حنين الأحمد
اختارت سلام البرهان (24 عامًا) حياة العزلة في خيمتها الواقعة شمال بلدة تل الكرامة، حين وجدت نفسها عاجزة عن إصلاح أحوالها وأحوال عائلتها المؤلفة من زوج مريض بالقلب وطفلين لم يتجاوز أكبرهما الخمس سنوات من عمره.
وقالت سلام لشبكة المرأة السورية إن الحياة والموت أصبحا متساويين بالنسبة لها، لما رأت من حياة البؤس وضنك العيش في مخيمات النزوح “الخالية من أي حياة”.
وتضيف” نحن نعيش بمنفى حقيقي، ولا أمل لنا بمستقبل أفضل في مكان كهذا، بل الأحوال تسير بنا من سيء إلا أسوأ، وبتنا عاجزين حتى عن تأمين أقل متطلبات أبنائنا، فعن أي حياة يمكن أن يتحدث المرء هنا”.
ازدادت حالات الاكتئاب والضغوطات النفسية المتعددة في إدلب وشمال غرب سوريا، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، وسط النزوح والفقر والغلاء وقلة فرص العمل، لتشمل تلك الحالات جميع الفئات العمرية دون استثناء وإن كان تأثيرها على النساء الحلقة الأضعف أشد وطأة.
وفوق كل مايجري من إهمال وتهميش لحياة النساء في المخيمات اللواتي بتن في حالة تخبط وسعي دائم لتحسين حياتهن دون جدوى ، تفتقر تلك المخيمات لأي عامل دعم نفسي أو متابعة لحالتهن النفسية التي راحت تتأزم مع مرور الوقت.
تشعر ربيعة البرهوم (25 عامًا) أنها أصبحت أكثر عصبية وتعاني طباع حادة منذ نزوحها الأخيرعن بلدتها حيش جنوب إدلب أواخر عام 2019، وفقدانها أحد أبنائها بالقصف الذي طال بلدتها ماتركها تقاسي الفقد والوحدة والغربة عن أهلها.
” أنا غريبة هنا، لا أهل ولا أقرباء ولا أصدقاء، إخوتي تفرقوا بين تركيا والدول الأوربية، وأعاني الفقر والبؤس والضياع، مع زوج عاطل عن العمل وثلاث أطفال، يعيشون على هامش الحياة حيث لا ترفيه ولا ألعاب ولا اهتمام ولا حتى رعاية طبية “.
من جهتها مازالت حنان السكري ( 33 عامًا) وهي من سكان مدينة إدلب، تصارع أفكار الحزن والاكتئاب والانتحار منذ إصابتها بالقصف أثناء غارة جوية استهدفت منزلهم الواقع في قرية الهلبة قبل ثلاثة أعوام، مؤدية إلى بتر في ساقها.
” ليس من السهل أن يغدو المرء معاقاً بحاجة لمساعدة الآخرين في معظم أموره” تصمت قليلاً لتتابع ” حتى زوجي تخلى عني وتزوج بأخرى “.
تمضي الأيام على حنان التي تقيم في مخيمات النزوح الوقعة في قاح شمال إدلب مع والدتها المريضة بالسكري وكأنها سنوات، ولسان حالها يقول كيف يمكنها النجاة داخل تلك المخيمات من كل ما تعانيه من يأس فلا حلول ولا عناية ولا دعم نفسي .
عاملة الصحة النفسية المجتمعية مروى شعبان (36 عامًا) قالت إن اضطرابات التأقلم والضغط النفسي الحاد واضطراب الشدّة ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب تصل أحياناً إلى نوبات ذهان من أكثر الأمراض النفسية التي تصيب النازحات.
وأشارت إلى أن الشمال السوري يشهد حالات نفسية سيئة جداً بسبب النزوح والبعد عن الأقارب والوضع الاقتصادي المعيشي المتردي، وتؤثر هذه الأمراض على الاستقرار الأسري والاقتصادي وما يتسبب من نتائج اجتماعية كالبطالة والطلاق والعنف الأسري والفقر والتسول والانتحار وغيرها.
وأكدت على ضرورة وجود فرق صحة نفسية مجتمعية تجول المخيمات لتقديم خدماتها الرعاية النفسية ومتابعة الحالات النفسية المضطربة ومساعدتها في التعافي والتأقلم وتقبل واقعها، في الوقت الذي تفتقر فيه المنطقة إلى خدمات الصحة النفسية الكافية وثقافتها منذ عقود.
وقدّرت دراسة أصدرتها منظمة الصحة العالمية ومجلة “لانسيت” الطبية عام 2019 حول الصحة العقلية في المناطق المتأثرة بالنزاعات، أن شخصًا واحدًا من بين كل خمسة أشخاص ممن يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاعات يعاني أحد أشكال الاضطراب النفسي، بما فيها القلق والاكتئاب والفصام.
ولا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة للسوريين الذين يعانون من اضطرابات نفسية منذ عام 2011، لكن النسبة أكبر من نظيرتها العالمية، نظرًا لما عاناه ويعانيه ملايين السوريين من إرهاب الدولة الشمولية المزمن لعقود، وظروف الحرب المدمرة، وانتهاكات الحقوق، وفظائعها الجماعية بما فيها التعذيب، بالإضافة إلى مرحلة “داعش” الدموية ومخلفاتها.
حاص بـ”شبكة المرأة السورية”