Search
Close this search box.

تبدل الأدوار الاجتماعية، خطوة نحو الأمام أم أمر واقع؟

تبدل الأدوار الاجتماعية، خطوة نحو الأمام أم أمر واقع؟

دمشق – سلوى زكزك

الجندر هو الوظائف الاجتماعية التي يفرضها المجتمع  على مهام النساء والرجال في آن واحد.

بمواجهة الوظائف البيولوجية التي تخص  كلاً من الأنثى والذكر  بخصوصية لا يمكن الفكاك منها طالما لا يمكن الفكاك من الوظائف البيولوجية التي يفرضها الانتماء الجنسي على البشر.

فقد سامر عمله في قص الحجر في معمله الذي خرج عن الخدمة وبات مجرد أنقاض في منطقة باتت مغلقة وعصية على الوصول إليها وغادرها كل أهلها، في العام الأول باع سيارة البيك آب التي كانت مخصصة لنقل مكونات البلاط والرخام، متأملاً بانتهاء سريع للحرب وبعودة طبيعية إلى معمله، لكن القوة النارية تفاقمت واشتد سعير الحرب وبات توقع العودة ضرباً من الخيال أو من البلاهة المخادعة، قرر مع زوجته  إنشاء مطبخ صغير في بيتهما، أطفاله الثلاثة  يحتاجون الكثير وارتفاع الأسعار لا يرحم ولا يفكر بالهجرة أبداً.

في البداية اقتصر عمله على التسوق وإيصال المنتجات بسيارته الخاصة، لكنه بعد وقت قصير تخصص بصناعة الفطائر والبيتزا المنزلية والباذنجان المشوي،لا بل تولى عملية فرم كل الخضار المطلوبة للطبق الأشهر والمطلوب بغزارة وهو اليلنجي.

تبدل  في الوظيفة الاجتماعية التي كانت حكراً على زوجته  في المنزل وعلى النساء حتى في المطاعم أو في ورشات المطابخ الصغيرة، تبدلٌ فرضته الحاجة للعمل وانشغال الزوجة بتدريس الأطفال لأنه غير حاصل إلا على الشهادة الابتدائية وهو بالتالي عاجز عن تقديم أية مساهمة في هذا الدور الإنجابي الذي يندرج ضمن المهام النمطية التي يفرضها المجتمع على النساء.

إن التغير الطارئ على الأدوار الاجتماعية قد لايكون مؤشراً إيجابياً في كل الحالات، خاصة عندما تبرره الحاجة فقط ولا يتأصل في سلوك الناس ومفاهيمهم.

تعمل مريم في تزيين قوالب الكاتو في محل مشهور وبمنطقة مترفة، تسيقظ في الخامسة صباحاً لتعد الإفطار وإن كان متواضعاً لزوجها والسندويش لأبنائها الطلاب، تحاول أحياناً تحضير الطبخة ولو مكوناتها البسيطة، أو تنشر الغسيل، أعباء كثيرة جداً، المهم أنها تخرج في السادسة صباحاً وتعود في السادسة مساء، ليس الشقاء وحده من يدفع مريم للقول بأنه وعندما تنتهي الحرب ويعودون إلى قريتهم حيث يمللك زوجها أرضاً زراعية واسعة  وعدداً من المناحل تشكل مواسمها الوارد الاقتصادي الوحيد للأسرة، ستتوقف نهائياً عن العمل، حتى أنها لن تشارك مرة أخرى بقطاف الزيتون أو إعداد جزء منه للبيع، كما كانت تفعل قبل الحرب، لقد تعبت كثيراً  و(تبهدلت) حسب قولها وخاصة في الذهاب والإياب وفي شروط وطلبات المعلّم المهينة في أحوال كثيرة، وتردد الإنفاق هو مهمة الرجل  وحده.

إن تبدل الدور النمطي للنساء لم يتبدل خلال الحرب بانخراط النساء في عمليتي الإنتاج والإنفاق بحسب، بل تحولت النساء المنتجات إلى صاحبات قرار داخل أسرهن، ولم يعد سؤال الأم عن وجهة ابنتها حاضراً، هي من تعمل وتطعم الأفواه الجائعة التي غاب أبوها وعمها وجدها لألف سبب وفي أماكن متعددة كان تحت التراب  أحدها.

سيما فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، وجدت عملاً في محل لبيع الملابس الداخلية، شهران مرا على عملها ليرتفع مدخولها الشهري، خاصة وأنها وافقت على العمل بنوبتين صباحية ومسائية، ستة أشهر باتت هي من تتسوق من السوق المركزي ووطدت علاقاتها مع تجار المفرق ومع تجار الجملة ومع مندوبي البيع للشركات المنتجة أو المستوردة للملابس الداخلية النسائية، صار اسمها ملكة السوق، وأصبحت ملكة حتى في بيتها، قرارات كبيرة أنيطت بها، تغيير السكن، متابعة بنت الأخ للدراسة، رفض العريس المتقدم لبنت الأخت لأنه بلا عمل دائم، قرار إجراء عملية تبديل المفصل لوالدتها، قرارات لم تكن فقط بفضل الدخل الذي تؤمنه سيما، بل بفضل انغماسها بعالم قاس وصعب ومليء بالحيتان، استفاق حس المسؤولية ونضج بعد أن كانت مجرد طفلة منزوية لا خيار لها حتى في لون شحاطة البيت، والأهم أنها باتت قدوة وتدافع عن بنات ونساء العائلة وتمنحهن كل مقومات التحكم بمصائرهن ورسم خطوات حيواتهن.

مخطئ من يظن  أن الرجال قبل الحرب كانوا في منتهى الكرم واللطف والمسؤولية وأن الحرب وحدها من فرضت عليهم هذا العسر وهذا التغير السلوكي، منذ دهور والخادمات المنزليات يعملن  في البيوت ورجالهن ينتظرهن لقبض أجرة عملهن، منذ دهور والنساء محرومات من الملكية ومن الإرث، وما الحرب إلا كاشف ومكثفٌ لإعلان القهر وتبيان مناحي الظلم والعسف والتمييز وكله مستند إلى الصورة النمطية المكرسة لأدوار اجتماعية باتت تقليدية وتتماشى مع العرف العام، بل تحولت إلى جزء كبير منه.

في المشفى يرافق أمجد زوجته للولادة، مشهد كان حكراً على الام والحماة، يقود أيهم عربة والده المقعد جراء إصابته بجلطة دماغية، يطعمه، يمسح له وجهه، ويبدل له الحفاض، مهمة كانت منوطة فقط بنساء الأسرة، أم أو زوجة أو ابنة وحتى الكنة، لكن أم أيهم تعمل في شك الكنزات الصوفية بالخرز وأخته تعمل مرافقة لسيدة عجوز وحيدة وتعيش معها.

الأهم في تبدل الأدوار الجندرية هو طي صفحة الماضي وإحداث قطيعة مع كل المعيقات التي تحقق المساواة سعياً نحو المشاركة المتساوية والفعالة للنساء والرجال معاً، بدءاً من خيار الإنجاب وعدد الأطفال ورغبة الأم والأب معاً وسؤال المقدرة على الإعالة أولًاً، وحتى صياغة المستقبل المشترك معاً، ومعاً.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »