هبة العلي
واقع اقتصادي سيئ وأوضاع متردية فقر منتشر ودخل متدني، هذا واقع المجتمع السوري مما دفع بجميع الفئات لاتخاذ عدة اجرآ ت لمواجهة هذا الحال وأهمها العمل الإضافي الذي أصبح الشغل الشاغل للجميع سواء نساء و رجال دون أن يستثني طلاب الجامعات بالتأكيد.
دينا طالبة الهندسة الطبية فتاة جميلة تمتاز بقامتها الممشوقة وجسمها النحيل ذات بشرة سمراء ناعمة تكاد ترى البراءة من نعومة صوتها تتكلم عن واقعها كطالبة جامعية عاملة تقول: “وضعت أمام خيارين إما العمل ومواصلة الدراسة أو الجلوس في البيت والانقطاع عن الدراسة، وهما خياران أحلاهما مر” كما تقول، وتتابع : “بحثت عن عمل مطولاً و لم أحظَ بتلك الفرصة التي يتحدث عنها الجميع ولكنني وجدت عملاً يستطيع أن يؤمن مصاريف الدراسة ومستلزماتها الكثيرة ويؤمن مصاريفي الشخصية، وهذه أهم ميزات العمل بالنسبة لي رغم كونه عملاً شاقاً يتطلب جهداً عضلياً وجسدياً ولا يتناسب مع كوني فتاة، فأنا أعمل حمّالة حقائب في فندق ليس بالمشهور لكنه معروف لنزلائه من أبناء محافظات القطر كافة” وتشرح الطالبة الجامعية أكثر عن طبيعة عملها فتقول: “يبدأ عملي عند الساعة الثانية ظهراً بارتداء الزي الموحد لعمال الفندق ويكون دوري مرافقة النزلاء إلى غرفهم وحمل حقائبهم وتأمين متطلباتهم من خارج الفندق وتأمين المواصلات لهم, يتعدى ذلك أحيانا للعمل بخدمة الغرف كتنظيفها أو تقديم الوجبات”.
تقر دينا بأن عملها محلَ استهجان الجميع واستغرابهم تقول ” أتعرض أحياناً للانتقاد أو التَنمر خاصة إذا ثَقُل علي حمل الحقائب واستعنت بأحد الزملاء فيتوجب علي تلقي الكثير من كلمات السخرية التي عادة ما أقابلها بالصمت ازاء ذلك لأحافظ على عملي”.
وعن تقييمها الشخصي لعملها تقول “وجدت هذا العمل مناسب جدا لجهة تأميني ما أحتاجه من مصاريف الدراسة وتبعياتها وخاصة أنها كثيرة في مجال دراستي ولا سميا المواصلات التي تزيد عن أربعين ألف ليرة شهرياً كما يؤمن لي مصروفي الشخصي، كما لعملي ميزة خاصة بالتوقيت إذ يتيح لي حضور جلسات العملي ومتابعة المحاضرات النظرية في معظم الأحيان لكونه يبدأ بعد الظهر وينتهي عند الثامنة مساء، لأبدأ بعدها فترة دراسية ثانية في المنزل و أنهي ما يتوجب علي دراسته بالرغم من عودتي منهكة القوى ولكن لا أستطيع الإفصاح عن عملي أمام الجميع لأكتفي أحيانا أمام البعض بقول أعمل محاسبة بفندق” وتختم دينا بالقول “سأبقى أدافع عن أحلامي وطموحاتي وأسعى من أجلها بكل ما أوتيت من قوة ودوري مستقبلاً سيكون أكبر من الصعوبات التي أواجهها وأكون أقوى من اليوم”.
أما ليلى فتاة في العشرين من عمرها معتدلة القامة تميزها جرأة استمدتها من طبيعة الحياة القاسية التي تعيشها مع والدتها وأخوتها, هي طالبة في كلية الكيمياء تتحدث عن تجربتها كطالبة تعمل خارج وقت الدوام، تقول: “لم أقبل أن أكون عبئاً إضافيا على أمي وأتسبب بالتضييق على إخوتي في مصاريفهم فاخترت العمل، استعنت بصديقاتي بالبحث عن عمل يناسبني ويوفر لي دخلاً شبه ثابت فكانت الفكرة بأن أعمل كمندوبة مبيعات لإحدى شركات مستحضرات التجميل، اتفقت مع الشركة على كيفية العمل وعلى نسبة الربح الذي سأجنيه، وتعلمت كيفية التسويق لمنتجاتي من خلال عدة دروس في التسويق وقد تم تحديد القطاع المخصص للبيع وكان قريباً من مكان سكني، فكنت أحمل حقيبتي بعد المحاضرات العملية وأذهب لعملي حيث يبدأ منذ دخولي الحي فابدأ بدخول الأبنية واحداً تلو الآخر وأطرق أبواب الشقق شقة تلو الأخرى لعلي أخفف من حمل حقائبي المملوءة. وكانت تختلف ردة الفعل من باب لآخر فالبعض يعتذر بلباقة والآخر ينظر نظرة لا تفسير لمعناها وكأنها استهزاء وسخرية ويغلق الباب دون كلمة والبعض يجد طلبه في حقائبي فأزوده بما يريد”
تضيف ليلى : “كثيرا ما كنت أتعرض للسخرية والتنمر وسماع الكلمات البذيئة فكانت هذه الكلمات تزعجني وتبكيني في كثير من الأوقات إلا أنها لا تثني من عزيمتي فأتابع عملي ومسيرتي بالترويج لبضائعي لعلي أؤمن حاجتي من مخصصات هذا الشهر، أو ذاك كونه يختلف مردود هذا العمل من شهر لآخر ومن موسم لآخر حيث يزداد في فترة الأعياد كعيد المعلم او عيد الام وحتى في مواسم الصيف والشتاء حيث يزداد طلب النساء على المستحضرات تبعاً لطبيعة كل فصل”
تتحدث عن مهاراتها فتقول “تعلمت كيف أتعامل مع الجميع فكنت لبقة في حديثي قادرة على إقناع الآخرين بما أحمل وأعرف كيف أروج لبضاعتي بطريقة لطيفة يحبها زبائني الذين اعتادوا علي واعتدت عليهم, لم أعد عبئاً على عائلتي بل أصبحت مضرب مثل بالتفاني بالعمل والدراسة بعد ان قوبلت برفضهم لعملي والاستخفاف بأفكاري “.
اليوم أنا على مقربة من تحقيق أحلامي بعصاميتي, بعملي, بقوة إرادتي استطيع توفير كافة احتياجاتي بنفسي فأنا اليوم منتجة غير اتكالية أحب عملي لأنه ساعدني وساندني بمواصلة أحلامي بإتمام دراستي الجامعية فهل نحرم نحن الفقراء وذوي الدخل المحدود من الجامعة ?! لتبقى حكراً على الأغنياء والمقتدرين. سأثبت حضوري أينما كنت وسأثبت نفسي كفتاة مناضلة استطاعت تجاوز كل التحديات والصعاب”.
ورغم قبول الطالبات بالعمل الإضافي الذي يقمن به لتأمين دخل الدراسة الجامعية ومستلزماتها لكن يبقى لهذا العمل الاضافي أثراً سلبياً يعود عليهن في النهاية من توتر و إجهاد نفسي و تعب جسدي يرافقه ارهاق و تعب مما يشعرهن بالحاجة اللازمة لأوقات الفراغ لنيل الراحة اللازمة لهن كي يتابعن مسيرة التعليم العالي الصعبة أكثر من أي وقت مضى.