الأطباء بأنها نتيجة خطأ طبي، أدى إلى الضغط على الحجاب الحاجز، فلم تستطع التنفس بشكل طبيعي فوضعت على جهاز التنفس الإصطناعي حتى توفيت.
الكثير من النساء في شمال غرب سوريا وقعن ضحايا للأخطاء الطبية التي تتكرر باستمرار في المستشفيات والمراكز والنقاط الطبية، نتيجة الإهمال،أو ضعف الخبرة،أو الخطأ في التعامل مع التجهيزات الطبية، فضلا عن غياب المراقبة والمحاسبة عن تلك الأخطاء، فمن لم تفقد حياتها في جحيم الحرب والقصف تخسرها ببساطة في أروقة المستشفيات .
رشا الفارس ( ٥٢ عاما ) نازحة من ريف معرة النعمان الغربي لديها حكاية مع الأطباء والتشخيص الخاطئ، الذي كاد أن يودي بحياتها، ففي بداية مرضها كانت تشعر بالألم في معدتها، وحين اشتد عليها الألم قصدت إحدى المشافي العامة في مدينة إدلب، وعندما أجرت الفحوصات، أخبروها بأنها تعاني من التهابات شديدة، وأعطاها الطبيب مضادات حيوية وبعض المسكنات، وبعد تناولها للأدوية تفاقمت حالتها الصحية حتى أصبحت طريحة الفراش لاتفارقه .
تقول رشا: ”بعد أن ساءت حالتي الصحية كثيراً، وأصبحت غير قادرة على تناول الطعام والشراب،اصطحبني زوجي إلى أحد الأطباء المتخصصين بالأمراض الداخلية، وعندما فحصني وجد عندي سائل بالرئة سبب لي كل هذه المضاعفات، وذلك نتيجة الأدوية الخاطئة التي استخدمتها، ومازلت حتى اللحظة أعاني من آثارها”.
وتعاني العديد من النساء من العنف اللفظي والجسدي والإهمال أثناء الولادة، وهو عنف يمارسه بعض العاملين في المجال الطبي والتمريضي خلال حمل المرأة وعملية الولادة، رغم أنها تكون في أكثر وقت تحتاج فيه إلى الدعم والعناية، وتعتبر غرف الولادة أحد أبرز الأماكن التي تسجل أعداداً من الضحايا اللواتي تنتهي حياتهن أو تصبن بمضاعفات خطيرة بعد عملية الولادة، بسبب إهمال الفريق الطبي لحالتهن الصحية.
العشرينية نور الحريري فقدت حياتها بعد ولادة طفلها الثاني، بسبب إهمال طبي من الكادر المناوب في إحدى المراكز المجانية المختصة بالتوليد في مدينة معرة مصرين، تتحدث والدة نور عن حادثة وفاة ابنتها التي وصفتها بالجريمة قائلة :“إن الطبيبة التي قامت بتوليدها ( بعملية قيصرية ) تركتها تنزف بعد الولادة لتنشغل بولادة أخرى، ومن ثم خرجت لانتهاء وقت دوامها المحدد ولم يأت أي طبيب أو طبيبة من الأطباء المداومين لمتابعة حالتها”.
سألت عائلة نور الممرضة عن سبب عدم قدوم أي طبيب لمتابعة حالة ابنتهم نظراً لخطورة وضعها، فردت قائلة: ”لا داعي للقلق ابنتكم ولدت قيصرية ومن الطبيعي أن يحدث لها نزيف“.
وبعد تبديل الطاقم ذهبت الأم لممرضة أخرى لتخبرها باصفرار ابنتها طالبة منها أن تأتي حالاً كي تراها، وعندما أتت الممرضة كان الرد ذاته من جديد : ”صحتها جيدة ولا داعي للقلق“، لتذهب كما سابقتها وتستمر بعملها وتوليد حالة أخرى.
وبعد عدة ساعات جاءت إحدى الممرضات بعد إلحاح شديد من الأم لتكتشف وجود نزيف قوي وشديد فما كان منها إلا أن اتصلت بأحد أطباء المشفى الذي جاء بعد معاناة طويلة وألم غير محتمل، حاولوا إيقاف النزيف الشديد، إلا أنهم عجزوا عن السيطرة عليه، مما أدى إلى وفاتها.
المختصة بالتوعية الصحية المجتمعية صفاء الشيخ أحمد (40 عاماً) تقول: ”العنف التوليدي هو تقاطع بين عوامل مختلفة حيث تلعب الأعراف الإجتماعية دوراً مهماً في قبول العنف ضد المرأة، وعادة ما تظل النساء صامتات بشأن العنف الذي يواجهنه في المستشفيات، لأنهن يعتبرنه طبيعياً، ويرجع ذلك إلى الصورة النمطية لكيفية كون القابلات فظات وعنيفات، كما أن الصراخ أو الضرب من القابلة أمر بات معتادا، ولا يتحدث عنه أحد عادة، بالإضافة إلى ذلك فإن معظم النساء يجهلن حقوقهن كمريضات، ومن ناحية أخرى فإن صمت النساء عن تجاربهن، وجهلهن بحقوقهن، يمنح الطاقم الطبي المزيد من الأمان في الإستمرار بهذه الممارسات”.
الإخصائية النفسية سعاد العليوي (46 عاماً) من مدينة إدلب أوضحت لشبكة المرأة السورية أن الحمل بحد ذاته ظاهرة معقدة تشمل تغييرات جسدية ونفسية كبيرة، ومن هذه التغييرات أنه قد يحدث تغييراً نفسياً قوياً ومرهقاً للأم، والذي عادة ما يرتبط بتغيير المزاج المستمر، والتعب والقلق والإرهاق والإكتئاب، ولذا وجب التعامل بحذر مع المرأة في هذه المرحلة الحساسة من حياتها،وهو مالا يحدث في الكثير من مراكز التوليد التي تتعامل بفظاظة وغلظة مع المرأة المشرفة على عملية الولادة، مايعرضها للخطر الجسدي والنفسي الذي يترك ندوبا نفسية طويلة الأمد، يدفعها إلى العزوف عن الحمل وعدم رغبتها في إنجاب الأطفال، والتردد في طلب العناية الصحية فيما بعد، وفوبيا الولادة والخوف من تكرار تجربتها السابقة.
ودعت الأخصائية النساء لعدم السكوت عما يحدث من تجاوزات بحقهن، والتحدث عن تجاربهن، والمتابعة من المعنيين، ليس في إهمال الحالات المرضية وحسب، وإنما متابعة مايحدث في غرف الولادة بشكل جدي، واعتبار الأمر قضية حساسة بحاجة إلى المعالجة.
وترى العليوي أنه يجب أن يتم تأهيل الكوادر الصحية من خلال دورات للتعامل غير العنيف مع الأمهات المقدمات على الولادة، والتركيز على الجانب النفسي والعاطفي والإجتماعي للأم الحامل، وتوعيتها بالولادة الطبيعية، وتأهيل القابلات بشكل جيد .
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”