Search
Close this search box.

سوريا، تعددت الجهات والاعتقال واحد

سوريا، تعددت الجهات والاعتقال واحد

 أولاً: سوريا في عهد الأسد.. حكم الأب والابن

  • تثبيت مقاليد الحكم وتحويل البلد إلى ملكية عائلية

منذ لحظة استلامه السلطة في سوريا، عمل حافظ الأسد جاهداً لتبيت مقاليد حكمه والذي دام 30 عاماً وتوريث السلطة من بعده لأحد أبنائه، فمع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا إلى السلطة في 8 آذار 1963 ضمن ما سمي حركة الثامن من آذار، فإن ذلك شكل عملياً الأرضية لتطبيق مفهوم “الشرعية الثورية” الاستخفاف المطلق بمفهوم  الشرعية الدستورية لدرجة أن حزب البعث ومنذ استلامه السلطة عام 1963 وحتى عام 1971 بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة لم يجرِ أي انتخابات  محلية كانت أم تشريعية أم رئاسية، حتى في مظهرها الشكلي، غير أن حافظ الأسد حرص لاحقاً على إقامة انتخابات وهمية في مواعيد دقيقة، وذلك بهدف إعطاء صورة الديكور الخارجي بأن هناك عملية ديمقراطية سياسية تجري داخل هرم السلطة الأوتوقراطي الموجود ([1])، حيث امتلك النظام السوري قدرة تدريجية على مصادرة الحيز العام، ومساحات التعبير والانتظام السياسي، من خلال الاستيعاب والاقصاء وفق ما اعتبره ميشال فوكو في وصف التسلط بأنه (فعل على فعل)، بحيث تسلط في الدرجة الأولى من خلال قانون الطوارئ الذي أعلن بعد انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي، كما فرض غيره من القوانين التأسيسية للحكم البعثي. ([2])

من ناحية أخرى اتكأ حافظ الأسد خلال حكمه وبشكل رئيسي على رفاق دربه في النضال العسكري، ولذلك تحدد تطور إطار الدولة في عاملين رئيسين هما: عامل الولاء وهو المحدد الحاسم، والخلفية العسكرية التي شكلت الجزء غير الظاهر في نمط الدولة المدنية التي حاول الأسد بناءها. ([3])

خطط حافظ الأسد على احتلال المدن وتملكها ومن أجل ذلك شجع الهجرة من الريف إلى المدنية ثم نسج علاقات مع تجارها ورجال الأعمال فيها، إلى أن أمنوا له الولاء وابتعدوا عن المجال السياسي. ولكن عندما وقعت أحداث حماه عام 1982 غير حافظ الأسد من سياسته في الاحتلال وانتقل إلى خيار التدمير، وأعطى حريق حماه وغيره من الحرائق المفتعلة في البلاد وما رافقها من حملات اعتقال وتشريد طالت عشرات الآلاف من السوريين هالة لجيش النظام وأجهزته الأمنية وعنفها الضارب الذي لا يعفي أحد منها. ([4])

  • الدستور والمادة الثامنة:

أبقى حافظ الأسد حزب البعث أداة علنية لحكم سوريا، وقد وضع مادة في الدستور تعتبر أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع عام 1973، وتحول بموجب هذه المادة  إلى حزب أكثر رسوخاً في السلطة, وانغمس في السلطة ومفاتنها، وتغلغل في مفاصل الدولة وتحكم بسياساتها وأشخاصها وهياكلها ومؤسساتها العامة, وتدريجيا بدأ يتحول من حزب قومي يتطلع إلى التحرر والوحدة العربية والاشتراكية وفق شعاره المعروف (الوحدة والحرية والاشتراكية) إلى حزب مسيطر على الدولة, يقوم بتأطير الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية بالتعاون مع الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها، والتي تحولت مع الزمن إلى نظام سياسي قائم على آليات محددة يقود الحزب من خلالها الدولة بدلا من تكون الأخيرة مؤسسة حضارية أكبر من أي حزب سياسي بغض النظر عن أيديولوجيته ومشروعه السياسي([5]).

كما عمد حافظ الأسد على بناء هيكل هرمي يكون قاعدته رئيس الدولة الذي أعاد هيكلة مؤسسات الدستورية والتشريعية والقانونية بشكل لا يتيح لها الحركة خارج الاطار المرسوم لها مسبقا، ثم تأطير المجتمع المدني عبر النقابات والمنظمات والاتحادات والجمعيات غير الحكومية في خندقها، ويكون لها دور محوري في ضبط الحركة النقابية والمطلبية الشعبية، حيث حاول الأسد توسيع قاعدة المساندة السياسية والشعبية لنظامه القائم، وبنفس الوقت إضفاء الصفة الشرعية عليه عبر إكسائه صفة المؤسسات المدنية. ولكنه قام وبالتوازي مع ذلك في بناء هياكل مؤسسية هدفها ترسيخ النظام وتمتلك السلطة الفعلية خلف واجهة المؤسسات المدنية وبنفس الوقت أيضا كان لا بد من إعادة بناء المنظمات الشعبية مثل اتحاد العمال والفلاحيين والنقابات وغيرها بشكل تضمن الولاء الكامل وذلك عبر توسيع الإدارة الحكومية والجيش والأجهزة الأمنية مترافقا مع تزايد القدرة المالية جراء المعونات العربية الهائلة التي قدمت إلى سوريا بعد حرب 1973 والعائدات الهائلة للنفط الذي اكتشف لاحقا. ([6])

هذا النموذج من الدولة القائم على الحزب القائد الذي يختصره بمجلس قيادة الثورة وهي بدورها تختزل في قائد الثورة، ظل قائماً منذ 8 آذار 1963 وحتى الوقت الحالي مع اختلافات شكلية، جوهرية ولكنها لا تمس بنية أو عصب السلطة الأوتوقراطية القائم على استفراد الحزب بالسلطة. ([7])

  • وعود وهمية في الإصلاح وانتفاضة شعبية

في حزيران عام 2000 توفي حافظ الأسد وفي نفس اليوم تم تعديل الدستور السوري بإقرار من البرلمان لتسليم بشار الأسد مقاليد الحكم، وذلك من خلال تصويت سريع، عدلت المادة 83 من الدستور لتغيير الحد الأدنى لسن الرئيس من أربعين سنة إلى 34 سنة، وهي سن بشار حينها، وبذلك تمكن من تقلد منصب رئاسة البلاد، وانتخب في الأول من تموز 2000 رئيساً للجمهورية لمدة سبع سنوات، وفي عام 2007 جددت رئاسته للبلاد لولاية جديدة تمتد سبع سنين أخرى. ([8])

شهدت سنوات حكم بشار الأسد الأولى وجوداً وجيزاً للمجتمع المدني جعلت السوريين يتفاءلون به كرئيس إصلاحي، حيث بدأ ولايته الرئاسية الأولى بخطوات ورسائل سياسية أكبرَها بعضُ المتتبعين حتى أطلق على تلك الفترة “ربيع دمشق”، لما كان يأمله فيها الكثيرون من تغيير وإصلاح، غير أنها لم تدم وما لبثت سياساته أن خضعت للمأثور والموروث، وصار لعهده كما كان لعهد أبيه معتقلون سياسيون وانتهاكات حقوقية، ومعارضون كثر، حيث أوحي خطابه بإمكان الوصول إلى مستقبل أفضل وفترة قصيرة من الوعود بإصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية. لكن بعد مرور سنة واحدة فقط، تخطى الربيع الدمشقي الهش فصل الصيف مباشرة إلى برد الخريف، حيث اعتقل أنصار الإصلاح من أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) وغيرهم من النشطاء، وبالتالي تحطمت الآمال في طي صفحة ماضي الاستبداد تحت حكم حافظ الأسد.

وجد بشار أسلوبه المفضل منقولاً مباشرة من دليل تكتيكات أبيه، إذ اتسمت السنوات العشر الأولى من حكمه بالقمع الشديد وانتهاكات حقوق الإنسان والرقابة الصارمة، حتى أن منظمة «هيومان رايتس ووتش» انتقدت بشدة هذه السنوات العشر بوصفها بـ «العقد الضائع». ([9])

في 12 آذار 2004 اندلعت في المناطق الكردية انتفاضة كردية سلمية انطلقت شرارتها من مدينة قامشلي ثم امتدت لتشمل جميع المناطق الكردية من منطقة ديرك على نهر دجلة شرقاً حتى منطقة عفرين المتاخمة للواء اسكندرونة غرباً بالإضافة إلى مناطق التواجد الكردي في مدن دمشق وحلب وجامعتيهما، وشهدت هذه الانتفاضة لأول مرة تحطيم تماثيل الأسد وإطلاق شعارات ثورية تجاوزت سقف الحركة الإصلاحية التي عرفت بها المعارضة السورية.

وفي منتصف مارس/ آذار 2011، انطلقت شرارة احتجاجات بدأت من محافظة درعا جنوب البلاد مطالبة الأسد بالإصلاح، وتحولت فيما بعدُ إلى ثورة شعبية تنادي بإسقاطه ونظامه، في حين واجهها الجيش وقوى الأمن السوريان بالعنف والقتل والاعتقال والتشريد، حيث أصبح الضحايا بعد أكثر من 17 شهرا يعدّون بعشرات الآلاف بين قتيل وجريح. بعد ذلك قام الأسد ببعض الإصلاحات الشكلية في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي لكنه لم يفلح في ذلك، وتحول الصراع إلى قتال في عدة مدن بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر الذي أسسه العسكريون المنشقون عن جيش النظام. ([10])

طيلة 40 عاماً في ظلّ حكم حزب البعث، أزال حافظ الأسد وابنه بشار الحدود بين النظام (وهو كناية عن توليفة من شبكات عائلية غير رسمية، وفئوية، ودينية وشبكات أخرى، عاملة جميعها داخل الإطار المؤسسي للدولة وخارجه)، وبين الدولة السورية (وهي الجهاز الذي يُدير البلاد ويوفّر الخدمات).

عمد النظام إلى تكثيف جهوده لدمج نفسه أكثر في مؤسسات الدولة هذه حين بدأت الانتفاضة في أوائل 2011، بعد أن أحسّ أن وجوده بات في خطر. وهكذا ربط بشار الأسد في خطبه وبياناته بين مصير النظام والبلاد ككلّ، وكرّر على نحو منتظم أن رحيله عن السلطة سيقود إلى انهيار سوريا. أما استمراريته عبر النزاع فستسمح للدولة ومؤسساتها بالنجاة والبقاء، على الرغم من خسارة النظام الأراضي لصالح المعارضة. وكما قال الأسد في مقابلة مع “بي. بي. سي” في شباط: “الأمر لا يتعلّق ببقائي، بل ببقاء سورية”. ([11])

  • ظاهرة الشبيحة في سوريا:

الشبيحة هم مجموعات من المقاتلين غير الشرعيين الذين يوالون شخصاً نافذاً في السلطة السورية، يطلب منهم عادة ممارسة ضغوطاً وممارسات عنيفة بحق الأفراد أو المجموعات المجتمعية لتحقيق ابتزاز أو تنازل منها.

الشبيحة التقليديون في سوريا كانوا مجموعات صغيرة نسبياً وتتألف كل مجموعة من بضع عشرات من العناصر، تعمل كل منها لمصلحة شخص له صلة عضوية “قرابة” بعائلة الأسد الحاكمة في سوريا، كان يحدث ذلك بالضبط في مدينة اللاذقية مسقط رأس حافظ الأسد ومهد نشوء هذه الظاهرة. أما بقية المناطق السورية فإن الصلة الوثيقة بمركز السلطة ولاسيما المركب الأمني فيها، هي ما كانت تعطي الشخص إمكانية إنشاء مجموعة شبيحة خاصة به.

هذه المجموعات التي تتألف غالباً من عناصر ضعيفة التأهيل الثقافي، تبث الرعب في المجتمع لسببين: أولهما أنها خارجة عن أي ضابط قانوني أو أخلاقي ولا تحكمها سوى مصالح “المعلم” ومزاجيته، والثاني: هو أنها مطلقة الصلاحية ولا تخضع لمحاسبة ولا توجد مؤسسة في الدولة يمكن أن تحمي المواطن منها، وفي أساس سلوك هذه المجموعات نظرتهم إلى البلد على أنه ملكية خاصة لمعلهم، الشيء الذي يحيل أهل البلد في نظرهم إلى مملوكين لا أكثر.

وفي دراسة ظاهرة الشبيحة في سوريا لا بد من ملاحظة الفارق بين ما قبل آذار 2011 وما بعده، أي بين نوعية وشكل نشاط وتنظيم جماعات عنفية تشعر بالاطمئنان والاستقرار وتعمل “على المرتاح” ونوعية وشكل نشاط هذه الجماعات حيث شعرت بأن ثمة خطر يتهدد البنية السياسية والأمنية الحاضنة لنشاطاتها، قبل الثورة كانت تنظر هذه الجماعات إلى الشعب السوري كمصدر للثروة وسوق للتهريب والابتزاز والسلبطة، وبعد هذا التاريخ باتت تنظر إلى الشعب السوري كمصدر للخطر كقوة يمكن أن تضرب “سوقهم” والأهم من هذا أن تحاسبهم على ما فات.

غير أن الحال تغير مع اندلاع الثورة السورية واستشعار الخطر على النظام بمجمله، فقد كان واضحاً أن النظام السوري كان فيما يبدو قد احتاط لما يمكن أن يجري في سوريا، على وقع ثورات الربيع العربي التي جرت في تونس ومصر وليبيا، فقبل أن تعيد جماعات الشبيحة تنظيم نفسها وفق المعطيات الخطيرة الجديدة، التي فرضتها الثورة السورية، كان في حوزة النظام ورقة مخفية استخدمها في بداية اندلاع الاحتجاجات.

هي ورقة العناصر غير الرسمية والتي تتحرك بأوامر أمنية هادفة من شخصيات من النواة الصلبة للنظام، دون أن يكون لها بالضرورة موقعاً رسمياً في الدولة، وقد تجلى دور هذه العناصر في ممارسة عمليات إطلاق نار، وقتل مجهولة المصدر خلال المظاهرات، طالت رجال أمن ومتظاهرين في البداية، وهي عمليات أجدت نفعا للنظام لأنها خلقت بلبلة وتشويشاً كبيرين في الاحتجاجات.

ومع تقدم زمن الثورة وتحولها أكثر باتجاه التسليح، زاد الشبيحة من عنفهم فقاموا بأعمال ردعية أو انتقامية راح ضحيتها الكثير من الأبرياء المدنيين ومن ضمنهم نسبة غير قليلة من الأطفال، كما تضمنت أعمال نهب وحرق في الأحياء والقرى التي تحتضن مقاتلي المعارضة، ومن أبرز هذه الأحداث ما جرى في مناطق الحولة وبانياس وجديدة الفضل كأمثلة فقط. ([12])

  • ضحايا التعذيب ليسوا مجرد أرقام

تمتلك الشبكة السورية لحقوق الإنسان قوائم أكثر من 110 آلاف شخص مازالوا محتجزين لدى النظام السوري ولكن التقديرات تشير إلى وجود ضعف هذا الرقم إلى الحد الأدنى، بسبب الصعوبة الشديدة جداً في الوصول إلى معلومات عن جميع المحتجزين، ولهذا فإن تقديرات الشبكة تشير إلى وجود ما لا يقل عن 215 ألف شخص محتجز حتى اللحظة لدى النظام السوري.

الكارثة الكبرى أن أغلب هؤلاء لا توجد معلومات عن أماكن وجودهم بحسب روايات عشرات الأسر للشبكة السورية لحقوق الإنسان، تنكر السلطات السورية مراراً وتكراراً أنها تحتجزهم، بل غالباً ما تخبر الأهالي بأن أولادهم معتقلين من قبل تنظيم القاعدة على سبيل الاستهزاء بهم وزيادة معاناتهم.

لقد انتهجت السلطات السورية سياسية الإخفاء القسري بشكل واسع واستخدمتها كسلاح لإرهاب الحراك الشعبي عبر إخفاء عشرات الآلاف من السوريين، وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان قيام النظام السوري بإخفاء ما لا يقل عن 85 ألف شخص ([13])

من جهتها نشرت منظمة العفو الدولية تقريرها لعام 2014 و2015 والذي سلط الضوء على واقع الاعتقال والاحتجاز القسري في سوريا، حيث أشار التقرير إلى قيام الأمن السوري بإلقاء القبض على الآلاف أو ظلت تعتقلهم على نحو تعسفي ومن بينهم نشطاء سلميون ومدافعون عن حقوق الإنسان، وعدد من الإعلاميين والعاملين في المنظمات الإغاثية والأطفال وأخضعت البعض منهم للاختفاء القسري بينما احتجزت آخرين لمدة مطولة أو قدمتهم لمحاكات جائرة. وقامت قوات الأمن على نحو منهجي بتعذيب المعتقلين أو إساءة معاملتهم بطرق أخرى دون أن يطالها العقاب، فتوفي آلاف المدنيين جراء التعذيب أو الظروف القاسية التي تعرضوا لها، بينما قامت قوات المعارضة بقتل الأسرى والمشتبه بهم دون أي محاكمات لهم.

وظل التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة يطال المعتقلين الذين تحتجزهم أجهزة الأمن السياسي والاستخبارات العسكرية واستخبارات القوى الجوية وغيرها من أفرع الأجهزة الأمنية والاستخبارات العسكرية، وذلك بصورة منهجية وعلى نطاق واسع. وأن التعذيب أسفر عن ارتفاع معدلات الوفاة بين المعتقلين.

ففي كانون الثاني قامت مجموعة من خبراء الطب الشرعي والمحققين السابقين في جرائم الحرب الدولية بفحص صور فوتوغرافية التقطت لآلاف من جثث السجناء في المستشفيات العسكرية، ورأت أن النظام السوري منخرط في تعذيب المعتقلين، وقتلهم على نحو غير مشروع. كما أفادت الأنباء أن الكثيرين من المعتقلين لقوا حتفهم جراء الظروف القاسية داخل مختلف المنشآت الاعتقال مثل الفرع 235 التابع للاستخبارات العسكرية والمعروف باسم “فرع فلسطين” وأفاد أحد المعتقلين بعد الإفراج عنه أن كثير من المعتقلين في فرع 235 مصابون بالجرب أو بأمراض جلدية وهضمية أخرى بسبب الاكتظاظ الشديد، وعدم كفاية مرافق الصرف الصحي، ونقص التغذية، ومياه الشرب النظيفة والرعاية الطبية. وفي كثير من الأحيان لم يتم إخطار أسر المعتقلين رسميا بوفاتهم. وفي بعض الحالات الأخرى أبلغت بعض الأسر أن المعتقلين من أبنائها توفوا بالسكتة القلبية دون السماح لها بمشاهدة الجثث التي لم تسلم إليها لدفنها. ([14])

  • المعتقلات في سجون النظام عرضة لمهب الريح

بحسب سجلات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن ما لا يقل عن 7029 أنثى مازالت قيد الاحتجاز حتى الآن بينهن 6711 أنثى بالغة و 318 أنثى طفلة. كما أن من بين المعتقلات ما لا يقل عن 1115 حالة في عداد المختفيات قسريا.

تقوم قوات النظام السوري باعتقال النساء تعسفا بمداهمة منازلهن أو عند مرورهن على الحواجز العسكرية لها، وغالبا لا يكون هناك أسباب واضحة لعملية الاعتقال، وفي بعض الأحيان تعتقل النساء بسبب وجود قرابة بينهن وبين المسلحين في فصائل المعارضة المسلحة أو النشطاء أو لمجرد انتمائهن لمناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري.

لا تختلف معاملة النظام السوري للمعتقلات ضمن مراكز الاحتجاز عن معاملتها للمعتقلين، فخلال التحقيق تقوم عناصر النظام السوري بممارسة صنوف من الإهانة والضرب والتعذيب الممنهج، وفي بعض الحالات العنف الجنسي، وكثيرا ما يكون التعذيب ليس لانتزاع الاعتراف منها بل لنشر الخوف والرعب بين المعتقلات، أو من أجل الانتقام ولاسيما في حال كانت على قرابة بأحد معارضي النظام وبشكل خاص المسلحين.

كما سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قيام النظام السوري في سبع حوادث بإخفاء قسري للمحتجزات داخل السجون المدينة حيث يقوم النظام السوري باقتيادهن إلى جهات مجهولة كي يخضعن للمحاكمة الميدانية.

توزعت الحالات السبع على النحو التالي 3 حالات إخفاء قسري من سجن عدرا المركزي بدمشق و 4 حالات إخفاء قسري من سجن حمص المركزي.

مورست عمليات العنف الجنسي داخل مراكز الاحتجاز بحق بعض المحتجزات بشكل خاص من لهن صلات قرابة مع عناصر من مسلحي فصائل المعارضة، حيث وثقت الشبكة ارتكاب النظام السوري ما لا يقل عن 7672 حادثة عنف جنسي يتوزعون إلى 7244 أنثى بالغة و 428 أنثى طفلة بين الحالات قرابة 850 حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز.

كما وثقت الشبكة عدة حالات اغتصاب قامت بها بشكل رئيس ميلشيات موالية للنظام السوري ويتم ذلك غالبا في مراكز الاحتجاز غير النظامية وغالبا ما تنتهي جريمة الاغتصاب بقتل الضحية إما من قبل الميلشيات وفي بعض الحالات من قبل الأهل ([15]).

ثانياً: تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، التأسيس والمنشأ والخلاف مع القاعدة

1– التأسيس والمنشأ:

يعود تنظيم الدولة الإسلامية الملقب بـ”داعش” بمنشئه إلى العراق، حيث نشأ هناك تحت اسم “جماعة التوحيد والجهاد” ليصبح فيما بعد تنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين” بقيادة أبي مصعب الزرقاوي عام 2004.

بعد مقتل “الزرقاوي” عام 2006 على يد القوات الأمريكية، تمَّ تنصيبُ أبي حمزة المهاجر لقيادة التنظيم، والذي أصبح اسمه تنظيم “دولة العراق الإسلامية”؛ حيث تم تنصيب أبو عمر البغدادي زعيماً له، والذي قتل على يد القوات الأمريكية مع نائبه أبا حمزة عام 2010، ليتمَّ تنصيب أبي بكر البغدادي فيما بعد في زعامة التنظيم الذي سيصبح تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ([16]).

ظهر تنظيم ”داعش” في سوريا بتاريخ نيسان  2013، وكان نتيجةً لإعلان التنظيم العراقيّ الاندماجَ بين تنظيمي دولة العراق الإسلامية التابع للقاعدة، وتنظيم جبهة النصرة السورية، قبل أن ترفضَ الأخيرة هذا الاندماج وتعلن معاداتها لتنظيم “الدولة”، وهو ما حدّد طبيعة العلاقة بين هذين الطرفين كعلاقة صراع لاحقاً، وصل إلى الاحتراب والاقتتال منذ مطلع عام 2014([17]).

وبسبب ذلك قرر البغدادي نقل نشاط تنظيمه الى سورية، وبدأ التنظيم على المستوى السوري بمحاولة بسط سيطرته داخل المدن التي يسيطر عليها الثوار مثل الرقة وحلب، واتبع أساليب سلطوية وترهيبية في سبيل فرض سيطرته على المناطق التي يحتلها، فكان يعمد إلى اعتقال أعضاء مجالس الإدارة المحلية واختطاف النشطاء والإعلاميين وطرد الفصائل المسلحة الأصغر وغير القادرة على مقاومته، حيث كان هدفه واضحاً في بسط سلطته على أكبر منطقة جغرافية تضمن له مقرات وخطوط إمداد وموارد مالية، في ظل الحصار والملاحقة المفروضة عليه في العراق، ولذلك كان تمدده داخل المناطق التي يسيطر عليها الثوار يمثل أولوية على التمدد داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري ([18])، وبالفعل تمكن التنظيم من السيطرة على محافظتي الرقة ودير الزور واستعاد أسلوب الزرقاوي بتنفيذ اعدامات بحق عناصر من جماعات أخرى منافسة، وقطع رؤوسهم في الساحات العامة. وفي نفس الوقت خاض التنظيم معارك على أكثر من جبهة في الداخل السوري، واحدة ضد “النصرة” وثانية ضد “الجيش السوري الحر” وثالثة ضد الكرد السوريين الذين أرادوا إقامة نوع من “الحكم أو الإدارة الذاتيــة” بمناطقهم في شمال سوريا. ([19])

اعتمدت استراتيجية التنظيم في البقاء والنمو على مجموعة من العوامل وهي: البراغماتية في ما يتعلّق بالنظام السوري؛ والسيطرة على الأراضي وتطويرها كوسيلة لسَوْس السكان وجذب المقاتلين الأجانب؛ واستخدام الإيديولوجيا والإعلام كأداة للسيطرة على الناس، وتجنيد المقاتلين، وجمع الأموال، وتطوير استراتيجية عسكرية مركزية.

ومنذ توسّع التنظيم داخل سورية في العام 2013، انخرط هذا التنظيم المتطرف في معركة وجودية مع القاعدة. وعلى الرغم من كل وسائله الاستراتيجية، طرح نفسه بكونه القاعدة “الحقيقية”، وشدّد على أنه يعمل على تحويل هدف القاعدة الإيديولوجي، الخاص بإقامة دولة إسلامية، إلى حقيقة واقعة ومُعاشة. وهذا ما وفّر له وهجاً من الصدقية لدى حاضنته وجذب إليه المتبرّعين والأعضاء الجدد ([20]).

2- ايديولوجية فكرية قائمة على الترهيب

لا يخرج تنظيم الدولة “داعش” عن منظومة فكر الجهاد العالمي الذي يقوم على الأصول والفروع، فالأصل الذي تجمع عليه تنظيماته كافة يتلخص في تحكيم “شرع الله” وإقامة الحكم الإسلامي المتمثل في الخلافة / الدولة الإسلامية، ولا يتحقق ذلك إلا بالجهاد، ومن هذا الأصل القطعي لديهم تتناسل كل المفاهيم والتفاصيل والإجراءات التي سميت فروعاً ويقع فيها خلاف ويتجلى هذا بوضوح في التصريحات المتعاقبة لقيادات القاعدة وداعش والنصرة منذ ظهر الخلاف بينهم إلى العلن ([21]).

تكمن قوة تنظيم داعش في عدّة نقاطٍ؛ أهمُّها قدرة خطابه الأيديولوجي على التعبئة والدفع بالعديد من الشبان من مختلف أصقاع العالم إلى الالتحاق به والانخراط في عملياته العسكرية، وبحسب عدّة مصادر، فإن العديدَ من مقاتلي التنظيم هم من الأجانب الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، منهم أكثرُ من ألفي مقاتلٍ من أصلٍ مغربيّ، انضموا للقتال في صفوف التنظيم، بينما العشرات من القادة الميدانيّين للتنظيم هم من الخارج ممن اكتسبوا خبراتٍ قتاليةً في العراق والشيشان وأفغانستان ([22]).

تبنى تنظيم الدولة الإسلامية فكرَ القاعدة، لكن الإيديولوجيا ليست غايته الأساسية؛ بل هي مجرّد أداة للحصول على المال والسلطة. فالتنظيم لا يتبع مرجعاً إسلامياً محدّداً، ويرفض مذاهب الإسلام الأربعة. ويستمرّ بدلاً من ذلك في تفسير الشريعة بالطرق التي تبرّر أفعاله. وهكذا ينبغي النظر إلى أيديولوجيته باعتبارها أداة للحصول على الشرعية والموارد، وأنها في تطوّر مستمرّ، حيث يستخدم داعش عناصر إيديولوجية لبناء علاقات مع السكان المحليين وحُكم المناطق التي سيطر عليها. ففي الرقة وغيرها من المناطق، استخدم داعش ترويج الأيديولوجيا جنباً إلى جنب مع الاستراتيجية العسكرية لإثارة الارتباك في صفوف السكان. فحين يسيطر التنظيم على إحدى القرى، وحتى قبل أن يؤمّن المنطقة، غالباً ما ينخرط في أعمال يُنظَر إليها على أنها ترويج للشريعة، مثل حرق علب السجائر، وتدمير قوارير الكحول، وجلد النساء اللواتي يرتدين ملابس “غير لائقة”. ترمي هذه الخطوات إلى إظهار أن الترويج للشريعة الإسلامية هو في صلب أولويات التنظيم، ما يساعده على نيل الشرعية. لكن هذه الخطوات ترمي أيضاً إلى إرباك الناس، ذلك أنها تحدث حين يكون من المتوقّع أن يركّز التنظيم على تأمين مناطق استولى عليها حديثاً.

بعد أن يستولي التنظيم على إحدى المناطق ويبدأ بحكمها، يستخدم الشريعة كمبرّر لمنع أعضاء في المعارضة السورية من العمل، ولقتل هؤلاء الذين قاتلوا في صفوف ألوية إسلامية منافسة له. وغالباً ما يُحتجز هؤلاء الأشخاص بحجة أنهم مجرمون، ويتم صلبهم لاحقاً أو إخضاعهم إلى ممارسات وحشية علنية، وينفّذ التنظيم أيضاً إعدامات علنية وفظائع أخرى مشابهة بشكلٍ دوري لترهيب قاعدته وجعلها تمتثل إليه بدرجةٍ كافية، بحيث تقلّ الحاجة إلى استخدام العنف ضدها. وهكذا، يصبح السكان الخاضعين إلى سيطرة التنظيم قادرين على حكم أنفسهم ذاتيّاً، الأمر الذي يستخدمه التنظيم كـ”دليل” على أن أتباعه مخلصون له.

كما يستخدم داعش الإيديولوجيا أيضاً لشرح موقفه من النظام السوري، الذي لم يبدأ التنظيم قتاله حتى حزيران/يونيو 2014، عقب الانتصارات التي حققها في العراق. وحتى في الوقت الراهن، لا يوجّه التنظيم سوى نسبة قليلة من أنشطته العسكرية في سوريا ضد النظام السوري، وتستهدف معظمُ أنشطته الجيشَ السوري الحر وسائر المجموعات الجهادية. ويبرّر التنظيم ذلك على أساس أن “قتال المرتدّين أولى من قتال النصيرية” (أي أن قتال المرتدّين أكثر أولوية من قتال العلويين، المذهب الذي ينتمي إليه الأسد). ويستخدم التنظيم الخطاب نفسه لتبرير غياب هجماته ضد إسرائيل؛ فوفقاً لأميرٍ في القلمون، إن “قتال المرتدّين أولى من قتال اليهود”. ([23])

كما يعمل تنظيم “داعش” على نشر أيديولوجيته من خلال وسائل الإعلام، والذي يتمتع بأهمية كبيرة لدى التنظيم، فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في إيصال رسالته السياسية ونشر ايديولوجيته السلفية الجهادية، فأصبح مفهوم الجهاد الالكتروني أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة “التوحيد والجهاد” ثم القاعدة في بلاد الرافدين، حيث أظهرت الهيئة الإعلامية للتنظيم تطوراً كبيراً بالشكل والمحتوى وتتمتع بدعم وإسناد كبيرين، وتعتبر مؤسسة الفرقان الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت مؤخراً مؤسسات إعلامية أخرى تتبع للتنظيم مثل الحياة، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة دابق. وتؤكد الأشرطة والمواد الدعائية التي تصدرها المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم كمؤسستي الفرقان والاعتصام على التحول الكبير في بنية التنظيم وقدرته الفائقة وتكتيكاته العنيفة واستراتيجيته القتالية المرعبة. ([24])

ومن غرائب تنظيم داعش أنه بتصاويره وتسجيلاته ومواده التي ينشرها يظهر وكأنه يريد  أن يبعث رسالة مفادها: أنه تنظيم متوحش وعنيف ومؤذ، حيث تميل التنظيمات الإسلامية عادة إلى تحسين صورتها وتبرير أعمال العنف التي يرتكبها بعض أعضائها، لكن داعش يميل إلى العكس فهو يعتمد بث الرعب ومشاهد النحر والحرق والاغتيالات والتي تعتبر جزء من رسالة يعمل داعش دوما على إيصالها، هؤلاء المتطرفون الذين انضموا لداعش وأحيانا انسحبوا من تنظيمات جهادية أخرى إليها، عمل أبو بكر البغدادي على استغلالهم عبر هذا البعد النفسي ففي حين كانت التنظيمات الأخرى تقيد اندفاعات مقاتليها نحو التكفير والفجور مع المخالفين كما فعلت جبهة النصرة في مواقف مختلفة، أطلق البغدادي الحرية لطاقات الكراهية والتفجير والبطش الكامنة لدى أفراد التنظيم وهناك بالطبع من المقاتلين من يعتبرها مغنما يطمح إلى كسبه ([25]).

ثالثاً: وحدات حماية الشعب ي ب ج (التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د)

هي قوات ذات غالبية كردية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) الذي تأسس في عام 2003 وهو الفصيل السوري من حزب العمال الكردستاني ويدين بالولاء لزعيمه عبدالله أوجلان المعتقل في تركيا بعد أن قام النظام السوري بالتخلي عنه في أواخر 1998.

يمتلك حزب العمال الكردستاني (ب ك ك ) والموصوف على لوائح المنظمات الارهابية في أوربا وأمريكا والذي يتفرع عنه حزب الاتحاد الديمقراطي السوري رصيداً كبيراً من حرب طويلة في مواجهة قوات الجيش التركي، منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي. كلفت عشرات آلاف القتلى من كلا الجهتين، وتدمير آلاف القرى وتهجير مئات الالوف من مناطق شرق وجنوب شرق تركيا من المدنيين الكُرد. ويمتلك آلاف المقاتلين المتمرسين، وقاعدة شعبية واسعة في الأقاليم الكردية الموزعة على دول أربعة هي تركيا والعراق وإيران وسوريا. لكن هذه القاعدة تتعرض لمد وجذر تبعاً لسياسات الحزب وأجنداته الإقليمية. ولا يمكن الحديث عن “ب ي د” بمعزل عن “ب ك ك” رغم أن قادة “ب ي د” يجنحون في تصاريحهم الإعلامية ومقابلاتهم السياسية الى الفصل ما بينهم وبين العمال الكردستاني وأن المشترك الوحيد بينهم هي فلسفة زعيمهم عبدالله اوجلان. لكن ثمة تماهٍ حقيقي وتداخل في السياسات والاستراتيجيات العسكرية ومصادر التمويل، ولم يعد بخاف على أحد ان قيادات “ب ي د” هم من الصفوف الاولى من قيادات العمال الكردستاني ولا يمكن الفصل بينهم. حتى أن صالح مسلم نفسه كان قبل انتقاله إلى سوريا موجوداً في جبل قنديل، معقل العمال الكردستاني.

وقبيل ثورات الربيع العربي كانت المؤشرات كلها تسير نحو الدخول في مرحلة تسوية سلمية تفضي الى وقف الصراع بين الحزب المذكور والجيش التركي، وبمباركة من حكومة إقليم كردستان العراق الذي كان وما يزال يجنح الى حل القضية الكردية التركية بعيداً عن حلبات الصراع العسكرية ويسعى الى تنمية التبادل الاقتصادي المشترك مع الحكومة التركية التي تمتلك حجماً ضخماً من الاستثمارات في إقليم كردستان العراق. لكن مفاعيل الحرب السورية نتيجة تضارب المواقف بين أطراف الصراع، وانحياز تركيا وحكومة أربيل إلى مطالب الحراك السوري فيما يخص الحرية والكرامة، أدت الى تصاعد وتيرة المواجهات من جديد بين تركيا والعمال الكردستاني الذي انحاز الى جانب المعسكر الإيراني الروسي الداعم لنظام الأسد، رغم نفي قادتهم لهذه العلاقة مراراً وتكراراً. لكن المراقبين يؤكدون أنه لم يحصل اي اصطدام عسكري بين قوات الاسد ووحدات حماية الشعب ذات الغالبية الكردية بل على العكس ثمة تنسيق وغزل من قبل النظام بما تحققه تلك القوات من انتصارات كان آخرها في ريف حلب الشمالي عندما سيطرت، تزامناً مع تحركات قوات النظام، على قرى وبلدات هي خارج نطاق المناطق الكردية التي يسيطر عليها إدارياً حزب ب ي د.

تشكلت قوات “ي ب ج” التابعة لهذا الحزب تحديداً عشية الحراك السلمي السوري. حيث قام النظام بتسليمها المقرات الأمنية والمخافر الحكومية المنتشرة في عموم المناطق الكردية. وأوكلت لهذه القوات بداية الأمر مهمة قمع المظاهرات السلمية الكردية والتي تحاكي نظيراتها في باقي المناطق السورية. المطالبة بالحرية والكرامة، لكن هذه القوات سرعان ما صعدت من وتيرة قمعها بعدما تزودت بمزيد من المال والسلاح وبمقاتلين أكراد من الجنسية التركية قدموا من جبال قنديل، معقل حزب العمال الكردستاني، وارتكبوا الانتهاكات بحق النشطاء والمدنيين. كما حدث في عام 2012  حين قاموا بتصفية كاملة لعائلة الشيخ حنان في عفرين، وقبلها محاولتهم تصفية عائلة كدرو في قامشلي حيث قتلوا عدداً من أفراد العائلة، ومثلها مجزرة عامودا التي راح ضحيتها ستة شبان من ناشطي الحراك المدني والثوري، وقبلها في قرية تل غزال بمنطقة كوباني. وهي متهمة من قبل باقي الأطراف الكردية التي تتصارع معها حول قيادة الشارع الكردي، بتصفية العديد من القيادات السياسية والشبابية التي كان لها دور في تنشيط المظاهرات أو في مخالفة ورفض خيارات حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د بمسك العصا من المنتصف تحت حجة حماية المناطق الكردية بعيداً عن الاصطفاف مع المعارضة أو النظام بحسب زعمهم.

لكن ما حدث أنه لم تتوقف انتهاكات هذه القوات عند حدود التصفية بل قامت بمصادرة الحياة السياسية والمدنية والثقافية، وأصبح لزاماً على كل من يعيش ضمن المناطق الكردية (الكانتونات) أن يدين لهم بالولاء الايديولوجي وصعدوا من حملات فرض الأتاوات والقوانين الجائرة بحق السكان المحليين، مما تسبب في هجرة عشرات الآلاف من العائلات الكردية باتجاه إقليم كردستان العراق شرقاً وباتجاه المدن التركية شمالاً. وسبق وان نددت هيئات ومنظمات دولية من بينها هيومن رايتس بانتهاكات هذا الحزب. وهو متهم أيضاً بخطف وتجنيد القصر لإقحامهم في العسكرة، وبامتلاكه العديد من السجون السرية التي يمارس فيها أبشع أصناف التعذيب، كسجن راجو السيء الصيت والواقع في منطقة عفرين وسجن ديريك وغيره من المعتقلات التي تنعدم فيها أدنى الظروف الصحية، حسب رأي بعض النشطاء او بناءاً على مقابلات صحفية أو تقارير لمنظمات حقوقية.

رابعاً: جبهة النصرة

تم الإعلان عنها في سوريا مع بدايات عام 2012 وكانت تعتبر امتداداً لقاعدة العراق وتلقت بداية الأمر أوامرها من هذا الفرع، وعلى خلفية خلافات فقهية وتضارب وتنافس حول دفة القيادة بين من هو سوري وعراقي .وصلت لحد التصفيات أصدر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أوامره بفصل قاعدة الشام عن العراق ومبايعة أبو محمد الجولاني قائدا لقيادة الفرع السوري ليعلن هذا الأخير عن نفسه كفصيل مستقل خاص بسوريا تحت مسمى جبهة النصرة في بلاد الشام. وكان الجولاني الذي ترك دراسة الطب في جامعة دمشق قبيل حرب العراق قد عمل بداية الأمر مع تنظيم غرباء الشام في حلب وكان من تلاميذ محمود قول آغاسي المعروف شعبياً بـ أبو القعقاع، الذي كانت دارت حوله الكثير من الشبهات حول ارتباطه مع أجهزة الأمن السورية ليتم تصفيته لاحقا في ظروف غامضة. بعدها  انتقل الجولاني ليتحول الى أحد أهم أذرع  أبو مصعب الزرقاوي في العراق. وسبق أن اختلفت الجبهة مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) حول أولويات الجهاد في سوريا واتهم كلاهما الآخر في مخالفة أمور فقهية. ويمكن الجزم أن تنظيم داعش  تشكل على خلفية انشقاق القاعدة ( قاعدة العراق ) المتواجدة على الأراض السورية. أي انقسمت على نفسها الى تنظيمين قاعديين مختلفين في أولويات الجهاد هما جبهة النصرة وما يعرف بداعش، لكن ثمة إشارات وتخمينات تشير إلى اتفاق ضمني بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية لالتزام تعهدات معينة بعدم التعدي على الآخر وربما هذا ما يفسر عدم احتكاك الفصيلين طيلة السنوات السابقة من الحرب بعد تجاوز الطرفين للمواجهات الوحيدة التي رافقت عملية انفكاكهم عن بعض خاصة من ناحية السيطرة على حقول النفط في شمال شرق سوريا وهذا ما صرح به الجولاني مراراً أن خلافهم مع تنظيم الدولة خلاف فقهي لا أكثر ولا أقل وأن مقاتلي الدولة هم أخوة لهم ولا يكنون لهم أي عداء. ورغم تصاعد وتيرة الخلاف والاجتهادات في مناطق معينة مجاورة لبعضهما البعض وصولاً الى احتكاكات، لكن دائماً يتم السيطرة عليها وتجاوزها.

ويمتاز مقاتلو جبهة النصرة وغالبيتهم الجمة سوريون، بالإضافة إلى جنسيات عربية وقوقازية. بالشدة وقوة العزم والخبرة الطويلة. لأن أغلبهم كان قد تمرس على القتال في العراق وأفغانستان وغيرها من البؤر الساخنة التي كانت تتحرك فيها القاعدة. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب السوريين المنضوين تحت راياتها هم تحديداً ممن شارك في الحرب العراقية ضد الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها وانسحبوا مؤخراً مع اندلاع الحرب الى الداخل السوري. ويجزم البعض إلى أن النظام السوري كان يشرف بنفسه على قوافل المجاهدين السوريين باتجاه العمق العراقي بعد سقوط الطاغية صدام في محاولة منه. أي من النظام لتحويل العراق إلى مستنقع  تغرق فيه أمريكا كي لا تفكر باتجاه إسقاط النظام السوري . وهذا ما يدفع البعض من المحللين إلى أن النظام السوري يمتلك البعض من خيوط اللعبة التي تتحكم بجبهة النصرة على الأقل في بعض المناطق .

وقد سبق لجبهة النصرة أن قامت بقتال بعض فصائل كتائب المعارضة السورية واتهمت باغتيال العديد من نشطاء المجتمع المدني وقادة الفصائل المعتدلة والتضييق على كل ما هو مختلف أو خارج أجنداتهم . وهذا ما دفع بالعديد من هذه الفصائل للانضواء تحت عباءتها خاصة وأنها تمتلك موارد مالية ضخمة تأتي من تنظيم القاعدة الأم . وربما هذا ما يفسر مبايعة أغلب الفصائل المرهونة للتمويل الخارجي وكانت عرضة للهزات أو للتفكك نتيجة شح التمويل والدعم خاصة العسكري إلى المسارعة والانضواء تحت راية النصرة التي ابتلعت فصائل محلية على مستوى البلدات والقصبات الصغيرة.

ويجنح التنظيم الى فرض سلطة إسلامية صرفة، خاصة تلك المستمدة من تفاسير ابن تيمية وغيره ممن غالوا في الفقه والتفسير. ويسعى لتشكيل نظم حياتية تحاكي تلك التي عاشها السلف الصالح بحسب تعابيرهم. لذلك يتدخلون في التفاصيل الشخصية والمدنية لحياة الأفراد، مثل طرق حلاقة الشعر وإطلاق اللحية وأحكام الرجم والجلد، ولديهم نظامهم الأمني وسجونهم الخاصة بهم. وسبق وأن قام الأهالي في مناطق مثل ريف إدلب بالقيام بمظاهرات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجونهم أو بالكشف عن مصير البعض من المختفين.

وتمتلك جبهة النصرة مؤسسة إعلامية ضخمة هي فرع من مؤسسة المنارة البيضاء التابعة لتنظيم القاعدة العالمي، وباتت تمتلك اليوم المئات من الكوادر الخبيرة التي تتسلم شؤون إدارة المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام.

خامساً: جيش الإسلام

تأسس جيش الإسلام على يد محمد زهران علوش، من مواليد 1971، من مدينة دوما في ريف دمشق.  والده هو الشيخ عبد الله علوش من مشايخ دوما المعروفين وممن لهم صولة وجولة.

تتلمذ زهران في الفقه والتجويد بداية الأمر على يد والده وعلى يد بعض كبار شيوخ بلدته دوما، ثم التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق، و أكمل الدراسة فيما بعد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، ثم درس الماجستير في كلية الشريعة بجامعة دمشق، وكان قبل الثورة يعمل في مجال المقاولات والبناء، حيث أسس شركة للخدمات المساندة للإعمار.

كان نشاط علوش الدعوي دافعاً وراء اعتقاله في عام 2009، من قبل  جهاز الأمن السوري، بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات والسعي لإنشاء منظمة إرهابية. وتنقل بين عدة افرع أمنية إلى أن أودع في سجن صيدنايا السيء الصيت دون محاكمة. ولكن بعد ثلاثة أشهر من انطلاقة الحراك السلمي السوري، قام النظام السوري بإطلاق سراح العديد ممن كانوا متهمين بتشكيل منظمات إرهابية أو لهم صلات بالقاعدة وذلك على ضوء اتفاق أمريكي سوري كان قد وقع عليه إثر اتهامات أميركية للنظام السوري بدعم الحركات المتطرفة في العراق. فما كان من النظام إلا أن قام بعدة حملات اعتقال لمحاولة تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي. لكن إطلاق سراح هؤلاء ترك إشارات استفهام كثيرة في الشارع السوري وبين الأوساط السياسية والاعلامية. وتوقع البعض أن النظام كان يهدف يومها إلى تحويل الحراك السلمي إلى مسلح من أجل إطلاق يد مكنته العسكرية. أو لاتهام الحراك السلمي بالسلفية والجهادية والعسكرة. وجزم البعض أن إطلاق سراح هؤلاء لم يتم تحت ضغط المظاهرات المطالبة بالحرية والعيش الكريم. وهكذا تم إطلاق سراح علوش وغيره من سجن صيدنايا في صيف 2011 بعد ان أمضى فيه قرابة العامين، وبدأ العمل فوراً على تأسيس قوة عسكرية لمحاربة النظام أطلق عليها  بداية الامر اسم «سرية الإسلام».

ثم تطورت الأمور بعدما زادت الانشقاقات في صفوف الجيش السوري وتشكلت عشرات الكتائب والفصائل المسلحة، وتحولت سرية الإسلام، بعد توسعها، الى لواء الإسلام الذي ضم شباب دوما وما حولها. وقام بعدد كبير من  العمليات  النوعية وفّرت له السلاح الذي اغتنمه من قطعات الجيش السوري التي اخذت بالتقهقر أمام آلاف المنضوين تحت راية لواء الاسلام وبقيادة علوش.

وفيما بعد عام 2013 أعلن عن تشكيل أضخم جيش سوري معارض لنظام الاسد سمي بجيش الإسلام وبمبادرة من علوش الذي ترأس هذه القوة واتخذ من شرقي العاصمة السورية مقراً لها ومن كل سوريا مسرحا لعملياتها العسكرية. وذلك  بمشاركة وموافقة أكثر من خمسين فصيلاً من فصائل  الجيش الحر السوري كلها انصهرت في هذا المشروع.

ويمتاز هذا الجيش عن غيره من فصائل المعارضة المسلحة بأنه يمتلك جسماً ادارياً ويأخذ شكلا هرمياً من حيث الادارة  والقرارات. فهو يتألف من مجلس قيادة يضم اكثر من خمس وعشرين مكتباً إدارياً  ينتشر في عموم المناطق السورية. وله مكاتب خدمية وتعليمية وإغاثية وإعلامية ويمتلك مهارات اكتسبها من قسوة الظروف المحيطة. خاصة سياسة التجويع التي مارسها النظام كشكل من أشكال الحرب الخفية.

وقد حاول تنظيم داعش اغتيال زهران علوش عدة مرات ونجا منها علوش، لكنها اغتالت العديد من رموز قياداته، الى أن تمكنت روسيا في 25 ديسمبر 2015وباختراق أمني من قصف مقر أحد اجتماعاته في الغوطة بطائرة حربية وقتلته مع مجموعة من أعوانه.

وتعتبر الولايات المتحدة الاميركية وأطراف دولية عديدة فصيل جيش الإسلام من الأطراف المعتدلة ضمن خارطة الفصائل المسلحة في سوريا، رغم أن البعض يؤكد على الجانب السلفي في الخطاب السياسي لأنصار هذا الجيش. ولجيش الإسلام صلات جيدة مع جبهة النصرة ولكنها على خلاف تام مع تنظيم داعش كما أسلفنا. وكان الفصيل ممن ساهم وشارك بتحضيرات مؤتمر الرياض ووقف الى جانب المعارضة السورية لخوض مفاوضات جنيف 3.

ويتهم نشطاء الثورة السورية زهران علوش وعناصره بارتكاب العديد من الانتهاكات في مناطق سيطرته، مثل اختطاف الناشطة رزان زيتونة وسميرة الخليل ومروان ووائل حمادة، وكذلك يتهمون علوش وفصيله العسكري بإعدام العشرات من المدنيين في مدينة عدرا القريبة من دمشق بما فيهم نساء واطفال واستخدمهم كدروع بشرية، بعد ان زج بهم في أقفاص حديدية نشرها على أسطح المباني وذلك لمنع قوات النظام من قصف مدينة دوما. وسبق له وان قام باستهداف العاصمة دمشق بمئات الصواريخ المحلية الصنع مما أدى الى سقوط مدنيين وذلك في محاولة منه لفك الحصار والقصف المفروض على المناطق التي تخضع لسيطرة قواته.

سادساً: جيش الفتح

تأسس في ربيع 2015 بريف محافظة ادلب من تجمع سبع  فصائل وكتائب من المعارضة المسلحة ذوي التوجه الإسلامي. وهي: “أحرار الشام”، و”جند الأقصى”، و”جيش السنة”، و”فيلق الشام”، و”لواء الحق”، و”أجناد الشام”، بالإضافة إلى “جبهة النصرة”. ويقدر عدد مقاتليهم بحدود العشرة الاف.

بداية معارك جيش الفتح كانت معركه “غزوة إدلب” التي أسفرت عن سقوط المدينة بين أيديهم، وإخراج قوات النظام منها بعد أربعة أيام فقط من إعلان تأسيسه (يوم 28 مارس/آذار 2015)، وتعد تلك من أسرع معارك فصائل المعارضة السورية .

وفي يوم 22 أبريل/ نيسان أعلن “جيش الفتح” خوض معركة تحت اسم “معركة النصر” للسيطرة على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية  لنقل المعركة مستقبلا إلى القرى والبلدات الموالية للنظام، وهو ما تحقق يوم 25 من الشهر نفسه حين دخلت قوات “جيش الفتح” المدينة، وتمكنت من اغتنام عدد من الدبابات وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

وفي 27 أبريل/ نيسان 2015 أعلن “جيش الفتح” نجاحه في “تحرير” معسكر معمل القرميد الاستراتيجي في إدلب الذي يعد من أقدم قواعد قوات النظام ويقع على طريق حلب – دمشق الدولي، وغنم مقاتلوه العديد من الدبابات والمدرعات التي بقيت سالمة داخل المعسكر.

ويسعى “جيش الفتح” – حسب قياديين فيه – ليس فقط الى التخطيط العسكري بل إلى “التخطيط لإدارة المدن التي يحررها بشكل مدني، وبذلك سبق غرف العمليات الأخرى بخطوات سواء من الناحية العسكرية أو من الناحية السياسية والإدارية”.

ويرفض جيش الفتح أي مباحثات مع النظام السوري وأي تعاون مع جهات دولية ويجنح إلى فرض الشريعة الاسلامية كشكل ونظام للحكم في سوريا مستقبلاً.

الخاتمة:

ثلاثمئة ألف معتقلة ومعتقل أو يزيد، في غضون خمس سنوات من عمر الثورة السوريّة، كارثةٌ حقيقيّة، ستترك شروخاً قد لا تندمل بسهولة، خاصّةً على من قُيّض لهم أن يخرجوا أحياء.. بل ستتعمق هذه الجروح إذا كانت المعتقلة امرأة، وستواجه معتقلاً من نوعٍ آخر على مدى سنوات عمرها القادمة، وتترك آثارها النفسيّة والتربويّة على أجيالٍ كثيرةٍ قادمة، لم تعش المأساة، لكنّها ستتحمّل تبعاتها..

من هنا كان لابد من وجود منظّمات وجمعيّات تُعنى بالمعتقلين في حال خروجهم من السجن، للعمل على مساعدتهم في تخطّي تلك المرحلة، أو الحدّ من منغّصاتها على حياة المعتقل وأسرته..

لكنّ المؤسف حقّاً أن الجهود لم تكن بحجم الكارثة، باستثناء تجربتين سنأتي على ذكرهما..

رابطة الدفاع عن حقوق المعتقلات السوريات:

تأسست الرابطة من قبل معتقلة سابقة لدى النظام هي فاطمة سعد، ومعها مجموعة من النساء السوريات المعتقلات، في تموز عام 2013، بهدف تقديم الدعم النفسيّ والماديّ للمعتقلات السوريات اللاتي خرجن من سجون النظام، كما تهتمّ الرابطة بتقديم المساعدة للسجينات في الداخل السوري.

وهناك فروع لها في لبنان والأردن وتركيا، حيث تعمل الرابطة على التواصل مع المعتقلات الخارجات من السجن، وتقديم الدعم المادي خاصة في ظلّ تخلّي بعض الأسر عن بناتهم خوفاً من العار كما يسمونه (عار السجن)، أو تحسّباً لأن تكون المرأة قد تعرضت للاغتصاب، فتعمد تلك الأسر على إبعاد بناتها الى دول مجاورة أو دول أجنبية لتفادي عقاب المجتمع.

تواصلت الرابطة مع منظمة الأمم المتحدة، ومع مجموعة من المنظمّات السوريّة، لتغطيّة أكبر عدد ممكن من الحالات، في تأمين المأوى وتخصيص رواتب شهريّة، وتقديم الدعم النفسيّ من خلال التواصل مع عدد من الأخصائيين..

كما عملت على تحرير عدد من المعتقلات من خلال عدة صفقات تبادل بين النظام وبعض كتائب الجيش الحر، حيث تمّ الإفراج عن 22 معتقلة، وتلك هي المعلومات المتوافرة حتى الآن، إذ ليس لدينا معلومات حديثة بشأنها، وما إذا كانت مازالت تعمل أم توقفت.

بيت المعتقلات:

قامت بتأسيسه مجموعة من النساء السوريات المعتقلات سابقا في سجون النظام، في مدينة غازي عنتاب التركية عام 2014، وقامت الحكومة السوريّة المؤقتة بتقديم الدعم الماديّ للمشروع، من خلال استئجار منزل مكوّن من عدة غرف لإيواء أكبر عدد ممكن من النساء السوريات القادمات الى المدينة، اللاتي لم يجدن لهنّ مأوى، أو ليس لديهن إمكانية الحصول على مأوى..

حقّق المشروع نجاحاً كبيراً، حيث التقيت هناك عدّة سيدات، جئن من حلب ودمشق وريف دمشق والسويداء، وللوهلة الأولى يمكن ملاحظة الجوّ الأسريّ في ذلك المنزل.

باللقاء مع السيدات المقيمات تعرّفت على سيّدة ومعها ابنتها الطفلة، وهي سجينة في عهد نظام الأب والابن، وطبيبة قادمة من السويداء وأخرى من محافظة القنيطرة.

بيت المعتقلات ذاع صيته، وكان ملاذاً للكثيرات، إلا أن الحكومة السورية المؤقتة، أعلنت فيما بعد عدم قدرتها على الاستمرار في تقديم الدعم، ليتوقف المشروع ويقفل أبوابه سريعا.

في الختام، لابد من لفت النظر إلى أهمية مشاريع كهذه بالنسبة للمعتقلات والمعتقلين، فالعودة إلى الحياة بعد توقّفها لأعوام أو حتى لأشهر، ليست بالأمر السهل، والخارجون من هناك بأمسّ الحاجة إلى العون والمساندة، لذلك ندعو هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، للاهتمام بهذا الجانب وإيلائه قدراً مناسباً من الدعم، وتوفير فرص حياة جديدة للسوريّات والسوريين الذين وصلوا إلى حافة الهاوية..


[1])) رضوان زيادة، حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا من الفكرة القومية إلى ترسيخ السلطوية، مجلة الديمقراطية، القاهرة، العدد 36، 2009، لا يوجد لاقم للصفحة.

([2]) زياد ماجد، الثورة اليتيمة، شروق الكتاب، بيروت، 2014، ص 23

([3]) رضوان زيادة، مرجع سابق، لا يوجد رقم للصفحة

[4])) زياد ماجد، مرجع سابق، ص24

[5])) خورشيد دلي، حزب البعث والمادة الثامنة، موقع الجزيرة نت، 11/7/2011

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2011/7/11/%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86%D8%A9

([6]) رضوان زيادة، مرجع سابق، لا يوجد رقم للصفحة

[7])) المرجع السابق

[8])) محمد أعماري، بشار الأسد رئيس عبد له الطريق، موقع الجزيرة نت، 5/8/2012

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2012/8/4/%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%B9%D9%8F%D8%A8%D9%91%D8%AF%D8%AA-%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82

[9])) غاريث بالي، 15 عاماً رهيباً من حكم بشار الأسد، موقع جريدة الحياة، 8/7/2015

http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/10043124/15-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D8%B1%D9%87%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF

([10]) محمد أعماري، مرجع سابق

[11])) خضر الخضور، إمساك نظام الأسد بالدولة السورية، مركز كارينغي للشرق الأوسط، 8/7/2015

http://carnegie-mec.org/publications/?fa=60622

[12])) رستم محمود، الجماعات العنفية في سوريا، برنامج المعرفة حول المجتمع المدني في غرب أسيا، نشرة خاصة، هيفوس، 3/5/2014، ص14-ص16

[13])) الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مصدر سابق

[14])) منظمة العفو الدولية، 2014 عام الصراع والرعب والأمل، 2015

file:///C:/Users/project/Downloads/POL100001D2015ARABIC.PDF

[15])) الشبكة السورية لحقوق الإنسان، المرأة السورية وسط الإعصار، 2015 http://sn4hr.org/arabic/2015/11/25/5255

([16]) صبر درويش، داعش النسخة الأكثر تطرفاً للإسلام السياسي، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية، 13/9/2014

http://drsc-sy.org/%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%AE%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3/

([17]) المرجع السابق

http://drsc-sy.org/%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%AE%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3/

[18])) الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تنظيم دولة العراق والشام، نشأته وتوثيق لأبرز الانتهاكات التي قام بها، 2014، ص3

([19]) موقع الحياة، ما هو تنظيم داعش؟ مسيرته وانشقاقه عن القاعدة وحتى إعلان دولة الخلافة، 11/6/2014، موقع الحياة.

http://www.alhayat.com/Articles/2909987

[20])) لينا الخطيب، استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية باقية وتتمدد، مركز كارينغي  للشرق الأوسط، 29/6/2015

http://carnegie-mec.org/2015/06/29/ar-60542/ibk6

[21])) مجموعة من الباحثين، تنظيم الدولة الإسلامية، النشأة، التأثير، المستقبل، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2014، ص10

[22])) صبر درويش، مرجع سابق

[23])) لينا الخطيب، مرجع سابق

[24])) مجموعة من الباحثين، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سابق، ص39

[25])) حمزة المصطفى، عبد العزيز الحيص، سيكولوجيا داعش، منتدى العلاقات الدولية والعربية، 2014، ص14

الفصل الرابع والأخير من كتيب حملة “سوريا وطن لا سجن” التي أطلقتها  “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »