غناء، أطعمة شرقية، رقص، عروض فنية، وكثير من الفرح وروح العمل الجماعي والهمة العالية كللت بالنجاح احتفال “شبكة المرأة السورية” شمس، فرع السويد، في يوم المرأة العالمي.
البرنامج لم يقتصر زمنيا على المدة المقررة من الساعة الواحدة حتى الثامنة من يوم السبت الخامس من آذار، وإنما سبقته استعدادات مكثفة على مدى أيام كما تبعته لقاءات واجتماعات بين المشاركين إما للدردشة أو للتقييم. أقيم المهرجان في مدينة يتيبورغ في فالك غاتان حيث مقر منظمة ستيديي فريمياندي:
Studiefrämjandet
التحضيرات وانطلاق الفعاليات
قبيل ظهر يوم السبت بدأت التحضيرات بتنسيق معرض الأطعمة وأعداد اللوحات وتوزيع المهمات.
وقبيل الساعة الثانية بقليل استؤنفت التدريبات على الأغاني بقيادة العواد عماد عزوز ومشاركة بعض السادة من أصدقاء الشبكة .
عند الساعة الثانية قدمت سمية الجندي معرضاً افتراضياً لبعض منتجاتها من الفن التشكيلي. أتبعت العرض بقراءة لمقالة من مقالاتها عن المرأة السورية بعنوان “بارفراز” ننشره في نهاية التقرير.
تلتها ماريا التي قدمت عرضا لفيلم قصير” غابة ومدينة” من صنع الراحلة هالة واكيم وتكريما لذكراها. الراحلة كانت عضوة في كورال حنين… سيدة تحلت بعزيمة الروح ونقاء السريرة وحاولت جاهدة أن تقهر المرض بعين هاوية للتصوير عنيدة حاولت بالكاميرا أن تخلد حالات عشقية من انصهار الروح مع الطبيعة … غير أن الموت غلبها وإن لم يمح بصماتها الموسومة بجمال اللقطات وحسن الذكر
بعد ماريا قدمت عفاف نوعا من “الفلاش” الخاطف على تجربتها في الاعتقال والسجن. أما سميرة، فإضافة إلى إشرافها على الندوة، قدمت فيلما تعريفيا قصيرا عن شبكة نساء سوريا ثم أغنية أثارت شجونا في قلوب المغتربات الحاضرات
الندوة الحوارية التي امتدت بين الساعتين الرابعة والخامسة كانت رغم قصرها ثرية بالمداخلات والأسئلة والمناقشات التي أدارتها عفاف وعزة وسمية وميسون وأشرفت عليها سميرة. موضوع الندوة كان متماشيا تماما مع شعار عيد المرأة لهذا العام
Women’s rights are human rights
حيث تكلمت المشاركات عن تجاربهن كلٌ في حقل مهنتها على ضوء وضع الحرب في سورية ووضع سوق العمل في بلاد الاغتراب وانعكاس هذا على وضعها المهني وهويتها وحقوقها وخاصة حقها في العمل. المداخلات سلطت الضوء على المعوقات التي تحول دون تحقيق المرأة هويتها وحصولها على حقوقها كاملة. عزة البحرة عاينت وضعا عاما مترديا جدا في سوق السينما السورية انعكس سلبا على وضعها المهني الخاص كممثلة محترفة وعلى هويتها الثقافية. سمية الجندي عاينت وضعا قاسيا بسبب موقف سوق العمل السويدية (خاصة الثقافية منها) من خبراتها كصحفية وكيف يتجاهل أرباب العمل السويديون كفاءاتها العلمية وخبراتها السابقة قبل مجيئها إلى السويد وهذا الوضع ينعكس على هويتها كمواطنة “ذات حقوق” تعيش في بلد حاضن للديمقراطية، وحالها كمثل حال الكثيرين من الأكاديميات والأكاديميين و المثقفات والمثقفين العرب والسوريين في بلاد اللجوء حتى وإن كن حاصلات (أو كانوا حاصلين) على الجنسية السويدية … فيما يتعلق بالحقوق كان ختام الندوة مع المرشدة النفسية ميسون النشار التي أكدت على دور الرجل في دعم المرأة ودعم تطورها او دوره في عرقلتها وتثبيط دورها. ميسون اقترحت وسائط وحلول لمساعدة المرأة في الوقوف بوجه العنف الجسدي والنفسي وبمداخلتها فعَّلت جوا حاميا للنقاش.
مواضيع الندوة كانت شيقة ومستفزة بالمعنى الإيجابي للنقاش غير أن الوقت كان قصيرا وأوان الطرب والموسيقى قد حان
بحلول الساعة الخامسة، انتقلت جوقة شمس إلى قاعة الموسيقى حيث قدمت وصلة من الأغاني اختتمت بالرقص ولم تنته إلى ما بعد الثامنة بقليل
الأصداء…
خلَّف الاحتفال أصداء إيجابية للغاية داخل المجموعة وخارجها. حيث إن الندوات والمعرض، والحفل الغنائي، والمناقشات، قوبلت بتفاعل حماسي من الجمهور وعندما بدأ عزف الموسيقى استبد الطرب ببعض الحضور فقاموا يرقصون مثنى وفرادى منتشين…
المشاركات نفسهن عبرن فيما بعد عن سرورهن البالغ الذي عشنه رغم تعبهن في التحضيرات التي سبقت يوم المهرجان
لقد أبدعت فرقة شمس… ابدعت وادخلت الفرحة إلى قلوب الجميع رغم ما ألمَّ بأعضائها من تعب النهار، هذا كان أحد التعليقات.
من التعليقات التي أعقبت يوم الاحتفال…
“كنا جميعنا متميزين بلهفتنا للعمل الجماعي والمساعدة والبسمة الجميلة والروح العالية”.
“بدي قول لمتنا حلوة متل مو نحنا وفرحتنا انو سوى ومع بعض هي اهم شيء”.
” “شكرا للجميع على الاحتفالية المبهجة وكم الذوق والرقي والتميز يلي عبر عن الثقافة العالية وادب واخلاق المرأة السورية عامة وشبكة شمس وكورال حنين خاصة، تحياتي ومحبتي للجميع”
” شكراً كتير للجميع ع الجهود والمعلومات والتنسيق والطاقة الحلوة”
“شكرا للجميع على الفعالية الرائعة. فعلا كانت تجربة جديدة وممتعة”
أخيرا يجب التنويه إلى أن السادة الرجال، سواء كانوا من أقرباء عضوات “شبكة المرأة السورية” أو أصدقاء لهن في الشبكة، قد شاركوا مشاركة فعالة في التنظيم والإعداد والتنشيط وفي ترتيبات مقر المهرجان قبل مغادرته… هؤلاء السادة قد يكونون خير قدوة لكل أب، زوج, و أخ وابن في سوريا المستقبل… بلد حقوق ديمقراطية بلا حرب ولا عنف..
تقرير سمية الجندي
تصوير المجموعة
الإثنين 07 آذار 2022
“بارفراز”
بارافراز*
حين يتقمص الفن وجه النساء
لا أدري لماذا أفكر بالفن التشكيلي كلما عزمت على الكتابة عن المرأة بمناسبة عيدها
ربما لأن مخيلتي، كما ذاكرتي، بصرية في المقام الأول
ربما لأن المرأة تعني لي امرأة بعينها دون سواها، المرأة السورية.
وربما لأنني حالمة ميؤوس مني
لكن العيد هنا الآن.
ولأن الأعياد التكريمية ترتبط أغلب الأحيان بما يسر أو يكدر من الذكريات، أي ترتبط بالمشاعر … أحاول أن أغربل التصورات في مخيلتي كي أنتقي منها السار والمفرح، وأن أركز بتجرد على الفكرة في مطلقها، أي من غير أن أثقل عليها بظل عواطفي.
ها أنذا ألوذ بذاكرتي البصرية أحاول أن أتجرد من عاطفتي وأستحضر منها أجزاء تبدو بها المرأة في ألطف حالاتها من جمال ورهافة وعذوبة. ولأقل مثل ما تصوَّرها الكسندر لويش ، يوجين جيرو ، الكسندر دي كامب
Alexandre Lauwich, Eugène Giraud, Alexandre Decamps
لابسة أثواب الحريم البيضاء، الرهيفة الشفافة الكاشفة أو شبه الكاشفة عن صدر مزين بالقلائد وعملات الذهب… هنيئة البال رائقة المزاج أو بمسحة من الحزن الشفيف تريح في حجرها كفين مثقلتين بالخواتم. إلى جوارها على مقعد مكسو بالبروكار الدمشقي ترتاح قيثارة أو دف أو طبلة…وهي تنتظر حلول ساعة المثول في كنف الأمير لتقديم عرض المساء ومع العرض أو بعده مسرات الجسد الطافحات…
في ذاكرتي البصرية حريم مضطجعات على الطنافس في حلل من الحرير المطرز، ممسكات بأنابيب الأراجيل، أو الغلايين الطويلًة قد أرحنها على ديباج الوسائد.
يا للصور المفعمة بالأنوثة، الطافحة بالحسية… ولكن النساء في تلك الصور، رغما عن أنوثتهن، أقصد أنوفهن، تم تصويرهن وفقا لمشيئة الفنانين التشكيليين الذين ابتدعوهن. أي وفقا لنوع من الأدرية الذكورية التي اعتادت أن ترى المرأة وترسمها كما أراد الذكر لها أن تكون. لاسيما تلك الذكورية الغربية الإغترابية exotisme أو كما دعاها إدوار سعيد، الاستشراقية Orientalism الممجدة لعذوبة الجواري طالما هُنَّ جوارٍ، والمؤلٍّهة للطف الأنثى الخارق المستكين (كما في الفن الهندي القديم) طالما الأنثى لطيفة مستكينة.
هنا أرى الغربلة والتجرد أمرين عسيرين.
كيف أنتقي ما يعبر فعلا عن نساء أفكاري؟
نحن أساسا في بنية تفكيرنا كعرب نشبه مرثية أو موالا عراقيا
إننا نشبه مقام الصبا و لا يطيب لنا أن نفكر إلا بقلوبنا، لا بعقولنا.
لذا فإن ذاكرتي البصرية لا تنجح في استحضار تلك الصور السارة في حرير الحريم … بل صورا يكتنفها الحزن و تفوح منها رائحة الفجيعة…
ما يعبر عن نساء أفكاري ليس ذلك النمط من الحريم اللواتي اعتاد الاستشراق أن يسوٍّق لهن في صالوناته عبر أجيال وأجيال.
ولسن من ذلك النوع الذي روجت ومازالت تروج له ساحرات العولمة النيو ليبراليات الشمطاوات الدرداوات السيليكونيات اللواتي يسوقن لساحرات أخريات، أو يسوقن أنفسهن بأنفسهن عبر عبر كل ما تيسر من منصات للعرض في وسائل التواصل على الانترنيت فيعرضن الأجساد الأنثوية على المستهلكين كما تُعرض سائر البضائع كيما يصبن جانبا من الثراء والشهرة.
نساء تصوراتي لسن من أولاء، لسن من النصف الأعلى من خارطة الأرض …
بل هن من النصف الأسفل المنسي من الجزء الأدنى من الخارطة الجندرية …
إنهن المنتظرات في فراغ المساحة قبل أن يبدأ التكوين، كأنهن خطوط الكروكي عند الشروع في سكيتش اللوحة…
هُنَّ هشات، إنما قويات…. يشخبطن أنفسهن ثم يمحين الخطوط التي تحدد مساراتهن ومصيرهن، وقد يذبن كالأثير ويُعِدن تركيب تاريخهن…في تشكيلات قد تبدو كالخطوط، تتعانق وتلتوي، تعلو وتهبط، تمتد ولا تنتهي وقد تمضي إلى أبعد من رقعة الكانفاس البيضاء … يفرغنها ثم يملأنها بألوان وأحجام وأبعاد وكتل و كثافة (أو شدة) و أيضا بإيقاع وذاكرة.
أولئك النساء هنَّ من شرقي أنا، لا من شرق المستشرقين.
قد يكنَّ مثل طلاسم المايا، ناتئات من نقوش الحجر، جاثمات على زجاج أو ورق أو قماش. بدائيات واضحات كما في رسوم التيناوي , في لحظة من الزمن قد توقفت فيما هن يصغين إلى “رقصة ستي” على وقع النقشبندي. ملونات كأطباق القش في تشكيلات محمود جلال. معذبات مكافحات كفلاحات فاتح المدرّس . عريقات ممسوحات الملامح، ملتحمات الأجساد بجذوع الشجر المعمّر.. غير أن حالهن، كحال الرجال، مختزلة في مربعات. مربعات تختزن كل ما عاشه السوريون من قمع وقهر وحزن متسربلات بضباب الأساطير مثل عشتار الإلهة ومثل حكايا الجدات الشاميات ومثل جلنار الغوطة في لوحات نذير نبعة .
هن كالهاجس… مقيم، متكرر في ظلمة الأسود والأبيض…كما في سوداويات يوسف عبدلكي يردم الهوة بين الحضور والخفاء…. أقرؤه نصا بصريا، أحاول تفكيك وتأويل وفهم علاقاته الداخلية… كما في لاس بينتوراس نيغراس
Las pinturas negras لفرانشيسكو دي غويا
قد يكن متكسرات الأبعاد كفنجان براك في واقع بلا ألوان.
وقد تصدعن من الفجيعة كما في “باكية” بيكاسو.
قد يكن لابسات أو عاريات ينتظرن الموت..
ولطالما انتظرنه منذ أن بدأ الحراك الثائر الذي أفضى إلى العدم…
مثل المدينة المصلوبة في أيقونات إلياس زيات
تواقات إلى الخلاص من الموت الذي غلّف المدن بأوشحة من الحزن والكآبة وظلمة اليأس كما في “نواويس سورية” لنزار صابور
وكما في رولييف (حفريات) فادي يازجي وعزة أبو ربيعة وياسر صافي …. هناك حيث لا حضور لذكورة أو أنوثة، بل فظاعة بحق كل ما هو إنساني.
ولم لا تكون نساء أفكاري مدويات مثل “صرخة” مونش كي تسمع الدنيا أصواتهن؟
لم لا يكنَّ مثل ثائرات دييغو ريفيرا، يؤمنَّ بمعجزات العشق ولا تقتلهن نزوات الرجال.
لم لا يكن كسيدة الموت أنيقة إنما طافرة بالحياة كما في «حلم آلميدا» ؟
قد تجرفني لحظة الانفعال فأراهن منتقمات من مغتصبيهن وقاتلي أطفالهن وأحبائهن…تقريبا مثل تيموكليا التي ترمي الجندي التراقي الذي اعتدى عليها في البئر
أو مثل «جوديث التي تقطع رأس هولوفيرنيس» ….؟
ولكنني لا أميل إلى فظاعات الانتقام. بل أريدهن في زمن بلا حرب وبلا فظاعات. زمن يعم فيه السلام …
زمن يتناولن فيه طعام السيران فوق عشب أخضر غض مثل عشب إدوار مانيه…فوق عشب لاتكسوه شظايا القنابل ولا يطمره غبار بيوت كانت تعج يوما بالحياة.
أريد لهن عشبا يرقصن عليه متجردات من كل حكم وعرف وفكرة مسبقة.. كأنهن راقصات ماتيس في أنقى عريهن.
أراهُنَّ من «منظور عين الطائر”.
لا في سكونية خط الأفق الفرضي حيث عين المشاهد تثبت.
بل في حركة مستديمة بالأبعاد كلها، إذا ما دخلن المساحة شغلن الفراغ، وخلقن التناغم بين الشكل ومساحة اللون.
هكذا أفكر فيهن…
نساء جديرات بفراديس ليمبورج
هكذا أراهُنّ!
بدلا من واقفات خلف شبكات المشربيات التي تشي بالكون المغلق للحريم
وخلف قضبان السجون، يطيرن في فضاء الأفكار حمائم للحرية…
بدلا من رابضات وسط غيهب الفقر وجحور التعذيب والاحتجاز
أراهن بعين إدراكي وقد صرن مصدرا للنور كما في لوحات دولاتور
أراهُنَّ نورا يفيض على الأشياء.
أراهن وعدا بالأمان،
الولادة الجديدة، ورقص الحياة
سمية الجندي
بارافراز…Paraphrase*
إعادة صياغة لنص أو لوحة فنية أو جزء من نص، او لوحة بغرض التبسيط والتوضيح
لتبليغ فكرة جديدة.