Search
Close this search box.

عن سوريا التي لا نعرفها

عن سوريا التي لا نعرفها

ترجمة وإعداد: فراس يونس 

أخرجت امرأة شابة في دمشق هاتفا ذكياً من حقيبة يدها، وسألتني : “هل لي أن أريكم شيئا؟” و ظهرت على شاشة الهاتف سلسلة من الصور، كانت أولها صورة عائلية لشاب ذي لحية خفيفة في العشرينيات من عمره، و بجانبه صبيين كانا يبدوان في الخامسة  أو السادسة من العمر يرتديان قميصين. بدا الشاب ونجلاه مبتسمين، مشيرةً إلى الأب، قالت المرأة: “هذا أبن عمي”. والصورة التالية على عكس الأولى كانت من الإنترنت لنفس الشاب، ولكنه كان قد قطع رأسه، و بجانبه وضع خمسة رجال آخرين في العشرينيات و قد ألقيت رؤوسهم المدماة فوق صدورهم بشكل مماثل له. أشحت نظري بعيداً.

تحرك إصبعها ليسحب الشاشة، و يكشف عن صورة أخرى لابن عمها و أصرت علي أن أراه. كان وجهه الذي بدا للوهلة الأولى سعيداً مثبتاً على خازوق معدني. كان ذلك الخازوق واحداً من عدة خوازيق موضوعة على سياج حديقة عامة في الرقة، وهي عاصمة الولاية الواقعة على نهر الفرات بعيداً عن وسط سوريا. على طول السياج كانت الرؤوس المقطوعة الأخرى على مرأى الأطفال الذين يمرون بها في طريقهم إلى الملعب.

وكان ابن عم المرأة مع زملائه الخمسة جنوداً في الفرقة 17 في الجيش الاحتياطي السوري. حيث قامت الدولة الإسلامية في العراق و الشام (ISIS) بأسرهم عندما اجتاحت مطار الطبقة العسكري الذي يبعد قرابة خمسة وعشرين ميلاً من مقرهم في الرقة، و ذلك في الرابع و العشرين من آب العام الماضي (2014). وكان العزاء الوحيد للعائلة أن الشاب كان ميتاً بالفعل عندما قطعوا رأسه، و لم يكن هناك أي أمل في إعادة الجسم أو عقد الجنازة. وبعد أسابيع قليلة فقط قامت داعش ISIS  بقطع رؤوس الصحفيين جيمس فولي وستيفن ستولوف وعمال الإغاثة ديفيد هاينز وألان هينينج، في استفزاز واضح للأمريكان والبريطانيين .

وأوضحت المرأة أن ابن عمها قد أضاع مؤخراً فرصة لترك وحدته و الالتحاق بموقع آخر أكثر أمانا بالقرب من منزله. و لكن ذلك لم يكن مقبولا بالنسبة له بوصفه فرداً من الأقلية العلوية طائفة الرئيس السوري بشار الأسد، أن يترك رفاقه السنة فمكث معهم  ومات معهم.

لم تنشر الحكومة السورية أعداد الضحايا من قبل الطائفة، ولكن نعوات القتلى التي تم لصقها على الجدران في مدن الساحل  وقراه، تشير إلى أن العلويين كان لهم حصة غير متناسبة من القتلى في الحرب للحفاظ على سلطة الأسد. هناك أسطورة صادرة عن المعارضة الإسلامية السنية مفادها أن العلويين كانوا المستفيد الرئيس من حكم عائلة الأسد في سوريا منذ أربعة وأربعين عاماً، ولكن يصعب العثور على أدلة عن ثروات العلويين  خارج العائلة  الرئاسية. و المكتسبات الهزيلة التي حصل عليها الفلاحون، والتي ميزت حقبة ما قبل الأسد، ما تزال القاعدة في جبل العلويين، حيث تعيش معظم الأسر على محصول بضع فدادين. كما حصل بعض التجار العلويين على وضع  أفضل في المدن الساحلية كاللاذقية وطرطوس، ولكن ذلك مماثل لما حصل عليه السنة والدروز والمسيحيين ورجال الأعمال. وهذا قد يفسر جزئيا من ملاحظاتي الخاصة سبب عدم حمل السلاح في وجه النظام من قبل نسبة كبيرة من السوريين السنة، و الذين يشكلون نحو 75 في المئة من السكان. و لو أنهم فعلوا ذلك لما استمر النظام.

وقد أدى تزايد أعداد الشباب من العلويين الذين قتلوا أو أصيبوا إصابات بليغة أثناء تأديتهم لخدمتهم في الجيش والميليشيات المدعومة من النظام إلى الاستياء بين الناس الذين ليس لديهم خيار آخر سوى القتال من أجل الرئيس الأسد، والحفاظ على مؤسسات الدولة الخاصة بهم سليمة. و يتطلب منهم البقاء على قيد الحياة دعم النظام طالما أن الجهاديين السنة يقتلونهم أينما وجدوهم، و يلقي العديد منهم اللوم على المعارضة لإجبارهم على الوصول إلى هذا المأزق.

بعد أن تم قطع رأس ابن عم صديقتي ورفاقه في الطبقة وترك جثثهم في شوارع الرقة، أعدم داعش علناً مائتين من الجنود الآخرين الأسرى. ثم إن أحد الأشخاص الذي يقال إنه منشق عن العلويين، أعلن على الفيسبوك، “الأسد في قصره وأبناؤنا في قبورهم”.

و يماثل  إحباط العلويين، إحباط المعارضين السلميين لنظام الرئيس الأسد. مقاهي دمشق التي التقيت فيها النشطاء الشباب المناهضين للأسد في بدايات الانتفاضة هي الآن في معظمها فارغة، وتبدد الحماس الأصلي. بعض المنظمين باتوا في السجن، والبعض الآخر قد ذهب إلى المنفى، وخاب أملهم في تمرد العديد من العلويين على النظام. لكن العلويين الذين يتذمرون بشكل غير رسمي، فهم عاجزون. وقال أحد المحتجين السابقين لي: “قضيت ثلاثة أيام في السجن، وثلاثة أيام من الجحيم. لقد ذهبت إلى عملي و ابتعدت عن السياسة. ” و هو يخشى داعش ISIS  أكثر من خوفهم من قوات الأمن الذين ألقوا القبض عليه، ويحاول تجنب كلاهما على حد سواء.

لم يمض أقل من عام على الانتفاضة السورية حتى ظهرت الميليشيات المسلحة التي اندمجت في الجيش الحر (FSA) والجبهة الإسلامية لتشتيت وتذرير المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. بنى الجيش الحر FSA أمله في التمرد على تكرار حملة الناتو التي أطاحت بمعمر القذافي في ليبيا. و “عندما فشلوا في تحقيق ذلك”  كتب باتريك كوكبرن في إضاءة له في كتابه: عودة  الجهاديين: ISIS داعش و الانتفاضة السنية الجديدة” لم يكن لديهم خطة بديلة.” * دون الدعم الجوي الذي كانوا يطلبونه،  وصل الجيش الحر و الجبهة الإسلامية إلى طريق مسدود.

جاء داعش ISIS وكان الأكثر قوة قتالية، و الأكثر قسوة، و الأفضل تمويلاً، و فعالية، و ذلك من خلال التنقل عبر البادية  ما بين سوريا والعراق و شن هجمات مفاجئة. كما قاموا باستخدام فرق انتحارية في شاحنات مليئة بالمتفجرات لفتح الطريق إلى معاقل النظام الذي عمل خصومه المتمردين على حصاره فقط. وعلاوة على ذلك، فقد حققت الهدف الوحيد الذي استعصى على غيره : أنها جلبت القوة الجوية الأمريكية في الحرب، ولكن ليس في الطريقة التي يريدها الجيش الحر FSA. بدلاً من ذلك، أنتجت الحرب السورية معارضة للأسد شديدة التطرف و العدائية و لذلك فإن الحلفاء الغربيين في المنطقة عندما  أرادوا التدخل جاء تدخلهم جواً و جاء تدخلهم في غطاء يحالف النظام في كل شيء إلا بالاسم.

منح اهتمام أمريكا في انقلاب سياستها، من تهديدها بقصف النظام في شهر أغسطس عام 2013 إلى ضرب أعداء النظام هذا العام، الأمل للنظام. و لقد رأت أن الأمر لا يقتصر في إبقائه قائماً إلا أنه سيصبح – ولكن سراً- شريكاً للدول التي عملت كل ما في وسعها لإزالته. على الرغم من أنني غادرت سوريا قبل قصف الولايات المتحدة المدن التي يسيطر عليها داعش ISIS، والأهداف التي تحولت إلى صوامع الحبوب و منازل المدنيين فإنني أتوقع أن يقابل المسؤولون السوريون التدخل الأميركي بارتياح.

كانت الاتصالات مع الولايات المتحدة جارية على الأقل منذ 20 يونيو / حزيران 2014، عندما التقت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والأمين المساعد الأسبق لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان في أوسلو. فيلتمان كان يحضر المؤتمر بصفته المسؤول في الأمم المتحدة المعين حديثاً، و لكنه كان لا يزال له صلاته بوزارة الخارجية. و قد روى مسؤولون حضروا لقاءه مع الدكتورة شعبان الحديث الذي دار بينهما حيث قال فيلتمان لها: “نحن نعرف الرئيس الأسد سيبقى، ولكنك تعرفين ما قاله الرئيس أوباما. لذا، كيف يمكننا حل هذه المشكلة؟ “وقد قلت لمدة ثلاث سنوات أن الأسد يجب أن يرحل، و لم يشرح أوباما بعد  لماذا استطاع الأسد أن يبقى لهذا الوقت. إن هذا التغيير لن يكون غير عادي لرئيس أميركي، حيث أن سمة العداء في العلاقات السورية الأمريكية كانت موضوعاً متكرراً في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا طوال عهد الأسد و تلاها التعاون و ذلك عند حاجة الجانبين إليه.

خلال السنوات الأولى من حكم حافظ الأسد، والتي بدأت في عام 1970، ورفض ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر التعامل مع سياسة النظام الموالية ظاهرياً للاتحاد السوفياتي. و وضعت حرب أكتوبر 1973، التي شنتها مصر وسوريا لاستعادة الاراضي التي احتلتها اسرائيل في عام 1967 حداً لذلك. طار كيسنجر إلى دمشق في ديسمبر 1973، وكتب لاحقا:

لقد أبديت احتراماً عالياً للأسد.  في الواقع كان معتدلاً في السياق السوري . انحنى نحو السوفييت كمصدر للمعدات العسكرية. لكنه كان بعيدا عن كونه ألعوبة السوفيتية. كان لديه عقل استراتيجي ، يترافق مع مزاج شرير من الدعابة .

فتحت الولايات المتحدة سفارة لها في دمشق في عام 1974 وتمتعت بشهر عسل قصير مع الأسد الأب، حتى كان التدخل في لبنان الأمر الذي جعل منه شخصاً غير مرغوب فيه مرة أخرى في واشنطن. لكن دنو الانتصار القريب من قبل فصائل المقاومة  الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1976 دفعت كيسنجر أن يطلب من الأسد إرسال جيشه إلى لبنان للسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية وإنقاذ المسيحيين في لبنان.

بحلول عام 1982، كان الحنق  في الولايات المتحدة يتصاعد مرة أخرى جراء تقديم الأسد مساعدات لياسر عرفات . وهذا الأمر بالنسبة إلى عرفات تحول إلى أن يكون كارثياً. و التسامح أو التغاضي السوري عن تصرفاته السيئة فاقمت من أوضاع شعبه كما الفصائل  الفلسطينية. ترك رونالد ريغان الإسرائيليين مهمة إبعاد جيش الأسد عن معظم أجزاء لبنان. وبعد سنوات قليلة، عندما جعل (حزب الله) الحياة لا تطاق في بيروت الغربية، و كان الغربيون لقمة سائغة  للخاطفين، دعت إدارة بوش الأولى سورية  للتدخل مرة أخرى في المنطقة  بعد أن كانت أخلت جيشها في عام 1982.  تلا هذا تجميد آخر في العلاقات التي انتهت، عندما طلب بوش و وزير خارجيته، جيمس بيكر من سوريا المشاركة في الحرب لطرد العراق من الكويت.  و التزام الأسد جعل منه بطلاً مؤقتاً في البيت الأبيض، لكنه جعل من الأسد منبوذا من وجهة نظر القوميين العرب وقطاع عريض من مواطنيه .

بعد الحادي عشر من سبتمبر، تصدر التنسيق الأمني، قائمة الإهتمامات الأمريكية في علاقتها مع السوريين. وانتهت تلك العلاقة مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005 ، وانسحاب الجيش السوري  من لبنان بعد أن اتهمتها بالتآمر ضد الحريري.

 بينما كانت الاحتجاجات ضد بشار تتزايد مع كل طلعة جوية أمريكية ضد أعدائه في شرق البلاد، كانت دمشق والمدن المكتظة بالسكان في الشمال تتمتع براحة من الحرب. أفادت وزارة التربية السورية أن من بين 22000 مدرسة في البلاد هناك أكثر من  17000 مدرسة قد تم إعادة فتحها في الوقت المحدد في منتصف سبتمبر. وغني عن القول، أنها جميعها تقريباً من المدارس التي تعمل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. الأسواق في المدينة القديمة في دمشق مفتوحة على عكس نظرائها الأكثر اتساعاً والتي دمرت الآن في حلب.

مايك

في مدينة دمشق القديمة، حيث مكثت في القصر العثماني الذي تم تحويله إلى فندق، كنت أسمع في الثامنة من كل صباح هدير الطائرات الحربية السورية. نفذت ضربات على ضاحية جوبر، وليس أكثر من بضع مئات من الأمتار من أسوار المدينة القديمة. معظم سكان جوبر فروا منذ فترة طويلة، وقد تحولت مبانيها إلى أنقاض تحت قصف لا هوادة فيه. المتمردون يقولون أنهم في أمان تحت الأرض في الأنفاق التي كانوا قد حفروها هم أو سجنائهم على مدى العامين الماضيين. يطلقون قذائف هاون في بعض الأحيان لكن الدمشقيون لا يكترثون بها .

الناس في المدينة يرفضون أن يروا أو يسمعوا العنف في الضواحي . ويصبح من السهل  التظاهر بعدم وجود حرب، ما لم تسقط قنبلة قريبة جداً أو يقتل شخص تعرفه. في أحد الأيام بينما كنت أقود سيارتي ، خلال مروري في حي أبو رمانة الراقي سقطت قذيفة هاون أصابت الممتلكات العامة، فأصابت خزان الوقود، وتصاعد الدخان الاسود السماء لكن المتسوقين القريبين من الموقع تابعوا تسوقهم و كأن شيئا لم يحدث.

جوبر ليست المنطقة الوحيدة خارج السيطرة الحكومية ، لكن الحكومة تعاملت بنجاح أكبر مع المناطق الأخرى. مسؤول في الأمم المتحدة  يقول أن الحكومة استعادت السيطرة على بعضها مثل المليحة في أغسطس 14. وفي حالات أخرى كما قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة، كانت الاستراتيجية أكثر  دهاء حيث يعقد قادة من الجانبين المتحاربين اتفاقيات محلية بعدم محاربة بعضهم البعض. “والاتفاقات المحلية بالنسبة لهم هي مرحلية فقط ضمن استراتيجيتهم العسكرية”، وقال مسؤول في الأمم المتحدة شارك في المحادثات بين الجانبين. “المناطق متشظية، وتدابير العزل والحصار، تجبر الناس على التفاوض . تسمي  المعارضة هذه السياسة بالركوع أو التجويع ، بينما تستخدم الحكومة مصطلح “المصالحة”  في الواقع هو استسلام “.

وأضاف ” يبدو الوضع أكثر هدوءً في دمشق”، واعترف عامل اغاثة في الأمم المتحدة “، هناك مناطق  أخرى تحت النار”. ومع ذلك، فإن النار تشتعل بعيداً إلى الشمال والشرق من دمشق، و على امتداد عدة أميال من المناطق السورية المأهولة بالسكان. الطرق المتجهة غرباً إلى لبنان و شمالاً من دمشق إلى حمص تبدو كما لو أنها أصبحت وسط دمشق متجاورة مع المناطق التي تعتبر شرياناً حيوياً لبقائها. المشهد الأول الذي شاهدته عندما كنت أقود سيارتي على الطريق السريع شمال العاصمة هي منطقة حرستا التي دمر معظمها و أصبحت مهجورة. ثم  عدرا، وهي المدينة الصناعية التي تم السيطرة عليها في العام الماضي بصورة وحشية من قبل الإسلاميين الذين ذبحوا سكانها العلويين. و بعد فترة وجيزة عدت و كانت الحكومة قد استعادتها مرة أخرى ودعت الصناعيين للعودة.

و إلى الشمال، الطريق السريع يعبر الأراضي المفتوحة من المزارع والقرى الفلاحية. وقبل عام كان هذا الطريق غير آمن من قطاع الطرق والمتمردين على حد سواء حيث كانوا ينصبون الحواجز الطيارة للمطالبة بالمال أو السيارات وخطف أولئك الذين تبدو عليهم مظاهر الغنى بما يكفي لتحمل الفدية. و لم تكن هناك منطقة عازلة لطوائف الأقليات مثل العلويين و الإسماعيليين و المسيحيين، وكذلك لزيارة الغربيين. وبعد مرور عام، تغيرت الأجواء تماماً .

سلم ثوار حمص، مهد الثورة منذ عام 2011، مواقعهم للحكومة وغادروا بالأسلحة الخفيفة منذ مايو 2014. فقط منطقة الوعر التي تبعد نحو ميل من المدينة القديمة لا تزال في أيدي المتمردين ومحاصرة من قوات النظام. هناك هدنة متوترة تنتهك بانتظام، ولكن المدينة  في معظمها هادئة. وبعض المدنيين عادوا إلى ديارهم، التي هي  بحاجة لكي يعاد بناؤها بعد ثلاث سنوات من القتال. وقد وجدت المسيحيين الفارين من المناطق التي اتخذتها داعش ISIS و أقامت جماعات الجبهة الإسلامية ملجأً مؤقتاً في الكنيسة الأرمنية في المدينة، وتعمل منظمات الإغاثة المحلية على مساعدة الناس من كل الطوائف.

من حمص باتجاه  الشمال إلى مدينة حلب لا يزال الطريق غير مستقر كالطريق الآمن . حلب التي هي مثل دمشق تعد أكبر مدينة في سوريا، هي منطقة رئيسية  لمعارك  النظام وقوى المعارضة المتناحرة، الذين يقاتلون بعضهم بعضاً بقدر ما يقاتلون الجيش النظامي. وحدد تقرير هيومن  رايتس  ووتش هذا الصيف مئات المواقع في حلب التي تعرضت للهجوم، في كثير من الأحيان باستخدام “البرميل المتفجرة” من قبل القوات الحكومية.

الطريق غرباً نحو البحر على كل حال هو آمن لمن لا يربطه تحالف مع المتمردين. قلعة الحصن القلعة الصليبية الشهيرة، والتي كان المتمردون يستخدمونها  لقصف الطرق السريعة والقرى المجاورة، هي في قبضة الحكومة من جديد. والأمر كذلك في مدينتي القصير والقلمون، التي كان المتمردون قد استخدموها للحفاظ على خطوطهم من العرض مفتوحاً نحو لبنان. تمر الطريق عبر الحقول حيث بدأ محصول التفاح وسيتم قريباً جمع الزيتون. مدينة طرطوس الساحلية تضج بالحياة، كما  لو أنه لم يكن هناك حرب قط. و العبّارات تقل العائلات إلى جزيرة أرواد لتناول طعام الغداء، كل عشرين دقيقة.

شمالاً، عانى ميناء اللاذقية قصفاً فقط في المناسبات النادرة التي احتل فيها المتمردون مواقع في المرتفعات الجبلية ، إلى أن قام الجيش بدفعهم الى الوراء. قد يبدو الأمر غريباً لمن يتتبع الصراع من خارج سوريا، حيث الشاطئ الممتد أمام فندقي في اللاذقية كان يعج بالأسر الذين يسبحون في البحر وعدد النساء اللاتي يرتدين البيكيني ليس بالقليل.

و مع ذلك فهناك خوف من أن هجوماً كبيراً من قبل داعش ISIS والجماعات الجهادية المماثلة من شأنه أن يضع حداً لهذه الجزر من الحياة العادية.

 يصعب على السوريين التصديق  بأن دول الخليج وغيرها الذين يدعمون داعش ISIS بالأسلحة والتمويل والمقاتلين، ينخرطون اليوم في تحالف دولي أمريكي لإسقاطها.

على الرغم  أن داعش ISIS  تتجاوز الحدود ، حتى بالنسبة لداعميها. و الخلافة التي أعلنت في أجزاء من سوريا والعراق ضربت على وتر حساس قوي مع المتعصبين الإسلاميين في المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، والدول الأخرى التي سهلت التوسع السريع والمسعور للمجموعات المسلحة، فإن على هذه الدول أن تخشى ، من أن حشدهم  الذي  دفعوا به إلى سوريا سيرتد عليهم ضررها. “إنهم كمثل من يروض أسداً” كما أخبرني دبلوماسي عربي في دمشق، وأضاف “إنه يطعم الأسد و يدربه، و لكن الأسد قد يقتله في اللحظة المناسبة”.

تشارلز غلاس

New York Review of Books – 6/11/2014

اللوحة للفنان السوري “نزار حطاب”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »