Search
Close this search box.

هجرة الطفولة من الإجرام إلى المأساة

هجرة الطفولة من الإجرام إلى المأساة

ميس الشامي

 الحرب والاغتصاب والزواج المبكر، كل مأساة منها تشكل كارثة على أي مجتمع إنساني يتعرض لمثل هذه الحوادث، لكنها إن اجتمعت في حياة عائلة واحدة فاعلم أن المصاب عظيم، وأن الكلام لن يلخص إلا القليل.

الطفلة “ليلى” البالغة من العمر 13 عاماً، تعرضت لهذه الأقدار مجتمعة مع عائلتها. في أوائل نيسان/ أبريل من العام ٢٠١٣، هربت مع أمها وشقيقتها وشقيقها من بطش قوات النظام السوري وطائراته في حمص، ووصلت إلى مدينة الرقة بعد أن فقدت معظم أقاربها وأفراد عائلتها.

 تقول والدة ليلى: “كنت سعيدة رغم كل الدمار والموت، لأني استطعت النجاة ومعي أولادي، عندما وصلنا إلى الرقة شعرت وكأن الحرب انتهت، وأنني حقاً خرجت من الجحيم”.

للأسف لم يستمر هذا الحال كثيراً، فبعد أشهر قليلة من تحرير مدينة الرقة، استطاع تنظيم “داعش” السيطرة عليها بالكامل، لتدخل هذه العائلة ككل أهل المدينة في دوامة يمضِ وقت طويل على خروجهم من مثلها، بسبب ممارسات “داعش” الوحشية التي بات يعرفها القاصي والداني.

تتابع أم ليلى: “كنا نعيش على مساعدات الناس وبعض المعونات التي تقدمها الجمعيات والمنظمات الخيرية، وكان الحال مرضياً نوعاً ما، لم يكن لنا معين إلا ابني الذي خرجت به من حمص، وهو يعاني اختلالاً عقلياً بعد تعرضه للتعذيب مدة طويلة، وبعد سيطرة هؤلاء (داعش) ساءت الأحوال بشكل لا يطاق”.

وفي أحد الأيام وصلت ليلى تركض مسرعة، ودخلت إلى البيت باكية، بعد أن رآها أحد المهاجرين في البقالية بدون “النقاب الشرعي” رغم أنها ترتدي حجاباً !

تكمل لنا أم ليلى ما حدث: “بعد أن جاءت ليلى تبكي بدقائق، طُرق الباب ففتحت لأرى من، وإذا برجل من التنظيم طويل اللحية مصري اللهجة، يرتدي ملابس سوداء، نظر إلي صارخاً: (ارتدي النقاب يا كافرة، وعلمي ابنتك أن تستر نفسها.. ما هذا الفسق؟ ألا يوجد رجال هنا؟ نادي لي رجلاً). أخبرته أن لا رجل في البيت غير ابني المريض عقلياً، فرد علي بوجوب نستر أبداننا، ولزوم أن يكون لنا رجل يهتم بنا وبأحوالنا! ليضيف مباشرة أنه يريد الزواج بليلى، كي يستر عليها وعلينا!! انتابتني صدمة ولم أعرف كيف أُرد”.

بعد هذه الحادثة تم إجبار ليلى وأمها على هذا الزواج بضغوط تتم بالترهيب حيناً والترغيب المادي والمعنوي حيناً آخر، “ولم يكن بالإمكان التصرف بأفضل من ذلك” حسب قولها..

وما هي إلا أيام حتى اكتشفت أم ليلى أن ما يجري لابنتها في بيت هذا المصري ليس إلا اغتصاباً جنسياً بكل معنى الكلمة، وأن هذا الرجل ليس مجاهداً ولا يمت للإسلام بصلة، إنما مجرم سادي لأبعد الحدود، تقول أم ليلى: “بعد شهر من الزواج أصبحت ابنتي انطوائية جداً وقليلة الكلام، وأحياناً تصرخ فجأة بدون سبب، لأكتشف بعد فترة أنها تتعرض للاغتصاب والترهيب في آن معاً، بعد أن شاهدت كدمات زرقاء على طول جسدها وبعض آثار العض والتهابات أُخرى في الأماكن الحساسة من جسمها”.

يقول الدكتور “عمر عبد الرحمن” اختصاصي الطب النفسي في جامعة الملك سعود :

“الحرب لوحدها من الممكن أن تصيب كثيراً من الناس بحالات من الاكتئاب والانفصام في الشخصية، ولأن الحرب تجتمع الآن مع كثير من الأسباب الأخرى، فإن المرأة هي الضحية الأولى جراء ما يحصل من حالات قتل وتهجير واغتصاب وإرهاب، فهي إما أن تكون أماً أو أرملة أو زوجة طفلة أو شهيدة، وفي كل الحالات هي تعيش المأساة والجريمة بكامل تفاصيلهما”.

لم يكن ذنب ليلى سوى أنها تعيش في سوريا، ولم يكن لهذه العائلة إلا أن تناظر وتعايش ثلة من المجرمين الأكثر وحشية على الأطلاق.

رحلة هروب جديدة خاضتها أم ليلى وأولادها في بحر الظلام هذا، ليجدوا الخلاص على الأراضي التركية وحدهم بدون معيل. تقول: “جاءت ليلى لزيارتي وأثناء دقائق حزني عليها قررت الهروب بها وبأخوتها من هذا الجحيم، وخلال ساعة لملمنا حاجياتنا الخفيفة وذهبنا باتجاه تركيا”.

مع ليلى المصدومة نفسياً والمنتهكة في براءتها، والتي أصبحت تعاني من حالة اكتئاب، ومع شقيقها المختل عقلياً وأختها الأرملة التي فقدت إحدى ساقيها في الحرب، فرت الأم من الجحيم إلى المجهول..

عائلة أم ليلى كآلاف العائلات السورية، توحدت مع المأساة فأصبحا شيئاً واحداً لا يتجزأ، ولأننا على يقين بأن فضح ممارسات هؤلاء الوحوش سيزيد من فرص فناء دولتهم، سنستمر بتسليط الضوء على كل ممارساتهم ضد السوريين، كي يعرف العالم أجمع، ويسجل التاريخ ما يعانيه الإنسان في هذه البقعة المظلمة من سوريا.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »