Search
Close this search box.

الأدب النسائي العربي وهتك التابوات

الأدب النسائي العربي وهتك التابوات

خولة دنيا

أنا والله أصـــــلحُ للـمـــــــــعالي              وأمـــــشي مشيتي وأتيه تيها

أمكّنُ عاشقي من صحن خدّي              وأعطي قبلتي من يشتهيها

كان هذا ما طرزته الشاعرة والأميرة الأندلسية “ولادة” على أكمام ثوبها في مجالسها الأدبية. تلك التي امتلكت الجرأة الكافية لتروي مغامراتها الليلية مع عشيقها “ابن زيدون”:

ترقَّـــــــبْ إذا جُـــــــنَّ الظــــــلامُ زيارتي              فإنِّي رأيــــتُ الليلَ أكتمَ للسرِّ

وبي منكَ ما لو كان بالشمسِ لم تلُحْ              وبالبدرِ لم يطلُعْ وبالنجمِ لم يسرِ

وإن اعتبرت ولاّدة حالة استثنائية بسبب الحصانة التي تمتعت بها، وهي ابنة الحاكم، فإن التاريخ العربي لم يحمل الكثير من هذه الاستثناءات النسائية حتى زمن قريب، وهو ما جعلها رمزاً للحرية والانعتاق من ثقافة مجدت الذكورة وقمعت الأنوثة.

الأدب النسائي العربي وكسر الهيمنة الذكورية:

في تفسير لظاهرة “الإباحية” في الأدب النسائي العربي، يربط البعض بينها وبين الحروب، مستندين إلى الحركة الأدبية في العراق بعد الحرب، وإلى اعتبار الجنس ردة فعل طبيعية على الحرب والقتل والدمار، وسبيلاً للحفاظ على النوع بهدف البقاء، والمرأة معنية بالخلق أكثر من عنايتها بالقتل. إلا أن هذا التفسير غير كافٍ ربما، إذا لاحظنا تجارب كثيرة لحروب لم تترافق مع نهوض وخرق المحرمات من قبل الأديبات.

لكن هل بالغت النساء العربيات في كسر التابوهات مع الربيع العربي، أم يمكننا القول إنه بدأ قبل ذلك بكثير، ولكنه تجلى بوضوح أكبر خلال هذه السنوات الأخيرة، وفي دول عربية كثيرة لم يطلها الربيع العربي كالسعودية مثلاً؟ من ناحية أخرى: هل نرى تراجعاً في دور النساء بسبب تراجع المجتمعات العربية بعد الربيع العربي؟ وهل رافقه هبوط في مستوى ما قدمته النخبة الأدبية النسائية العربية؟

الأدب النسائي العربي الثوري، بدأ منذ فترة طويلة ولم يتوقف حتى اليوم، فخلال المائة عام الماضية، ظهرت أسماء عربية لامعة تمردت على الاحتكار الذكوري للأدب والصحافة، حتى أمكننا اليوم القول بوجود أدب نسائي عربي. في كل من العراق، سوريا ولبنان وفلسطين والسعودية ومصر وتونس والمغرب والكويت، أسماء عرفناها، ماتزال بصماتها واضحة للعيان من أمثال: نوال السعداوي، فاطمة المرنيسي، جمانة حداد وعلوية صبح. وقد يكون تمردها، الذي ظهر في الأدب بشكله الجلي، انعكاساً لتمردها على النظم البطريركية في العائلة والمجتمع، حيث أرادت تكريس شكل أكثر إنسانية للتعايش، فاستطاعت نقد الإيديولوجيا السائدة، وتعرية العنف السائد على المستويين الخاص والعام.

مستويات مختلفة لمجتمعات مختلفة:

تربط مجتمعاتنا العربية بين النزعة التحررية النسائية والرذيلة، وتختلف التابوهات العربية باختلاف تلك المجتمعات، فما يعتبر كسراً لها في السعودية، يكون أقل من عادي في مصر، سوريا، لبنان أو العراق.

وإذا كانت حركة كسر القيود قد بدأت قبل عشرات السنين في تلك الدول، نرى أن المحاولات بدأت في السعودية قبل بضع سنوات مع رجاء الصانع، صبا الحرز ووردة عبد الملك. بينما تبرز من الأردن عفاف البطاينة وليلى الأطرش، وفي الكويت نجد ليلى العثمان وعالية ممدوح في العراق، وحسيبة عبد الرحمن في سوريا. بالإضافة إلى أديبات عربيات كثيرات استطعن كسر الهيمنة وسطع نجمهن في الوسط الأدبي، كما فضيلة الفاروق، سلوى النعيمي، سمر يزبك وروزا ياسين حسن… إلخ.

وإذا كان أمكن القول إن مفهوم الأدب النسوي (أي الأدب الذي يعالج قضايا المرأة وتكون المرأة موضوعه)، لم يعد انعكاساً للحركة النسوية التي ظهرت في ستينات القرن الماضي والتي قادتها المفكرات والأديبات والباحثات، وكان تعبيراً عن نضال فكري لنيل الحقوق والمساواة، فإن ما تكتبه المرأة اليوم تجاوز تلك المطالبات باتجاه عالم أرحب إنسانياً.

الربيع العربي والمبالغة في كسر التابوهات:

بكل بساطة يمكن اتهام النساء الأديبات بأنهن كاتبات جنس، راغبات شهرة، إن هنَّ تناولن هذا المجال الذي بقي لولا بعض الاستثناءات، مجالاً ذكورياً بحتاً. ناسين أو متناسين أنها حالة إنسانية لا حدود لتناولها ومعالجتها فنياً وأخلاقياً.

في ثالوث ظالم، من الطبيعي أن يكون هدف النساء تفكيكه بغية رفع الظلم الخاص عنهن، فالدين يظلم المرأة، والسياسة تظلم المرأة، وفي الجنس كذلك يتم تقييدها وحرمانها. وإذا كان موضوع الجنس يحتل درجة أعلى من الاهتمام والتناول لدى الأديبات العربيات، إلا أن الثالوث مترابط، فالجرأة على تناول محرمات الجنس والدين غير ممكنة بعيداً عن موضوعة السياسة ودور المرأة فيها. وإذا كان تناول موضوعة الجنس مرتبط بحركات التحرر النسائية، فمن الطبيعي أن تتناوله النساء كجزء من رفع الظلم ونشد العدل والمساواة، فالسياسة يمكن أن تتغير، لكن واقع المرأة وتهميشها وعدم حصولها على أبسط حقوقها يستمر. من هذه المقدمة يمكن البناء على المشاركة النسائية الفاعلة والمؤثرة في الحراك المجتمعي الثوري العربي، وما انعكس عنه من كسر لحاجز الخوف على نطاق واسع من مختلف شرائح المجتمعات العربية بذكورها وإناثها.

غير أنه، ومع التحولات الحالية نحو العسكرة واستمرار الحرب والخيبات التي أصيب بها كثير من الشباب العربي، يتم تهميش دور الكتابة لصالح السلاح، ولصالح الحرب، حيث يتم التعامل معها باعتبارها نوعاً من النضال السلمي والرفاهية الزائدة غير المؤثرة، بسبب عنف الديكتاتورية وهمجيتها في قمع الثورات، وما نتج في المقابل من قمع باسم الثورة وتجلى بصعود الإسلام السياسي الذي يتم تكريسه في الحرب المستمرة في سوريا وليبيا والعراق.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل كون الأدب عامةً وأدب المرأة خاصة (الشعري والسردي والثقافي) معادلاً موضوعياً للتغيرات الحاصلة في المجتمعات العربية، والتحولات السياسية المهولة التي يشهدها هذا العالم، خاصة مع المشاركة الفاعلة والمباشرة، والأثمان الباهظة التي قدمتها النساء كجزء من حركة مجتمعية عامة وشاملة. فما كان مسكوتاً عنه في السابق، من تحييد وتهميش للنساء، في مجال الحقوق والعدل والمساواة والسياسة والدين، مازال حاضراً وبقوة أكبر، بسبب الوعي الذي امتلكته النساء تجاه تهميشهن، وبسبب البدائل التي استمرت في تحييد النساء وإقصائهن عن مواقع الفعل والقرار فيما يخص حاضرهن ومستقبلهن.

من جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن الجانب المظلم لهذا الربيع، هناك خطر لا يمكن تجاهله، وهو أن تحمل هذه الثورات في نتائجها النهائية تراجعها في حقوق ومكتسبات المرأة، خاصة مع تنامي الإسلام السياسي، وبالتالي قمع مطالبتها بالحرية والعدالة والمساواة، ومشاركتها السياسية والحقوقية.

بانتظار ما ستنتجه الثورات العربية على صعيد المجتمع وعلى صعيد أوضاع المرأة في البلدان العربية، ننتظر كذلك ما ستتركه هذه الثورات من بصمات على الأدب العربي، وعلى أدب المرأة خاصة، وننظر إلى ما أحدثته من تغيرات وشروخ لعلها تكون نقلة نوعية في قدرة المرأة على امتلاك الجرأة بشكل واسع، للتعبير عن ذاتها والمطالبة بحقها بالمساواة والعدل، وإظهار موقفها بعيداً عن التابوهات والمحرمات.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »