سحر حويجة
تجري في عديد من الدول الأوروبية التي تأخذ أنظمة العدالة الوطنية فيها، بموجب الولاية القضائية العالمية، تحقيقات ومحاكمات، طالت متهمين بارتكاب أفعال جرمية، خلال الحرب الدائرة في سوريا، جرائم قتل وتعذيب واختطاف واغتصاب، ضد المدنيين خلال عشر سنوات من الصراع الدامي، ارتكبت خلاله بحق المدنيين، أخطر جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، دون رادع، في خرق فاضح للقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، نتيجة استهداف المناطق المأهولة بالسكان المدنيين العزل، بالأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجرة، والقنص العشوائي فخلفت مئات آلاف القتلى وإبادة جماعية لبعض الفئات من السكان، ودمرت الممتلكات و فرض التهجير القسري، وحصار التجويع على السكان المدنيين، وأعمال الاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون، والقتل تحت التعذيب, والإخفاء القسري. بدورها ارتكبت الجماعات المسلحة غير الحكومية جرائم دولية خطيرة، حيث شنت هجمات عشوائية ومتعمدة على السكان المدنيين، في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وجندت الأطفال، ونفذت عمليات قتل واختطاف واحتجاز رهائن.
كما تورطت الجماعات الإسلامية المتشددة، “جبهة النصرة” و”داعش”، في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، ترقى إلى جرائم حرب، وجرائم ضدّ الإنسانية، حيث ارتكبت عمليات القتل المروّعة خارج نطاق القضاء. وجرائم منظمة ضد النساء شملت الاغتصاب والسبي.
ارتكبت هذه الجرائم أمام مرأى وعجز الدول مجتمعة، ممثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، عن وضع حد لهذه الجرائم، وعن وضع آلية لمحاسبة المجرمين، باستخدام مجلس الأمن لصلاحياته بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة: بجواز تحريك الدعوى وإحالتها الى المحكمة الجنائية الدولية, بحكم الخلاقات والانقسامات السياسية الحادة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الامن.
وبسبب من استحالة تحقيق العدالة في الداخل السوري في ظروف الحرب، واغلب المتهمين في ارتكاب الجرائم يحتمون بالشرعية والسلطة. لهذه الأسباب شكلت الملاحقات بموجب الولاية القضائية العالمية، التي تعتبر في هذه الظروف الوسيلة الوحيدة، لتقليص فرص الإفلات من العقاب والكشف عن طبيعة هذه الجرائم نتيجة التحقيقات والمحاكمات التي تجري.
مصدر الولاية القضائية العالمية:
تفرض المعاهدات الدولية على الدول التي تنضم إليها استخدام الولاية القضائية العالمية “اتفاقية جنيف لسنة 1949″، “الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1973 واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 . تفرض هذه الاتفاقيات على الدول الموقعة عليها، تسليم كل مشتبه به على أراضيها أو التحقيق معه.
من المتعارف عليه أيضاً أن القانون الدولي العرفي، يسمح باستخدام الولاية القضائية العالمية، لملاحقة الجرائم التي تعتبر خطرة جداً من قبل المجتمع الدولي، مثل جرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية، والجرائم ضدّ الإنسانية، والإبادة الجماعية.
ماهي القواعد التي تعتمد عليها الولاية القضائية العالمية لإجراء هذه المحاكمات؟
الولاية القضائية العالمية: تعتبر خروجاً عن القاعدة العامة في ممارسة المحاكم ولايتها، التي تقوم على الصلة بين الجرم والدولة، حيث تستطيع المحاكم في دولة ما، التحقيق في الجرائم التي ترتكب خارج أراضيها في حالة اذا كان المشتبه به أو كانت الضحية مواطناً يتبع جنسية الدولة وفقاً لولاية “الاختصاص الشخصي” أو في حالة اذا ارتكبت الجريمة على أراضي الدولة من شخص أجنبي، تكون لها ولاية قضائية وفقاً “للاختصاص الإقليمي”.
بموجب الوالاية القضائية العالمية، تستطيع المحاكم الوطنية التحقيق والمحاكمة حتى في حال عدم وجود صلة بين الجرم والدولة، حتى لو ارتكبت في الخارج من قبل أجانب ضد أجانب، في عدد محدود من الجرائم الدولية: مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتعذيب والابادة الجماعية والإخفاء القسري، نظراً لخطورة هذه الجرائم على صعيد البشرية جمعاء، وبالتالي الإنسانية معنية بضمان محاسبتها. يعرف هذا المبدأ في القانون الدولي بالولاية القضائية العالمية، نادراً ما يتم استخدامه رغم تاريخ وجوده الطويل.
معظم قوانين الدول التي تطبق الولاية القضائية العالمية تنص على ان يكون المشتبه به، المتهم موجود في إقليم الدولة، مثل السويد ــ هولندا وفرنسا، حيث ينص القانون الفرنسي على ضرورة أن يكون المشتبه به مقيم في فرنسا، حتى تتمكن المحاكم الوطنية من استخدام الولاية القضائية العالمية ضده.
يختلف الأمر بالنسبة إلى المانيا والنرويج، حيث اعتمدتا على ولاية قضائية كاملة في هذه الجرائم حتى لو كان المشتبه به خارج البلاد، ويعود تقدير إجراء التحقيق في هذه القضايا، الى جهاز الادعاء وفق سلطة تقديرية ممنوحة له. غير انه في حال عدم وجود تعاون قضائي بين الدول وفي حالات تعزر السفر، فقد يكون من الصعب على المحققين العثور على أدلة كافية لتوجيه اتهامات.
كيفية التعرف على المشتبه بهم:
إن اللجوء السوري الكبير الى أوروبا، الذي تجاوز مليون لاجيء، والأسباب التي دعت الى اللجوء متعددة: على رأسها التهجير القسري بسبب القتل العشوائي وتدمير المنازل، الاعتقال والاضطهاد السياسي، الانشقاق عن النظام، أو عن القوات المسلحة المعارضة، الهروب من التجنيد إضافة الى دور الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة. من المعروف أن سلطات الهجرة في أوروبا تعتمد على فحص الهجرة وإجراءات اللجوء والتدقيق في طلبات اللجوء، من خلال ذلك قد تصل الى المشتبه بهم، الذين ارتكبوا أعمالاً مروعة، كما تلعب دوراً البلاغات التي يقدمها اللاجئين الضحايا الى الشرطة في حال تعرفهم على مشتبه به موجود في أوروبا، أو البلاغات عن جرائم حرب كشهود عليها تمت في سوريا. هنا يجب الإشارة الى أهمية وصول عدد من المشتبه بكونهم مجرمي حرب إلى أوروبا ضمن طالبي اللجوء؛ وأهمية تحديدهم والتحقيق معهم وملاحقتهم. قد تكون مقاطع الفيديو والصور، مثل تلك التي تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، مفيدة، ولكن تبقى أدلة غير كافية. يجب التأكد من صدقيتها ومن تاريخ ومكان تصويرها.
هذا يعني أن الضحايا والشهود والأدلة المادية، وأحيانا المشتبه بهم، الذين لم يكن المحققون الأوروبيون يستطيعون الوصول إليهم، صاروا متواجدين في الدول الأوروبية التي تتوفر فيها قوانين الولاية القضائية العالمية . ونتيجة لذلك تمكنت هذه البلدان من البدء في تحقيقات في الجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة في سوريا.
صعوبات تواجه سلطات الادعاء
تقع على عاتق المدعين الأوربيين حماية الشهود والضحايا وعائلاتهم، لكن تتسبب اللغة والفوارق الثقافية في خلق صعوبات، كما تتطلب محاكمة الجرائم الدولية الخطيرة فهماً جيدا للقانون الدولي، وتنطوي على تحقيقات صعبة في جرائم كثيراً ما تكون واسعة النطاق ومعقدة ما يجعل التحقيقات طويلة ومكلفةـ
ثغرات:
من المرجح ان كبار القادة العسكريون والامنيون المتهمون بالجرائم لن يسافروا إلى اوروبا، وبعض المسؤوليين يتمتمعون بالحصانة من الملاحقة وبشرط الحضور القانوني، مثل الرئيس والوزراء. لذا فإنه يُرجح أن يبقى تركيز قضايا الولاية القضائية العالمية منصباً على المشتبه بهم من المستويين المنخفض والمتوسط، مع أن أغلب المحاكمات وأشهرها تركز على مبدأ مسؤولية القيادة الذي ينص على محاسبة القادة العسكريين والمدنيين على جرائم ارتكبها مرؤوسوهم دون أن يمنعوا حصولها أو يوقفوها أو يعاقبوهم عليها.
- في المحصلة يمكن القول: أن القضايا المرفوعة في المحاكم الاوروببة بموجب الولاية القضائية العالمية ليست سوى خطوة صغيرة على طريق تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الخطيرة.
نماذج استخدامات الولاية القضائية العالمية:
استخدمت الولاية القضائية العالمية ضد مشتبه بهم من عناصر الجماعات المسلحة المعارضة ومن الجماعات الاسلامية المتشددة مثل داعش، يعود السبب لتوفر معلومات عن تلك العناصر ـ وحالات لها علاقة بالجرائم التي ارتكبها النظام ضد المدنيين حيث تقدم خمسة من الناجين/ات من التعذيب، في أوسلو – النرويج، بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تهماً جنائية تتضمن جرائم ضد الإنسانية، ضد 17 من كبار المسؤولين في الجهاز الأمني. وقعت الجرائم المفصلة في الشكوى في 14 مركز احتجاز في جميع أنحاء سوريا، ونفذها مسؤولون لهم علاقة مباشرة بالمخابرات العسكرية والمخابرات العامة والأمن السياسي والجنائي.
في فرنسا، فُتح تحقيق قضائي ضدّ شركة كوسموس الفرنسية لبيعها معدات مراقبة للحكومة السورية، ربما استُخدمت لتسهيل اعتقال المحتجزين وتعذيبهم.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
.