Search
Close this search box.

زواج درجة ثانية .. مأساة تلد من رحم الحرب

زواج درجة ثانية .. مأساة تلد من رحم الحرب

ريما الحسن

تنعكس ارتدادات النزاعات والحروب على كافة شرائح المجتمع  وعلى المرأة السورية بوجه خاص في ظل الحرب والنزوح، لأن النزاعات الدامية المستمرة منذ عام 2011 حصدت أرواح ما يقارب نصف مليون إنسان، يبلغ عدد الضحايا الذكور 30 ضعفاً لعدد الضحايا النساء، حسب إحصائية المرصد السوري لحقوق الإنسان، في آذار مارس 2019.
ورغم غياب إحصائيات رسمية إلا أن الحرب السورية خلفت عدداً لا يُستهان به من الأرامل الشابات، مما جعل النساء السوريات يدفعن ضريبة باهظة  بسبب فقدان الزوج والشريك والمعيل، من جهة، والضغوط الاجتماعية التي يمارس المجتمع على هذه الفئة من النساء من جهة أخرى  مما جعلهن تحت ضغط القبول بالزواج للمرة الثانية، ولكن بظروف غير منصفة بل ومجحفة.

نساء خضن تجربة الزواج للمرة الثانية
“مجيدة س” (25 سنة)، امرأة سورية، قتل زوجها خلال معارك ريف حماة الشمالي عام 2014، لتلجأ بعدها إلى تركيا وتقيم في دار للأرامل في ولاية هاتاي (جنوباً)، برفقة طفليها اليتيمين. أجبرها أهلها ومحيطها الاجتماعي على الزواج من رجل مسن خليجي، للتخلص من الأعباء المالية والاجتماعية، ولكن زواجها لم يستمر إلا ستة شهور، حيث نكث الزوج الجديد بتعهداته قبول أطفالها وبات يتذرع بصعوبة الحياة والحال هذه، ولأن زواجهما لم يكن قانونياً لدى السلطات في تركيا، واقتصر على “كتاب شيخ”، طلقها وقطع جميع اتصالاته وعاد إلى أسرته في الخليج.

 لم تنجب مجيدة من زواجها الجديد، إلا أن هذه التجربة تركت “آثار نفسية المؤلمة” على حياتها وأطفالها، وعادت إلى دار رعاية الأرامل مرة أخرى ولكن دون أمل جديد بالزواج  و اليأس من هذه الفكرة.
ولا تختلف قصة مجيدة عن قصة مها المحمد/ 26سنة (اسم مستعار)، وهي أرملة شابة من مدينة حلب، توفي زوجها وهي في الثانية والعشرين، وباعتبار أنها لا تزال “صبية وزغيرة”، على حد تعبير محيطها، مارس أهلها ضغوطاً عليها للزواج مرة أخرى بحجة أن الزواج الثاني سيكون طوق النجاة لها ولطفلها اليتيم. 
تزوجت مها من رجل يكبرها بأربعة وعشرين عاماً بحجة أنه مقتدر مالياً بحكم عمله كتاجر بين قطر والسعودية والكويت فهو بالتأكيد من سيحقق لها السعادة والسترة على حسب تعبير والدها.

زواج مها لم يستمر رغم أنها أنجبت طفلة، واكتشفت بعد الزواج أن زوجها الجديد لم يكن مطلقاً كما ادعى فهو متزوج من أكثر من امرأة ويبدو أنه اعتاد على القيام بزيجات متعددة تحت غطاء السترة على الأرامل” بحسب تعبير مها.”
بعد عامين ونصف تطلقت مها ورفض الزوج الاعتراف بطفلته منها، لأن زواجها لم يوثق في تركيا “من دون سابق إنذار تخلى عني وعاد إلى زوجته الأولى، وكان في البدايات يرسل لي بعض المصاريف، والآن كل شيء انتهى، حاولت مرات عدة التواصل مع والد طفلتي لتسجيلها، ولكنني لم أستطع الوصول إليه فقد قام بتغيير أرقام هواتفه كل ما أعرفه عنه أنه في السعودية”
وتشكو مها حظها فهي أرملة فقيرة ولديها أطفال تعيلهم، وتقول: “الموت أرحم لي وللنساء السوريات اللاتي فقدن أزواجهن في الحرب لأننا أصبحنا قضية يتجرأ الجميع على  التدخل بها إلا نحن وهذه كارثة نفسية و يا ليتني مت في ذات اللحظة التي استشهد فيها زوجي”.

التداعيات النفسية للزواج الثاني
في ظل النزاع المستمر والبطالة والفقر المنتشرين وصعوبة أو استحالة إيجاد فرصة عمل تؤمن للمرأة (الأرملة) وأبنائها لقمة العيش الكريم، ربما يُنظر للزواج الثاني كونه الحل المتاح أمام الأرامل .
وترى الخبيرة النفسية والاجتماعية ردينة عمران( خريجة جامعة دمشق عام 2005 قسم علم الاجتماع) إن المشكلة ليست في الزواج الثاني بحد ذاته، فمجتمعنا يتقبله ويجيزه ويرى فيه حلاً، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب، إلا أنه قائم على نظرة خاطئة ومجحفة بحق المرأة، لأنه يعتبر زواج من “الدرجة الثانية”.

وتقول عمران في قناتها على يوتيوب: تم توثيق حالات كثيرة من هذا النوع من الزيجات، تعرضت للطلاق بعد فترة وجيزة، لأن الزواج غير موثق بشكل نظامي، بالإضافة إلى رضا الزوجة الثانية بأشكال مختلفة لهذا الزواج، كالزواج السري أو الغير عادل بين الطرفين أو حتى عدم تأمين مستلزمات البيت أو الأسرة والقبول بعدم الإنجاب بناءً على طلب الرجل.

تصاعد موجة زواج النساء للمرة الثانية.
يشهد المجتمع السوري ارتفاعاً ملحوظاً في “الزواج الثاني”، وهي حالة موجودة سابقاً، لأنها مجازة من قبل القانون والشرع الديني، ولكنها لم تكن واسعة الانتشار كما الحال الآن لدرجة أن الأمر أصبح اعتياداً عند غالبية النساء.
الطلاق بات أسهل
وبالتوازي مع ارتفاع نسبة الزواج الثاني بالنسبة للمرأة السورية، زادت نسبة الطلاق أيضاً، ففي إحصائية نشرتها أحد المواقع المهتمة بالشأن السوري فإن ٧٠٢٨ حالة طلاق تمت في العام 2019 مقابل 5318  في العام 2010، أي بزيادة قدرها 25بالمئة.
 فاطمة الخالد (اسم مستعار)، امرأة سورية من معرة النعمان بريف إدلب، فقدت زوجها في السنوات الأولى للحرب، واضطرت في عام 2013  اللجوء إلى تركيا لحماية حياة أطفالها الثلاثة الأيتام.
فاطمة (35 سنة)، وبسبب الظروف الاقتصادية والضغوط الاجتماعية تزوجت من رجل سوري بالسر، لأنه متزوج ولديه أسرة كبيرة، إلا أن الزواج لم يستمر سوى بضعة شهور وحدث الطلاق بسهولة، لأن الزواج لم يكن محمياً قانونياً.
ولتلافي الآثار السلبية لـ “الزواج الثاني”، رغم شرعيته، تذهب الخبيرة النفسية والاجتماعية ردينة عمران إلى أن البديل هو تمكين النساء وتأهيلهنّ اجتماعياً وعلمياً ومهنياً ليصبحن قادرات على تحمل مسؤولية أنفسهنّ وأبنائهنّ، الأمر الذي يضمن عدم رضاها بزواج لا يضمن كرامتها ولا يحفظ حقوقها بل ستكون قادرة على اختيار الشريك المناسب بالظروف المناسبة وقت تشاء.
ما رأي القانون؟
القانون السوري من القوانين التي تجيز تعدد الزوجات وهناك نص واضح وصريح تورده المادة 37 من قانون الأحوال الشخصية ونصها: “لا يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الأربعة وتنقضي عدتها”
كما تنص المادتان 67 و 68 من قانون الأحوال الشخصية على أنه “ليس للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة في دار واحدة دون رضاها وعند تعدد الزوجات يجب على الزوج التسوية بينهن في المساكن”.
ويرى المحامي السوري حسام سرحان، عضو مجلس إدارة “تجمع المحامين الأحرار”، وخبير في قانون العائلة التركي، من الصعب السيطرة على ظاهرة “الزواج الثاني” أو إحصائها لأنها زيجات شرعية خارج إطار القانون، وكثير من الحالات تكون بالسر.
ويقول سرحان في حديث لموقع “أنا إنسان”: أن الزواج المقتصر على “كتاب الشيخ” ليس له أي قيمة أمام القانون التركي، لذلك نرى ان أغلب هذه الزيجات لا تستمر سوى شهور معدودة وبأحسن الحالات تستمر سنة واحدة، لأن الزوج غير ملزم قانونياً تجاه المرأة.
ويضيف المحامي السوري أن هناك الكثير من النساء يعانين من تثبيت نسب مواليدهن لأبيه.
وبالنسبة لرأيه حول إجازة تعدد الزوجات في القانون السوري يقول سرحان: “أرى قصوراً ونظرة دونية للمرأة في القانون السوري وهناك تطبيق مزاجي للقانون يخدم الفكر الذكوري وينظر للمرأة كتابعة للرجل وذلك نتيجة العادات والتقاليد البالية لدرجة أن هذه العادات أصبحت موروثاً اجتماعياً سائداً.
وحول القيود التي وضعها قانون الأحوال الشخصية السوري بمواجهة التعدد، هي قيود شكلية لم يؤكد على كيفية تطبيقها وكان من الأجدر للمشرع السوري أن يكون هناك أكثر مراقبة لحقوق المرأة، بحسب رأي المحامي حسام سرحان.
هكذا كان رأي القانون، وتبقى للسيدات أراء أخرى قد تنقسم أو تتفق لكنها بجميع الحالات تحتاج لأن يتم لحظها بشكل أوسع في القوانين والتشريعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »