إدلب – سونيا العلي
لاتزال فتيات سوريات يجبرن على الزواج من الأقارب رغم الأمراض والتشوهات الخلقية والعقلية التي تصيب الولادات الناتجة عنها، وتزداد نسبة هذا الزواج في المناطق الريفية والمجتمعات البدوية والعشائرية نظراً للتشبث بالعادات والتقاليد، وضعف العمليّة التعليمية، وقلّة الوعي الطبي بخطر زواج الأقارب في إنجاب أطفال معاقين.
رهف الجاسم من مدينة سنجار (18عاماً) أجبرت على الزواج من ابن عمها بسبب العادات والتقاليد السائدة ضمن العائلة، والتي تجبر الفتاة على الزواج من ابن عمها في حال رغب بذلك، ويحق له أيضاً أن يمنعها من الزواج بغيره.
تتحدث رهف لشبكة المرأة السورية بقولها: “تقدم ابن جيراننا لخطبتي، ولاحظ والدي موافقتي، فأرسل لابن عمي يخبره بأن هناك من تقدم لخطبتي، فعارض ابن عمي، وأبدى رغبته بالزواج مني، رغم انعدام الحب والانسجام فيما بيننا، وبعد الزواج رزقت بطفلين يعانيان من الشلل، مما جعل ابن عمي يتخلى عني ويعمد إلى الزواج من امرأة أخرى، وبقيت لوحدي أعتني بأولادي المعاقين وأحيطهم بالرعاية والاهتمام”.
كذلك أم علي(40عاماً) من مدينة سراقب تجمعها مع زوجها صلة قرابة شديدة، مما أثر على الأجنة التي تحمل بها، حيث تلد الإناث وتعيش بشكل طبيعي، لكن الذكور تموت فور ولادتها، وعن ذلك تقول: “مات ثلاثة مواليد على تلك الحال خلال فترة زواجي، منذ 20 سنة، بينما رزقت بأربع فتيات”.
تضطر الفتاة للزواج من أحد الأقارب بسبب منعه كل من يتقدم لخطبتها، ولخوفها من الوقوع فريسة العنوسة أو أن يفوتها قطار الزواج.
براءة العبسي (16عاماً) من مدينة إدلب تزوجت منذ سنة من ابن عمها في تركيا رغماً عنها وبموافقة عمها ووالدها بحجة “لا تروح للغريب”. براءة لا تتقبل ابن عمها كزوج، فهي ترعرعت معه منذ الطفولة، وعن ذلك تقول: “لجأنا إلى تركيا مع أسرة عمي، وهناك طلبني ابن عمي للزواج، وبموافقة أهلي كتب كتابه علي، وأعيش معه حتى اليوم جسداً بلا روح، وكلما حاولت أن أتخلص من هذا الواقع بالطلاق، تتدخل العائلة كلها لتمنع ذلك”.
المرشدة النفسية أماني العوض (35عاماً) تتحدث عن الزواج من الأقارب بقولها: “لاتزال العادات والتقاليد تتحكم بكثير من المجتمعات السورية، منها تزويج الفتاة بالإكراه من أحد أقاربها، في رغبة من الأهل بالحفاظ على روابط الدم واللحمة العائلية، أو الحفاظ على الإرث والأملاك ضمن نطاق الأسرة الواحدة، واعتقاد الأهل بأن العلاقة كلما كانت أقرب بين الزوجين كان التفاهم أكبر”.
وتشير العوض إلى المشاكل النفسية التي تحدث نتيجة زواج الأقارب، مؤكدة أن التحمل بين الأزواج، رغم حدوث المشاكل الأسرية، وسكوت المرأة عن حقها باستمرار، يؤدي بلا شك إلى أضرار نفسية جسيمة، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية التي قد تنشأ من زواج الأقارب، حيث يتقيد الزوج أو الزوجة بتلك العلاقات الأسرية فلا ينعمان بالحياة الهادئة بسبب الضغوط الواقعة عليهما من قبل الأهل ومراعاتهما لمشاعر العم أو الخال، متناسين بذلك احتياجاتهما الاجتماعية والأسرية والعاطفية”.
وتشير العوض إلى أن إجبار الفتيات على الزواج من الأقارب تحكم بالإعدام على سعادة الكثير من الفتيات اللواتي يحرمن من حرية اختيار الزوج وشريك الحياة، عندما يجدن أنفسهن مجبرات على قبول ابن العم زوجاً، وان رفضن الأمر حكمن على أنفسهن بالبقاء عانسات”.
وتضيف: “صحيح أن نظرة فئات المجتمع قد تغيرت نحو الزواج من الأقارب، ولكن لا تزال هناك فئة تتمسك بهذه العادات وبقوة”.
أما طبيبة الأطفال إكرام البكور فتقول لشبكة المرأة السورية: “المخاطر الصحية وحتى وفيات الأطفال ترتفع كلما ارتفعت درجة القرابة بين الزوجين، فالزواج من أبناء العم وأبناء الخال هو الأخطر على حياة وصحة الأطفال، وتزداد نسبة الخطورة حين تكون القرابة من جهة الأب والأم معاً.
وتبين الطبيبة أن زواج الأقارب يورث أمراضاً كثيرة منها الإجهاض المتكرر، الإعاقات المتعددة، مرض الثلاسيميا، مرض زيادة الحديد بالدم، مرض ضمور عضلات الوجه والكتفين، مرض الأورام المتعددة بالقولون، والبدانة الناتجة عن فرط نشاط الغدة وغيرها.
وتشير أن من أخطر الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب هو مرض الثلاسيميا، باعتبار لا يوجد له علاج، وهو من أمراض الدم الوراثية التي تحدث بسبب خلل في المورثات أو الجينات المسؤولة عن خضاب الدم، ومن نتائج هذا الخلل انكسار خلايا الدم، إذ لا يستطيع النخاع العظمي تعويض هذا النقص الكبير من كريات الدم الحمراء، مما ينتج عنه فقر دم شديد يحتاج تعويضه إلى نقل دم دوري كل أسبوعين”.
وتفسر الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب بقولها: “كل شخص يكون لديه أمراض وراثية يحملها ولكن عند وجود أب وأم يحملان نفس الجينات تقريباً أو جينات مماثلة، فبالتالي هم يحملون نفس الأمراض الوراثية، ولكن لا يظهر عليهم بشكل مباشر ولا يظهر على جسدهم أعراض المرض لأنه موجود ولكن موجود بنسبة النصف في التكوين الوراثي، أما عند تزواج الشخصين فتكون النسبة عالية مما يعني احتمالية الإصابة تكون أكبر لدى الأطفال، فكلما زادت درجة القرابة ازدادت نسبة تماثل الجينات الوراثية”.
وتطالب البكور بتكثيف حملات التوعية بأخطار زواج الأقارب بهدف التخفيف منه، فإجبار الفتيات السوريات على الزواج من الأقارب هو رمز لقهر المرأة وسلب لحريتها، في بيئة تتحكم بها عادات بالية عفا عليها الزمن، لتكون إرادة الآباء فوق إرادة الأبناء، وتخضع الفتاة لعلاقة زوجية رغماً عن إرادتها، وتعيش حياة مليئة بالألم.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”