إعداد: عطاف عباسي
يتخذ العنف السيبراني بعدا عالميا ويُعتبر أحد أشكال العنف الآخذة في التزايد، حيث تصل المنصات المتنقلة القابلة للنفاذ إلى أقصى أصقاع العالم، وغالباً ما يستهدف النساء والفتيات بسبب طبيعته البنيوية القائمة على النوع.
وفقا لاتفاقية إسطنبول (المادة 3) العنف ضد المرأة هو: “… جميع أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي التي تؤدي أو من المحتمل أن تؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية أو اقتصادية للمرأة، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.”
يتخذ العنف من خلال أدوات التكنولوجيا الرقمية أشكالًا عديدة، مثل التحرش الإلكتروني، وتشويه السمعة و “البورنو الانتقامي” الذي يتضمن نشر الصور الحميمية دون رضا الضحية، التي تظهر في هذه المواد، من قبل شريك حميمي سابق أو حالي أوعن طريق اختراق حاسوب الضحية من قبل أشخاص مجهولين غير معروفين بالنسبة للضحايا، والتهديد بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو القتل، والهدف منه إحداث ضرر حقيقي لحياة الضحية في العالم الواقعي غير الافتراضي.
يستهدف العنف الإلكتروني بشكل خاص المدافعات عن حقوق المرأة والصحفيات والمدونات والشخصيات العامة و السياسية والمجتمع المعروف بمجتمع الميم.
في الغالب، السبب الجذري للعنف ضد النساء والفتيات هو عدم المساواة بين الجنسين، و النساء ذوات الهويات المهمشة اجتماعياً هن الأكثر عرضة للعنف
الإلكتروني بسبب هوياتهن الجندرية، و/ أو الدينية، و/ أو العرقية، و/ أو ميلهن الجنسي، و/ أو موقعهن الطبقي، و/ أو اللون، على سبيل المثال، النساء ذوات البشرة الملونة، أو نساء الأقليات الدينية، أو ما يُعرف بمجتمع الميم.
التأثير المخيف للعنف السيبراني على النساء:
قد يحد العنف وسوء المعاملة عبر الإنترنت من حق المرأة في التعبير عن نفسها على قدم المساواة وبحرية ودون خوف، وفي الدفاع عن وجهة نظرها، وفقدانها العمل. غالبًا ما يتم قمع أصوات النساء، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل تدني احترام الذات، أو فقدان الثقة بالنفس نتيجة للتوتر و القلق أو الاكتئاب أو نوبات الذعر بعد تعرضهن للإساءة أو التحرش عبر العالم الرقمي. إن ما يميز هذا العنف سهولة ارتكابه نتيجة لمجهولية مرتكبيه مما يؤدي إلى شعور الجناة بالحصانة ” العنف على الأنترنت ضد العقاب.” كما يتميز أن آذاه طويل الأمد بسبب “الاستدامة الرقمية“، نظرا لاستحالة اختفائه تلقائيا أو حتى مع السعي المتعمد إلى محوه. ومن ثم فان المحتوى المسبب للضرر والأذى يظل يطارد ضحاياه طيلة حياتهن منتجا مزيدا من الأثار المدمرة، كالشعور بعدم الأمان و الاضطهاد حيث يمتد أثره إلى حرمان النساء من المشاركة الرقمية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، مما يعيق التحقيق الكامل
للمساواة بين الجنسين. حيث النساء عرضة للعنف بمعدل غير متناسب مع نسبة اتصالهن بشبكة الإنترنت مقارنة بالرجال.
الاستدراج والاستغلال الجنسي يُعدان من الصور الأكثر شيوعيا للعنف السيبراني، حيث تتعرض الفتيات وخاصة المراهقات لهذا النوع من العنف اكثر من غيرهن لقلة خبرتهن ولتلهفهن لدخول عالم البالغين. وقصة أماندا تود، المراهقة الكندية، التي أقدمت على الانتحار، بعد يأسها من الحصول على المساعدة المرجوة، تُقدم نموذجا واضحا لهذا النوع من العنف.
فكما تقول ” جيسكا وست”: “الطريقة التي استغل بها الرجال أماندا لتخلع ثيابها أمام الكاميرا على الإنترنت هي جندرية بالأساس.”
قصة الاغتصاب الجماعي في مدينة ستوبنفيل الأمريكية تمثل نموذجًا آخر لهذا النوع من العنف. في هذه الواقعة، قامت مجموعة من طلبة المدرسة الثانوية، وهم أعضاء فريق الكرة الأمريكية بالمدرسة، بانتهاك زميلة لهم بأصابعهم واغتصابها بشكل جماعي، مستغلين غيابها عن الوعي، و بقدر واف من تقدير الذات قامت هذه المجموعة بتصوير وتوثيق الجريمة، كانت مجرد فرخة مخمورة يتم الاستهزاء بها.
يقول الخبراء إن الاغتصاب جريمة قوة وسيطرة اكثر منها جريمة جنس. يكمن وراء ذلك الغطرسة، التي وصلت اقصى حدودها في ستوبنفيل، غطرسة المتهمين، غطرسة الأصدقاء، غطرسة الثقافة التي خلقت عقلية جماعية من الفجور وعدم الاحترام والرجولة في غير مكانها، إذلال فتاة في حاجة ماسة للمساعدة، صديق يرتكب جناية واضحة بحقها، ويقرر ما دعت اليه اللحظة تصوير إباحي مرتجل، تهديدات بالقتل من قبل الطلاب في المدرسة للضحية ونعتها بالعاهرة لإبلاغها الشرطة بالواقعة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومحام يحاول الحصول على شهادة تثبت أن الفتاة كانت في حالة سكر وتعرف ما كانت تقوم به، وإعلام متعاطف مع من هم مصدر فخر(الجناة) في مجتمع عانى من خسائر فادحة في الوظائف مع انهيار صناعة الصلب.
كيف يستجيب المجتمع للنساء اللاتي يتعرضن للعنف السيبراني؟
على مستوى مجلس أوروبا، بالإضافة إلى اتفاقية لانزاروت التي تتناول الاعتداء الجنسي على الأطفال واستغلالهم، واتفاقية بودابست بشأن الجرائم الإلكترونية، تعتبر اتفاقية “إسطنبول التاريخية ” أو ما يُعرف بـ “اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء و العنف المنزلي ومكافحتهما” أداة حيوية لترسيخ منهج الاعتراف بتعرض المرأة للعنف في المجال الإلكتروني. من أهداف هذه الاتفاقية التزام الأطراف بمنع العنف النفسي والمطاردة والتحرش الجنسي، واتخاذ التدابير التشريعية، وغيرها من التدابير الضرورية لوضع برامج هادفة تمنع مرتكبي الجرائم من تكرارها وتغيير الأنماط السلوكية العنيفة و تشجيع برامج التوعية من اجل رفع وعي الجمهور وتفهمه لمختلف تجليات كافة أشكال العنف، و اتخاذ تدابير وقائية في قطاع التعليم، وإيجاد طرق لتشجيع الشركات الخاصة ووسائل الإعلام على إرساء مبادئ توجيهية ومعايير للتنظيم الذاتي، مثل التدابير التي تحد من أي شكل من أشكال الإساءة اللفظية للمرأة، وترسيخ احترام كرامتها، وتزويد الضحايا بالمعلومات الملائمة، وفي الوقت المناسب، عن خدمات الدعم والتدابير القانونية المتوفرة، وبلغة مفهومة.
بموجب اتفاقية إسطنبول، يجب وضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم من العقاب و محاكمتهم ومعاقبتهم على النحو اللازم. لتحقيق ذلك في مجال العنف السيبراني ضد المرأة، يجب أن يشمل القانون الجنائي هذا الشكل المحدد من العنف ويجب ألا يظل دون عقاب. وهو يتطلب آليات إلكترونية يسهل الوصول إليها وآمنة ومتخصصة تمكن النساء من الإبلاغ عن الانتهاكات للسلطات والحصول على الحماية وتوفير دعم متضامن وواضح للضحايا في التقدم بدعاويهن، وضمان تنسيق افضل بين السلطات المختصة، كما يجب تدريب وكالات إنفاذ القانون لتكون قادرة على التحقيق في جرائم العنف السيبراني ومقاضاة مرتكبيها بشكل أكثر كفاءة وفعالية.
غالباً ما لا تُؤخذ الهجمات الإلكترونية والعنف ضد المرأة على محمل الجد، ويعتبره البعض ظاهرة منفصلة عن العنف في العالم الواقعي. يجب أن يتغير هذا، ويتعين على الدول معالجة العنف السيبراني كامتداد للعنف ضدهن على ارض الواقع خارج الإنترنت، وذلك باستخدام جميع الأدوات المتاحة. إذا لم تتصرف الدول، سيكون للعنف من خلال الوسائط الرقمية والتكنولوجيا عواقب وخيمة على التعبير والدفاع عن وجهات النظر على الإنترنت، وقد تؤدي إلى تفشي طفرة عنف غير مسبوقة.
على العكس من ذلك، إذا تعاملت الدول مع العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت باستخدام الإطار الدولي الحالي لحقوق الإنسان، فإنها ستجعل من الإنترنت منصة مفتوحة وآمنة وتمكينيه للنساء والفتيات وبالتالي للفتيان والرجال.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”