Search
Close this search box.

فتى المعتقل

فتى المعتقل

ديمة محمود

فــتــى الــمـعـتـقــل / (٣) الــقـطـار

فمٌ جائع ومسامير في إسفلت

قضبانٌ بأطرافٍ مـعــقــوفـة وصدأ يفور

برقشةٌ من عفونةٍ وذهول

تكبّلها سـياط زُرق

وملحٌ ساخن كزفيرٍ يهوي من موتٍ معاد التدوير

*

حـدثــهـم عـن نومـِك فـي الأسـطورة

مـهـجـعٌ يقمعُه سـقـفٌ مـصمـتٌ بعـيـنـيـن غـائـرتين

تلاكمان أحذية السواد

تـعـصـران الشّقوق ولو بحلُم من ضوء أو نقطة

يستحيل الضوء وتتعثر النقطة

جـدرانٌ بكماء إلا من كـوّة

وبيوت عناكب أيستْ في تراب

وفحيحٌ ملتهبٌ يدور في السراديب الخارجية

*

حلمٌ قصيٌّ النوم بلا ملاصقة

لحمامٍ في طرف قبرٍ

يتكوّم مرتجفاً من رائحته

فـشـلـتَ كـثـيـراً وانـتـصـرت مرةً

لا أنـسـاهـا قـفـزتــَـــك الـمـسـتديرة

حـيـنـمـا أدّيـت الـمـسـاج للـسـجّـانِ

وكافأك بحيّزٍ بعيدٍ للنوم

*

خــمسـةٌ وأربـعـون لـيـلاً نـائـمـون

يـجلـسـون الـقـرفـصـاءَ فـي الـقـطـار

وخـمـسـةٌ وأربـعـون واقـفـون

يـنـتـظـرون دوراً في الـمـحطّـة الـمقـبلـة

لـيـتـبـادلـوا بـلاطـات الـحـجـر

بـعـد أن تنقطع أنفاس الـفـجـر

وتنشرخ ركبتاه

مـن مـشـهـد الـقيامة المبكّر

*

أذكـرُ كـيـف سـقـطـتَ مـراتٍ ومـرات

هـويـتَ أجوف يلوكك النعاس

ارتـطـمـت بالأرض الـحـجـريـّة

سقط الـعـنـكـبـوت من بيته

وسـجـانُـك يقهقهُ بهيستريا مـع كـل سـقـوط

*

تعجز عـن الـنـوم وُقـوفاً

تنتظرُ ويعاودك الارتـطـام

الـقـطـار يـتـرنـح

تـهـبُّ لـلـصعـود في ذبولٍ نـحـو الـخـلاص

بـلا مـقـعـد وبلا نـوافـذ تـجـلـس الـقرفصاء

تـمــتـطـي الـصـراطَ بـلا حـقـائـب

وبـنـصفِ بـرزخٍ تنــطـلـق إلـى جـهـنـم

تـجـرُّ القطار فيـقـتـاتـك

تجترُّ خوَرك فيـقـتـنـص نـومَـك ويهزمك

يـسـتـأصـل شـأفـةَ خـلـوتـك مـع حُـلُـمـك

أبـجـديـة سـكـونـك تُنتهك

ولا بلـبــلَ يــلـُـوح فـي الـكـوّة أو بـيـن الـقـضـبـان!

***

فــتــى الــمـعـتـقــل / (٤) تـرنــيٓمـة الـجـوع

الـثـقـوبُ تـملأُ الـوعـاء

والـوعاءُ آل إلـى خـِرقــة

والـخِرقـةُ تـوشـك عـلى الـبـِلـى

ووخـزُ الـدبـابـيـس لايـزال يـهـلـهـلُ مَـعـدتـَك

جـوعٌ إثر جـوع

أهو الـجـوع الـكـافـر أم أنـه الـكـفـرُ الـبـواح!

*

فرحٌ يتقافز على جدار معدتك

– أقـصـدُ خِـرقـتـَك الـمـثـقّـبة –

تسقط ذراتُ كأنها الـطـعـام

جــنـونٌ مـا يـنـتـابُـك بـعـد أربـعـة أيـام من صـوم قـسـري

بــطـاطـا عـفــنـة وخــبـزٌ يـابــس

وحــسـاءٌ خـبــأتَـه يـومــيـن وثــلاثـة

لــتـحـلَّ ربـاطَ جـوعـك

إلـى الـيـوم لا يزال طـعـمُــه فـي فـمـك

وقمحٌ حمـضيّ الــهـباء ســمـم رفـاقَك

اسـتـغـاثـاتٌ حلزونية

يمسكها وابلُ كهربيٌّ وكرابيج ولسع سجائر

كــرات دم تـتـدحـرج

جثثٌ بـلا حـيـاة أو مـوت

تلتقط قطرات هواء

*

صـراصـيـرٌ وقـمـلٌ وديـدان

وحــشراتٌ تـعـرفـهـا ولا تـعـرفـهـا

تـسلـقت جـسـمـك الـنحيل

ظــنـنــتها طـعـاماً تحمله ملائكة

يتوهج أزيز الأوبئة في الإناء

رقـص جنائزيٌّ لخيوط البنسلين

في كِـسـرات الـخــبـز وحبات القمح

تـتـقـيـأُ غابيّة كل شيء

*

رفـيـقٌ يجثو في فوهة مدفع

يمـسـك ذراعـيْ صرصـور ويؤرجـحـه

يرقص عنا في وداع الـحـيـاة

أما نحن فسـنـمـوت هـنـا بلا رقـصة

ودون أن يـبـكـيَـنا أحـد

نـظــفـتُـه تـفـضـل

يـأكـلُـه ويـمـضـغ عـلى مـهـل!

رأسُك يدور

بالون به مركّبٌ من غـثـيـانٍ ورغـبـةٍ بــالـمـوت

يُحـكـم السـيـطـرة عـلـى بـقـايـا دمـاغـك

تـتـقـيّأُ وتـفـقـدُ الـوعـي لـثـوانٍ

فـي الـمـرة الـخـامـسـة تـعـتـادُ الـمـشـهـد

*

لا تـتـرددْ، الآن ولـيـس فـي وقـت آخـر

انحت مـقـطـوعـةً لـتـرنــيمـة جوعك

الـتي يــتـردد صـريـرها فـي أذنــيك حتى الـلحـظـة

ولْـتـبـاركـكَ الآحـاد..

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »