ترجمة وإعداد: ليلى محمود
في الشهر الماضي، أصدرت الوكالة المناهضة للاتجار بالبشر في نيجيريا إعلاناً مذهلاً: فقد جمعت أدلة على احتجاز حوالي (20) ألفاً من النساء والفتيات النيجيريات في بيوت دعارة في مالي. ومن بين أولئك اللواتي تمّ اكتشافهن تلميذات تعرضن للاختطاف، وأجبرن على ممارسة البغاء، وهو ما يذكّرنا باختطاف 300 تلميذة في نيجيريا من قبل جماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة، الأمر الذي دفع لظهور حملة #BringBackOurGirls العالمية.
واليوم، ما زالت عشرات الآلاف من النساء والفتيات، ومعظمهن بين 16 و 30 عاماً، في انتظار الإدانة الدولية لمحنتهن، فضلاً عن الجهود التي تبذلها الحكومة النيجيرية لإعادتهن أخيراً إلى وطنهن.
وتشير المعلومات الاستخباريّة الجديدة إلى أن العديد من الضحايا، تلقين وعوداً كاذبة بالعمالة في قطاع الضيافة، لكن تمّ نقلهن إلى بيوت دعارة عبر أفريقيا. وقد تمّ اكتشاف أولئك المختطفات في بعثة لتقصي الحقائق قامت بها مؤخراً وكالة مكافحة الاتجار في نيجيريا والمنظمة الدولية للهجرة، التي تخطط الآن للقيام بمهام إنقاذ إضافية في بلدان أخرى في غرب أفريقيا، بما في ذلك غانا وبوركينا فاسو وساحل العاج.
عبودية جنسية
وقالت جولي أوكاه – دونلي، المديرة العامة للوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالأشخاص، إن فريق تقصي الحقائق من الوكالة والمنظمة الدولية للهجرة، قد كشفت عن مدى الاتجار خلال زيارة إلى جنوب مالي الشهر الماضي، حيث تمّ ترحيل عشرات النساء والفتيات من منطقة كانغابا في جنوب مالي في الأشهر السابقة. وقالت اوكه دونلي في مقابلة عبر الهاتف إن الفريق الذي ذهب إلى المنطقة للتحقيق وجد مئات أخريات محتجزات هناك. تقول دونلي: “تمّ إبلاغنا بشكل موثوق من قبل السكان المحليين، بأن لديهم أكثر من 200 مكان من هذا القبيل منتشرة حول الجزء الجنوبي من مالي. في كلّ من الأكواخ التي احتجزوا فيها، كان لديهم ما بين 100 إلى 150 فتاة في المنطقة. هذه هي الطريقة التي وصلنا بها إلى الرقم، حيث ما لا يقل عن (20) ألف امرأة محتجزة. إنهن محتجزات في ظروف شبيهة بالعبودية، لا يمكنهن الهروب لأنهن يُحفظن في أماكن بعيدة، مثل أعماق الغابات”.
وقالت أوكا-دونلي إن وكالتها قد اشتركت مع المنظمة الدولية للهجرة، التي رتبت إعادة 41 امرأة وفتاة من مالي إلى ديارهن في ديسمبر / كانون الأول الماضي، وهم يعملون على إعادة الأخريات إلى منازلهن.
تحد أمني
وعلى الرغم من أن العدد الهائل من الضحايا اللواتي تمّ كشفهن في مالي هو أمر مروع، إلا أن ظاهرة الاتجار بالجنس ليست كذلك: ففي كلّ عام، يتمّ تهريب عشرات الآلاف من النيجيريّين إلى أوروبا في المقام الأول، وعبر غرب أفريقيا. ويغادر الكثيرون منازلهم طواعية بحثاً عن وظائف ذات رواتب أفضل، حيث يفرّون من بلد يعيش فيه 70 بالمئة من السكان بأقلّ من دولارين في اليوم. واحد وتسعون بالمئة من ضحايا الاتجار في نيجيريا من النساء، حيث أبلغت 78 بالمئة منهن عن الاستغلال الجنسي على يد تجارهن.
لماذا محنة ضحايا الاتجار في نيجيريا مهمة؟ من المؤكد أن هذه الجريمة تشكل انتهاكاً مأساوياً للكرامة والحقوق الأساسية، وهي مصدر للغضب الأخلاقي. لكن الاتجار بالبشر ليس فقط قضية حقوق إنسان – بل هو أيضاً تحدٍ أمني. حيث تعمل عمليات الرق الحديثة على تمويل عصابات الجريمة والجماعات المتطرفة العابرة للحدود الوطنية، وتجني ما يقدر بنحو 150 مليار دولار سنوياً من أرباح الجناة، ما يجعل الاتجار بالبشر واحدة من أكثر الجرائم ربحيّة في العالم. تستفيد الشبكات الإجرامية في نيجيريا بشكل هائل: في الواقع، تُعرف منطقة واحدة من نيجيريا – ولاية إيدو – على أنها مركز للاتجار بالجنس.
كما أن الاتجار بالبشر يقوّض الأمن عندما تستخدم هذه الجريمة كتكتيك للحرب. في شمال نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد، تختطف بوكو حرام النساء والفتيات كاستراتيجية متعمدة لتوليد الدخل من خلال دفع الفدية، وتبادل السجناء وجذب قوات الأمن إلى كمين. منذ عام 2014، اختطفت المجموعة حوالي ألفي فتاة وصبي، استُخدم العديد منهم كمقاتلين وعبيد جنس ومفجرين انتحاريين.
كما أن الدمار الناجم عن العبودية الحديثة يضعف الثقة بالحكومة، ما يزيد من تآكل الاستقرار. في نيجيريا، يؤدي اختطاف عشرات الآلاف من النساء والفتيات إلى تفاقم تصورات حول الحكومة على أنها غير فعّالة. ويؤدي إهمال الثقة بالحكومة، بدوره، إلى تغذية مظالم أخرى ضدّ الدولة، الأمر الذي يزيد من احتمال انضمام المواطنين إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية، ويقلل من احتمال دعم محاولات الإصلاح الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي. وتتباين التداعيات الاجتماعية الأوسع نطاقاً عبر الأجيال، حيث أن الأطفال المولودين للفتيات اللواتي يأسرن من قبل الجماعات المتطرفة يوصمون “بالدماء السيئة” ويُحتمل أن يتعرضن للإساءة والتجهيل.
على الرغم من الآثار الأمنية للاتجار بالبشر، لم يتمّ عمل الكثير لمعالجة هذه الممارسة كتهديد – ليس فقط لحقوق الإنسان، ولكن أيضاً للاستقرار الدولي. وللتصدي لهذه الفجوة، يجب على الحكومات أن تعطي الأولوية للتحقيق في الشبكات المتطرفة والإجرامية المتطرفة التي ترتكب هذه الجريمة. كما ينبغي تدريب أجهزة إنفاذ القانون بشكل أفضل من خلال التعرف على ضحايا الاتجار بالبشر، ويجب أن يخضع المهربون للمساءلة – وكذلك أي مسؤولين عموميين قد يكونون متواطئين في الجريمة – وتقديم رعاية شاملة للناجين.
ونظراً للطرق العديدة التي يؤجّج بها الاتجار بالبشر الجريمة والتطرف، يجب معالجة هذه الآفة على أنها تشكل خطراً على الكرامة الإنسانية والأمن الدولي، ما يجعل سلامتنا الجماعية على المحك.
خاص “شبكة المرأة السورية”
المصدر: