Search
Close this search box.

خطاب الكراهية في حضرة مشعل تمّو

خطاب الكراهية في حضرة مشعل تمّو

بشار عبود

ماذا لو أن مشعل تمّو لم يستشهد كما فعل في يوم أسود من أيام شهر تشرين أول/أكتوبر عام 2011؟ ماذا لو أنه ظلّ حياً إلى الآن، ليشاهد بأم عينه كيف للأفاعي قدرة الانسلال من الجحور، وبث سموم كراهيتها ذات الكرد… وذات النصارى… وذات العلويين… وذات الدروز… وذات السنّة … وذات العروبة، وذات اليمين وذات الشمال، وفي كل الاتجاهات.

هل كان سيصرّ على ترديد شعاره الشهير مطلع ثورة الحرية والكرامة في 2011، “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، أم أنه سيفكّر ملياً بعد الذي يشاهده ونشاهده من أشخاص يعتقدون أنهم يعيشون في كانتوناتهم الطائفية المقيتة؟، ماذا كان يستطيع أن يقول وهو الذي استشهد دفاعاً عن مُثُل المواطنة والوطن وأهداف الثورة العليا، وهو الذي قال كلمته الشهيرة “لن تبقى فينا يا أسد ولو أفنيتنا جميعاً”، برغم أنه كان يدرك تماماً أنه سيدفع حياته، ثمناً لمقارعته نظاماً قرر الذهاب إلى أبعد ما يمكن في أخذنا جميعاً، طوائف وإثنيات وبلادا وبشرا وشجرا وحجرا إلى ما هو أكثر من “الحرق”، ذاك الحل الذي توعّده لنا وصدق في تنفيذه، إن لم نقبل رضوخنا لـ “الأسد”!

ماذا يمكن أن يقول عن تحوّل الشعارات الثورية، من قماشة “الشعب يريد إسقاط النظام”، إلى أخرى  بائسة ومريضة وعقيمة، لا تنبئ سوى بانتشار الكراهية والحقد بين السوريين، وبهذا الكم المهول من الوضوح؟

فتلك محامية حرة!!، رشّحتها جماعتها الإسلامية لرئاسة حكومة سوريا الثورة!!، تطالب الآن، بحرق الأكراد والأقليات وإلغائهم من الوجود، لا بل وتترحّم على هتلر ومحرقته!!، وتعتبر المجرم صدام حسين بطلاً للعرب!!، وذاك عسكري تابع لنظام الأسد فقد شرفه كما سيّده، وراح يذل امرأة وزوجها ويصوّر قدرته البهيميّة على الملأ!!.. ومثله يشتم الإسلام والجوامع ويطالب بتحويلها إلى كباريهات، وآخر يرد عليه بأن نساء طائفته يعملن في الدعارة ليحصلن على قوت يومهن!!.. ما كل هذا الكفر الذي وصلنا إليه وأيّة نخاسة وصلنا إليها، أيّ عقل معاق نتمترس وراءه ونجاهر بقدرته على التدمير والتخريب؟ وأية مأساة نتغلغل فيها وأي حقد ندور فيه ونحن بكامل مناصبنا الثورية؟!.. هل تبقى لديك أي أمل في إعادة بناء هذا البلد يا أبا مارسيل؟

أتخيل لو أن هذا المناضل الكبير، قد شهد هذا الانحطاط الطائفي الكبير الذي لحق بنا على أيدي عاهات، أراهن أنها لم تخرج يوماً ضد نظام الأسد لأجل المطالبة بالحرية، وإنما لغاياتهم المريضة، ربما لم يكن ليُفاجأ كثيراً وهو العارف ببواطن هؤلاء أكثر مما يعرفون هم ظواهر أنفسهم، ولكني لا أعتقد أيضاً بأن مشعل ثورتنا، لن يمر على هذا النوع من أخطر أشكال الانحدار مرور الكرام، بل لا بد له أن يتوقف قليلاً، وربما قد يتصل بمن تبقى من شركاء الثورة والوطن ـ على قلتهم ـ، كي يقول لهم أين أنتم عن ردكم الوطني الجامع على هذه الخطابات والسلوكيات التي انحدرت بثورتنا نحو القاع الطائفي البغيض، أين خطابكم وممارساتكم ومشروعكم الوطني ليردع هؤلاء الصبية عن تخريب ما بدأه نظام الوصاية الإيراني، أين ردكم العقلاني الذي يضمن لسوريا مستقبلاً غير الذي يُراد لها..

نعم يا أبا مارسيل… نحن أحوج ما نكون لمثل هذا الخطاب والرد الوطني على هذا الخراب الطائفي فهو الأمل الوحيد المتبقي لنا في إعادة ما دمرته الحرب وتدمّره النفوس والعقول المريضة، هو الأمل الوحيد والمتبقي للبدء في بناء سوريا بعيداً عن بشاعة هؤلاء، هو الرد الوحيد كي ينعم هؤلاء المرضى، قبل غيرهم بالكرامة قبل كل شيئ، وبالحرية والعدالة لاحقاً.

مع تفكّك الوطن السوري وتشظّيه، لأسباب كثيرة لا حصر لها ولا مكان يتسع لذكرها الآن، أعتقد أنه علينا أن نشكر هؤلاء وسواهم ممّن استسهلوا ركوب الموجة الطائفية ما بعد الحداثوية، على كشفهم ما يدور في أنفسهم، بوضوح، والتحاقهم العلني بعصبياتهم القبلية وتقوقعهم داخل ميليشياتهم الطائفية وأحزابهم الديماغوجية البغيضة، وباتت الحاجة تقتضي سرعة الرد على تناسلهم الواسع، وصار لا بد من مواجهتهم بخطابات ومشاريع وطنية قادرة على مواجهة سعارهم الذي لا سابق له في تاريخنا.. هذه المشاريع والخطابات التي عجزت المعارضة السورية عن تقديمها ـ حتى الآن ـ، هي أملنا الأخير، لإنقاذ بلد يتجه نحو الضياع أمام أعيننا ويتحول شيئا فشيئا بمساعدة هذه الزُّمر وأمراء حروبهم وتقاطع مصالحهم مع الأسد، ليصبح أخطر دول العالم بحسب تصنيفات الأمم المتحدة.

الآن الآن وليس غداً، علينا أن نبدأ بهذه المشاريع الوطنية، كوننا لم نصل بعد إلى ذروة خطورة الواقع الذي ينتظرنا، مع كائنات بشرية تعمل ليل نهار، لأخذ البلد نحو حرب مذهبية يؤجج نارها كل دول الجوار والإقليم ومعظم دول العالم، دون أن ينتبهوا إلى أن حطب هذه النار لن تكون سوى سورية بالكامل وعلى الأراضي السورية، ووقودها أجساد السوريين وشجرهم وزرعهم وبيوتهم وكل تاريخهم في الحضارة.

لو قدّر لمشعل تمّو، الذي لم يكن يعتبر نفسه وجميع الأكراد السوريين سوى جزءٍ أصيلٍ من الشعب السوري، أن يكون بيننا الآن، لما رأيته يتردد في استعارة وصف السيد المسيح عندما قال لتجار الدين في عهده، بأنهم “أبناء أفاعٍ”؟ كأنني أراه بيننا الآن، يردّد صدى المسيح ويقول لهؤلاء يا أبناء الأفاعي سنخرجكم من ثوب الثورة الذي دنّستموه.

 خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »