Search
Close this search box.

عندما تتحول “بطاقة الهوية” إلى كابوس يهدد المواطن السوري

عندما تتحول “بطاقة الهوية” إلى كابوس يهدد المواطن السوري

سحر حويجة 

الهوية السورية الجامعة بما تعنيه من انتماء ومواطنة تتعرض للتدمير والتهشيم بسبب من الانقسامات العميقة نتيجة الحرب الداخلية الدائرة، التي تهدد الوطن السوري بالتقسيم جغرافياً على أساس من الانتماء الطائفي أو الإثني، وذلك تبعاً للمصالح الخاصة والفئوية الضيقة لأمراء الحرب. هذا الخطر الداهم على مصير المواطنة والوطن السوري، يقابله خطر آخر يهدد المواطن السوري حامل هوية البيانات الشخصية، نتيجة السياسات القمعية والتمييزية التي يتبعها النظام والقوى التكفيرية، حيث الهوية الشخصية تهدد المواطن نتيجة انتمائه إلى منطقة بعينها أو عائلة بعينها وقد يتم القتل على الهوية . معلومات التعريف الشخصية هذه قد تودي بصاحبها إلى السجن، أو سوقه قسراً إلى الخدمة الإلزامية، وفي أحسن الحالات مساءلته والتحقيق معه.

حالة تعكس الشك والريبة وانعدام الثقة بين المواطن والسلطة، وتؤدي إلى هروب المواطن حتى من نفسه. إن مسألة تفييش الهوية الشخصية، أي الاستعانة بالحاسوب لجمع المعلومات عن المواطنين، هذا الإجراء في الوضع السوري، يشكل تهديداً حقيقياً  يجعل المواطن السوري في حالة من الذعر والخوف والتوتر الدائم، بحيث يسعى إلى التهرب من تفييش هويته بكل الوسائل الممكنة. وينتج عن ذلك أن الكثير من الشباب لا يتنقلون إلا مشياً على الأقدام، أو على الدراجة الهوائية في زياراتهم حتى البعيدة أو إلى أماكن العمل في القطاع الخاص، لأن العاملين في قطاع الدولة تحت الرقابة والسيطرة. كما أن الشباب يمتنعون عن التنقل من محافظة إلى أخرى خوفاً من الحواجز حيث يقوم العناصر بالتعرف على المواطنين من خلال الهوية المرفقة دائماً بورقة تشير إلى عذر في تاجيل صاحبها من الخدمة العسكرية، و الخوف الأكبر في سياق البحث عن مشتبه به مطلوب غالباً ما يكون من سكان منطقة ما عرضة للشبهة حيث يتم إنزالهم من الحافلة وتفييش هوياتهم.

ويزيد على ذلك الخوف الشديد من تشابه الأسماء مع مطلوبين قد ينتهي بهم الأمر إلى الاعتقال والتغييب القسري. الخوف من الهوية حالة تتحكم بالمواطن السوري، وتنعكس آثارها على تصرفات المواطنين وأعمالهم وتعاملاتهم، على سبيل المثال الحاجة لشاهد في الإجراءات القانونية من أجل إتمام معاملة ما، ستجد نفسك تبحث لأيام عديدة عن هذا الشاهد وتصطدم برفض كل من يهمه الأمر الشهود الحقيقيين، الذين لديهم المعلومات المطلوبة عن الواقعة تخولهم أداء الشهادة، من الجيران، الأقرباء والأصدقاء، بسبب الخوف من تفييش هويتهم على الكمبيوتر و يقع المحظور .

وهناك معاناة أخرى عندما يحتاج شخص شهادة وفاة أحد الشهداء تحت التعذيب، مع إن شهادة الوفاة صادرة من أحد المشافي التابعة للنظام، على أن الوفاة حصلت نتيجة سكتة قلبية. لإتمام معاملة الوفاة عليك بإجراء ضبط في قسم الشرطة الذي يتبع له المشفى، هذا الضبط يحتاج شاهدين، مهمتهما بسيطة تتلخص بمعرفتهما بالشخص المتوقي أو معرفة زوجته، لتأكيد واقعة الوفاة الثابتة بالتقرير الطبي، منعاً لأي التباس أو تشابه في الأسماء. شهادة شكلية لا حاجة فيها لتحليف اليمين، أضف إلى أن الشرطة تسهل أمرك طمعاً بمنفعة مادية أو نتيجة مكانة الشخص طالب المعاملة، حيث تظهر حرصاً منها على عدم هدر وقتك، تعطيك الموافقة على إحضار شاهدين كيفما اتفق دون شروط،.

وخلال عملية البحث عن شاهد، يتهرب الجميع من تقديم هذه الخدمة بذرائع مختلفة مثل “لا أستطيع ترك المحل …عندي شغل”، والحقيقة أن الجميع خائفين من توقيفهم أو لكونهم مطلوبين احتياط، كما يخافون من الإدلاء بمعرفتهم شخص تعتبره السلطة إرهابياً. وهذا بحد ذاته تهمة، إذن عليك أن تبحث عن شاهد يبيع شهادته.

ما لفت انتباهي أن عمال النظافة في المنطقة التي يوجد بها قسم الشرطة يقدمون شهادتهم مقابل مادي، غير آبهين بسبب قربهم من عناصر الشرطة وحمايتهم لهم، من أجل تقاسم المغانم. ويقوم المواطنون أصحاب الحاجة إلى شهود بالتنافس عليهم. كما قد تصادف من يقبل الشهادة من ذوات الحاجة الماسة مقابل مبلغ من المال. في كل الحالات عناصر الشرطة يعرفون حقيقة أن هذا الشخص ليس شاهداً حقيقياً فأثناء التحقيق في معرض تقديم الشهادة، سوف يسقط في الفخ وينكشف أمر جهل الشاهد بوقائع الأمور، والحل عليك أن توزع إكراميات لرجال الشرطة حتى يغضوا النظر.

وهكذا فإن هذه الشهادة الشكلية تكلفك من الوقت والمال والضغط النفسي ما يجعلك تحسب ألف حساب قبل أن تدخل إلى أحد أقسام الشرطة لإجراء معاملة. والجدير بالذكر أن شهادة المرأة غير مقبولة في أقسام الشرطة حتى في حالة تحقق شرط الشهادة بإحضار بدلاً من الشاهدين أربعة شهود من النساء وهو النصاب الشرعي لشهادة النساء في القضايا الشرعية، كون الوفاة من القضايا الشرعية. وعدم قبول شهادة النساء، على الرغم من سهولة تأمين نساء لأداء الشهادة، بسبب عدم وجود أسباب تجبرهن على التهرب من تفييش الهوية. وعندما سألتهم لماذا لا يقبلون شهادة النساء؟ كان ردهم هذه هي التعليمات. لكن الحقيقة أن أقسام الشرطة يتم الاعتماد عليها من قبل السلطة لخدمة غايات النظام، لسوق الشباب إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، أو اعتقالهم.

المرأة السورية في هذه الظروف تتمتع بتمييز ايجابي، فيما يتعلق بموضوع الهوية وتفييشها، ففي كثير من الأحيان لا يطلب من المرأة هوية على الحواجز، ويقتصر الطلب على الشباب، ونادراً ما يتم إنزال امرأة من وسائل المواصلات على الشبهة. لكن يختلف الوضع في حال كانت مطلوبة. لكن رفض شهادتها في أقسام الشرطة، هو غاية التمييز ضد المرأة و انتقاص من أهليتها، و عدم اعتبار لمواطنتها.

وتترك الهوية الشخصية أثراً سلبياً وفألاً سيئاً عند المواطنين السوريين، ليس للأسباب السالف ذكرها فحسب، بل لسبب آخر ذو دلالة عميقة ومؤثرة، حيث تقوم فروع المخابرات عند استشهاد أحد المعتقلين في أقبية التعذيب، بتسليم الهوية الشخصية إلى أهل المعتقل، بدلاً من تسليم الجثمان، وفي هذه الحالة تسليم الهوية للأهل يعني وفاة المعتقل حكماً. الضغط والإكراه المتعدد الأشكال، يجعل المواطن السوري يكره ذاته رافضاً هويته الشخصية، التي تحولت إلى رمز الظلم والإكراه والتعسف بحقه.

خاص “شبكة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »