Search
Close this search box.

خوف وشموع وماء

خوف وشموع وماء

 خولة سمعان

كما يفعل النمل تماماً اقتلعت السيدة نعيمة وولداها الصغيران أكرم ويوسف السريرين الصغيرين وحملوهما قطعة قطعة إلى غرفة الأم:

  • سنضعهما في غرفتي لأنها أكثر اتساعاً، قالت نعيمة.
  • لكن غرفتنا واسعة وفيها ألعابنا يا أمي، قال يوسف الولد الأكبر ذو العشر سنوات .
  • لا هذه أكثر اتساعاً يا بني!

 الحقيقة: للغرفتين نفس السعة تقريباً، غير أن نعيمة تخشى على ولديها النوم في غرفتهما، فزجاج النافذة العريضة يشكل خطراً عليهما إن وقع أي انفجار في الأرجاء.

 تحذّر نعيمة ولديها بين الفينة والأخرى من أن يُصدرا صوتاً وهما يساعدانها في نقل السريرين، بحجة أن أحد الجيران مريض في الشقة السفلى. والحقيقة  أنها خائفة وحذرة، خائفة حتى آخر خلية في جسدها، لذا هي تحسب حساباً لكل حركة ولكل كلمة ولكل نَفَس.

وكي تضع الأسّرة في موضع لا نوافذ فيه ولا تطل جدرانه على الخارج تجشمت عناءً طويلاً ونقلت أشياء كثيرة من جهة إلى أخرى، في النهاية قالت: “هكذا أصبح الوضع أكثر أماناً، نستطيع أن ننام أنا وولداي  بارتياح، فإن نحن بقينا سالمين نبقى معاً، وإن حدث مكروه – لا سمح الله – فإني لا أريد لأحدنا أن يبقى دون الآخر).

ضحكت من نفسها إذ تذكرت أنها خصّصت لولديها هذه الغرفة كونها الأكثر إنارة وتهوية، تمتمت في سرها: “لو توفر لنا كهفاً نأوي إليه فيقينا الخوف ويمنحنا الأمان لأوينا إليه!”

ورغم أنها تفقدت النوافذ بنفسها قبل قليل، فإنها تنهض لتتفقدها مرة ثانية، تضع إصبعيها في الشق الذي تركه ولداها في كل نافذة منعاً من تحطم الزجاج وتشظيه إذا ما حدث انفجار في الخارج، تطمئن لصحة فعلهما فتتوجه نحو الباب لتتأكد من القفل الخارجي والقفل الإضافي (الديجيتال) تتبتسم وهي تتذكر العم عثمان عندما نصحها بالقفل الديجيتال، تدعو له بالسلامة وتمضي إلى غرفة النوم، تضع قبلتين على جبيني أكرم ويوسف، ترفّ عينا أكرم، تتجاهله كي ينام، تسحب الغطاء على ولديها خشية البرد الذي سيتسرب من شقوق النوافذ في المنزل. تندس في سريرها بجانب ولديها فتتذكر أسطوانة الغاز، تقول في سرها: “لا الغاز أمره خطير، يجب أن أتأكد من إغلاق الإسطوانة جيداً، فإن حدث أي تماس كهربائي أو انفجار أو حتى اشتباك … لا سمح الله … يجب أن أغلقها جيداً. تنهض، تتوجه إلى المطبخ، يعم الظلام فجأة، ينقطع التيار الكهربائي. تأخذ شمعة من الخزانة، تشعلها وتتأكد من اسطوانة الغاز فتجدها مغلقة بقوة، تضع الشمعة في الإناء المخصص لها على المنضدة في غرفة الجلوس، تنظر حولها تتفحص المكان وانتشار الضوء فيه فيخيل إليها أن هناك – إلى يمينها – شيئاًما يتحرك! يخفق قلبها بشدة، تتجمد الدماء في عروقها، تقف بلا حركة في مكانها، تنظر جيداً، تشهق بارتياح، الهواء يحرك الستارة فتنعكس أخيلة  النباتات في الشرفة على ضوء الشمعة! تقول لنفسها: “يجب أن أنقل أصص الزرع إلى الجانب المظلم حيث لا ينعكس خيالها!”

 أخيراً تمضي نعيمة إلى سريرها، تقبل ولديها، ثانية تحكم غطائهما، تتمدد في فراشها، تتعوذ بالله، تقرأ آيات من القرآن الكريم، تدعو ربها، تنام … لا ، لا تنام، تتقلب في فراشها، تفكر، تنهض: “سأطفىء الشمعة فقد يهب الهواء فتسقط فيكون حريقاً هائلاً … يجب أن أطفئها … لو أن أبا سامر جلب الشواحن الجديدة، يقول أنها قادرة على الإضاءة لعشر ساعات … قلت لأبي سامر أريد اثنين، لكنه يقسم بالله العظيم أن البضاعة واقفة عند الحاجز وأنهم لم يسمحوا بدخول الشاحنة”.

تُطفىء الشمعة، تتسمّر في مكانها، العتمة مطبقة مخيفة، تفكر: “لو دخل أحدهم – لا سمح الله – وذبحنا في هذا الظلام لما أمكننا رؤيته!”

تبحث عن طريقة آمنة لإنارة المكان، تشعل الشمعة وتنتقل بها من زاوية إلى أخرى حيث لا يهب الهواء ولا تسقط الشمعة ولا يحدث حريق، أخيراً تفكر أن تضع الشمعة في وعاء معدني مملوء بالماء، فإن سقطت الشمعة ينسكب الماء ويمنع حدوث حريق.

وضعت الشمعة في كأس وسط إناء معدني كبير ملأته بالماء، وتوجهت إلى سريرها وهي مطمئنة إلى ابتكارها هذا. قالت مبتسمة: “إذا نجحت طريقتي هذه سأخبر جاراتي كي يفعلن مثلي في الغد”.

  تسمع نعيمة صوت المؤذن يرفع أذان الفجر حين تأوي إلى فراشها، وقبل أن تستغرق في نومها تبصر ضوءاً باهراً عظيماً، لكنها لا تسمع صوتها ولا صوت ولديها لأن الصوت الناجم عن الإنفجار يصمّ الآذان.

 لم تخبرنا نعيمة ما إذا نجحت طريقتها في إشعال شمعة في وعاء فيه ماء. فهي لم تستيقظ ، وما استيقظ أكرم ولا يوسف.

اللوحة للفنان: مظفر سلمان

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »