ترجمة وتحرير: إبتسام رعد
“في كتابها الذي يحمل عنوان “19 امرأة” تحاول الكاتبة السورية المنفية في فرنسا، إيصال صوتها لمواطنيها الذين عاشوا وما زالوا يعايشون ظروف الثورة والحرب”.
مدفوعة بالبحث عن الحقيقة تقول سمر يزبك: “قبل أن نغرق جميعًا في فقدان الذاكرة الجماعي، ونفقد كل ذكرياتنا، علينا أن نسرع في محاولة الاحتفاظ بكل الذكريات والأرقام” وتتابع: “لا يمكننا الاحتفاظ بأرقام الصراع فقط! ومع ذلك، فهي موجودة بلا هوادة وبوحشية، وهو رقم قياسي آخر لصراع لا نهاية له” وتسرد الكاتبة السورية الأرقام مضيفة:
“حسب احصائية نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم السبت الرابع من كانون الثاني/يناير لهذا العام فإن أكثر من 380.000 قتيل لقوا حتفهم في غضون السنوات التسع الماضية، من بينهم أكثر من 115 ألف مدني، منهم 22 ألف طفل و 13,612 امرأة”.
الصحافية والروائية السورية سمر يزبك لا تنسى من يختبئ وراء هذه تقارير الموت هذه.
و الجيد في كل هذا أن حالة الطوارئ الوحشية التي عايشتها، كانت بوصلتها إلى منفاها في باريس عام2011، حيث ستكرس حياتها بعد ذلك لنوع من العمل الرائع، وهو مشروع عملاق تم التخطيط له، لإنجاز العديد من الكتب، لتسجيل ذاكرة الصراع السوري؛ تشرح قائلة: “هذا الكتاب هو طريقي في المقاومة، أعتقد أن لدى الكتّاب والمثقفين ثمة واجبٌ أخلاقي تجاه الضحايا، وهو الكفاح ضد النسيان”.
ولهذا قابلت الروائية والموثقة السورية سمر يزبك خمسةً وخمسين امرأة على مدار ثلاث سنوات لتسجيل شهاداتهن.
كُنَ مواطنات سوريات تتراوح أعمارهن من ٢٠ إلى ٧٧ عاماً، من (دمشق، الغوطة، إدلب وريفها، حلب، منطقة الساحل، حمص، حماه، القنيطرة، الرقة ودير الزور).
هؤلاء السوريات من الطبقة المتوسطة وغالبيتهن خريجات جامعيات، وكانوا بعيدات كل البعد عن الصور النمطية للضحية والمرأة السلبية، اخترن جميعاً رغم الخطر على حياتهن، المشاركة في الانتفاضة والحلم بسوريا الحرة وديمقراطية، ليس فقط للنساء ولكن لجميع السوريين.
تقول سارة، وهي مترجمة شابة تبلغ من العمر 21 سنة، نزحت عندما اندلعت الثورة: “لقد نهضنا نطلب الحياة، وها نحن نحصد الموت”.
أن تكون امتداداً للجلاد
“كنّ امتداداً للجلاد” تضيف سمر” لقد رأينا أنفسنا كمقاتلات لنظام ديكتاتوري وحلفاؤه من المتطرفين دينياً، لكن الحرب وعواقبها الضارة على علاقاتنا الإنسانية سجنتنا في ازدواجية حادة، فإما أن نكون امتدادًا للعنف وتداعياته أي داعش والجماعات الجهادية أو أن يتم اختزالنا إلى مجرد أجساد ممزقة ومجموعات من البشر المكسورين والناجين من المجازر ولكن محاصرين في مرارة البقاء والعيش، تلتصق هذه الصورة الأخيرة ببشرتنا كما الوشم وتبقى متأصلةً في هويتنا التي تتحول إلى نوع من الإذلال في المنفى”.
تتابع سمر: “النساء اللاتي أدلين بشهاداتهن أصبحن ممرضات، ومساعدات أطباء، وصحفيات أو حتى معلمات، ويتولين مسؤولية المساعدات الغذائية وصناعة رغيف الخبر عندما تدمر الأفران ويحيط سبح المجاعة بالناس، أيضاً يقمن بانتشال الجثث بعد القصف، وفي بعض الأحيان خياطة الممزق منها قبل تقديمها للعائلات، في أعماق الحرب، يفكرون أولاً في التغذية والمساعدة والتعليم.”
في بداية النزاع، تم ابتزاز هؤلاء النساء من قبل المقاتلين المسلحين مطالبيهم بارتداء الحجاب وعدم الخروج مع أي رجل؛ إلى أن وصل تنظيم داعش الإرهابي أصبحن يتعرضن للجلد والسجن والتعذيب والاغتصاب.
منذ رحيلها عن سوريا ووصولها إلى باريس، لم تتوقف سمر أبداً عن الإدلاء بشهادتها، بل ربما أصبحت مهووسة بذلك حقاً، يمكن قراءتها في كتاب Crossfire/ Buchet-Chastel 2012) ) وكانت قد احتفظت من قبل بمفكرة يومية للأشهر الثلاثة الأولى من الانتفاضة التي شاركت فيها في دمشق عام 2011.
كان ذلك قبل أن يتم القبض عليها واستجوابها من قبل المخابرات، وتكتشف بنفسها أعمال التعذيب التي كانت تمارس في سجون بلادها، في Les Portes du néant (أبواب العدم/ 2016) تحدثت فيه عما أسمته توغلاتها السرية الثلاثة في شرح وتوثيق مشاركتها بين عامي2012 و 2013 في ” سوريا الآن في حالة حرب”
الروائية البالغة من العمر 49 عامًا، تنشر أيضاً روايات ذات صلة، وتصرح بالعمل على كتاب جديد مخصص هذه المرة للسوريين من الفئات الأكثر ضعفًا، تؤلف كتاباً آخراً يتعلق بمصير النساء في مخيمات اللجوء.
إن اختيار تسعة عشر امرأة لهذه الشهادة الأساسية والساحقة هي الطريقة المتواضعة لصياغة صوتك الخاص.. والتي من الواضح أنها حاولت أن تقول بطريقة أو بأخرى أن المرأة العشرين التي يتضمنها الكتاب لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
المصدر:https://www.lepoint.fr/culture/samar-yazbek-le-soldat-de-la-memoire-syrienne-05-01-2020-2356192_3.php
الكاتبة الأصلية فيكتوريا جيرين/ نشر بتاريخ 05/01/2020 عن موقع le point