إدلب – هاديا منصور
تنطلق الأربعينية سعاد الحاج برفقة عدد من نساء المخيم باتجاه الأراضي الزراعية، مشكلات ورشات عمل جماعية يعملن فيها طوال اليوم بما يعود عليهن ببعض المال لإعالة أسرهن.
فقدت الكثير من الأسر السورية معيلها في ظل الحرب، الأمر الذي جعل عبء الانفاق يقع على عاتق النساء اللواتي أخذن دور المعيل لأسرهن وبدأن يواجهن صعوبات الحياة مع اعتمادهن لمهن شاقة أهمها الزراعة.
”حمل ثقيل ألقي على عاتقي بعد وفاة زوجي فأنا لا أحمل شهادة الأمر الذي أعاق حصولي على فرصة عمل، لكنني رفضت مد يدي لاستجلاب عطف الناس، عملت بالزراعة رغم صعوبة ظروف العمل تحت أشعة الشمس الحارقة في سبيل تأمين احتياجاتي واحتياجات عائلتي المؤلفة من سبعة أبناء”، تقول سعاد وتروي دوافع اختيارها للعمل في المجال الزراعي لشبكة المرأة السورية فتقول: ”بعد نزوحنا إلى مخيمات أطمة منذ أكثر من عامين بعد سيطرة نظام الأسد على مناطقنا وأرزاقنا في ريف إدلب الجنوبي لم نعد نستطيع تأمين قوت يومنا وخاصة مع كل هذا الغلاء والفقر المدقع”، وتضيف بأن عدم معرفتها بأي مهنة أخرى دفعها لاختيار العمل في الزراعة كونها تملك بعض الخبرة فيها، فهي امرأة ريفية ومطلعة على مثل هذه الأعمال.
تعمل سعاد مع أكثر من عشرين إمرأة أخرى بشكل شبه يومي منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء، وعمدت لتشكيل هذه الورشة لاستلام الأعمال الزراعية بشكل مباشر من مالكي الأراضي وتكون ورشتهن أكثر شهرة عن طريق العمل الجماعي، وعن آلية عملها تقول أن سيارة الورشة تأتي لاصطحابهن بعد أن يجتمعن في مكان معين ويتم ايصالهن لمكان عملهن ضمن الأراضي الزراعية المجاورة، ويتركز عملهن بتقليب التربة حول النبتة وإزالة الأعشاب الضارة المحيطة بها، وأحياناً جني بعض المحاصيل كالبطاطا والخضار والفواكه أو قطاف الزيتون والحصاد .
رغم أهمية المجال الزراعي كفرصة عمل للكثيرات إلا أنهن يواجهن الغبن والتدني في الأجور، فأم خالد(٣٩عاماً) تعمل في الزراعة منذ نزوحها عن حمص منذ أكثر من خمس سنوات لكنها تواجه ظلماً واضحا في مسألة الأجور المتدنية والتي لاتتناسب مع ساعات عملها ومشقته وعن ذلك تقول” دائماً يتم استغلال المرأة في العمل كونها بحاجة لعمل أكثر من الرجل الذي من الممكن أن ينخرط بأي من الأعمال، عكس المرأة المحصورة بمجالات عمل محدودة وقبولها بأي أجر يقدم لها، وخاصة مع الغلاء الحاصل وقلة فرص العمل” ولذا تضطر دائماً للقبول بأي أجر يقدم لها، فهي لا تملك خياراً آخر وإن حاولت الاحتجاج سوف تخسر عملها وتبقى دون عمل وهو ما ”سيزيد الطين بلة” وفق تعبيرها.
المهندس الزراعي وائل العمر يرى أن النساء أقل حظاً من الرجال في المشاركة في العمالة مقابل أجر سواء في المجال الزراعي أو غيره مع أنهن أكثر نشاطاً في الاقتصاد الريفي غير الموسمي، وهن يعملهن في الأغلب بدوام جزئي أو عمل موسمي أو عمل منخفض الدخل ويزيد متوسط أجور الرجال عنه لدى النساء رغم أن النساء يعملن عادة لساعات أطول من الرجال، وهي تمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة الزراعية، مشيراً إلى أن لها إسهامات كبيرة في الإنتاج الزراعي وإتاحة الأمن الغذائي وإدارة الأراضي والموارد الغذائية، داعياً لضرورة تمكين المرأة إقتصادياً واجتماعياً وتقديم الرعاية والاهتمام بها لإدماجها وتعزيز دورها في مجال التنمية المجتمعية، إضافة لإتاحة مصادر للتمويل للمرأة العاملة في القطاع الزراعي بكل أنشطته لتوسيع دورها فيه وعدم استغلالها.
مها العمر الفتاة العشرينية تشعر بالسعادة بينما تعمل مع مجموعة من النساء في الزراعة وعن عملها تقول” أحب هذا العمل فهو يتيح لي فرصة الخروج من الخيمة المقيتة التي أسكن فيها مع عشرة أشخاص من أهلي، خروجي مع الورشة يشعرني بالراحة النفسية لعدة أسباب أولها شعوري بكياني وبذاتي وقدرتي على الإنتاج وكسب المال، والثانية أنني أقضي وقتاً مسليا أثناء عملي فرغم مشقته نحن في الورشة عبارة عن أسرة واحدة تحيطها المحبة والألفة والروح المرحة وعادة ماننظر للأمور رغم صعوبتها بعين الرضا والتفاؤل”.
تؤدي المرأة السورية دوراً أساسياً في دعمها لأسرتها ومجتمعها من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذوي ودر الدخل وتحسين سبل المعيشة والاهتمام بالصالح العام للأسرة، وتمثل الزراعة مصدر مهم من مصادر كسب الرزق للفئات الأكثر فقراً وهي إحدى وسائل القضاء على الفقر المدقع لاسيما بالنسبة للمرأة، ورغم إنخفاض إجمالي معدلات عمل المرأة فإن نسبة السيدات العاملات تتساوى عادةً مع مثيلاتها من الرجال أو تزيد عليها مقارنة بقطاعات أخرى.
ورغم كل ما يواجه المرأة السورية من عوائق وصعوبات تمثلت بنزوحها وفقرها وفقدانها فهي لم تتوقف يوماً عن العمل من أجل قضيتها وأظهرت شجاعة كبيرة وصبراً عالياً وتأقلماً سريعاً مع كل الظروف والمتغيرات.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”