Search
Close this search box.

تنامي ظاهرة العنف الأسري في سوريا على وقع الحرب

تنامي ظاهرة العنف الأسري في سوريا على وقع الحرب

سونيا العلي

خرجت سوسن، 25 عاماً، عن صمتها وتركت بيت زوجها، لكنها لم تقصد منزل أهلها، بل سافرت إلى تركيا خوفاً من إجبارها على الرجوع إليه كما فعلوا مراراً في السابق، وذلك بعد أن ضاقت ذرعاً بالعيش مع زوجها الذي يعنفها باستمرار بالضرب والشتم والتأنيب .
سوسن واحدة من آلاف النساء السوريات اللواتي يتعرضن للعنف الأسري الذي ازدادت وتيرته في ظل الحرب. هي من ريف إدلب الشمالي وتتحدث عن معاناتها مع زوجها بالقول: “لم يكن من السهل علي اتخاذ ذلك القرار، لكنني صبرت كثيراً على سلوك زوجي العدواني، فقد كان يضربني باستمرار، كما تعرضت للإجهاض في إحدى المرات نتيجة الضرب الذي لقيته منه، لذلك قررت ترك المنزل دون عودة لأضع حداً  لمأساتي”.
سعاد (٢١عاماً)، من ريف سراقب كانت ضحية العنف الأسري، لأنها كتمت أوجاعها وإساءة زوجها لها، وعن ذلك تتحدث لشبكة المرأة السورية قائلة: “كان زوجي يسيء معاملتي ويلجأ إلى ضربي وإهانتي، لكنني كنت أصبر وأتحمل لأحافظ على أبنائي من الضياع، ولكن في إحدى المرات وأثناء خلاف بيننا، لجأ إلى تهديدي بسكين المطبخ، وعندما حاولت سحبه من يده قام بطعني في يدي وقدمي، وبعد خروجي من المشفى قصدت بيت أهلي وأسعى الآن للانفصال عنه”.
تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا ساعد في ازدياد ظاهرة العنف الأسري، حيث أدت الحرب إلى نشوء أزمة اقتصادية كبيرة لدى المواطن السوري، حيث يعيش نحو ٧٠ بالمئة تحت خط الفقر، إضافة إلى ظروف النزوح والتشرد وما يرافقها من ضغوطات نفسية، ناهيك عن انتشار السلاح بأيدي العامة.
“بعد نزوحنا من منزلنا في ريف حماة إلى المخيمات العشوائية زادت الخلافات بيني وبين زوجي، وأصبحت حياتي جحيماً لا يطاق”، تقول أم عدنان متحدثة عن معاناتها وتضيف: “منذ زواجنا وأنا أتحمل مزاجه وعصبيته وأصبر على ذلك، ولكن بعد نزوحنا زاد الأمر سوءاً، أهلي في ألمانيا، ولا سبيل إلى اللحاق بهم، لذلك ليس أمامي سوى الصبر والتحمل”.
كذلك أم فادي (٢٩عاماً)، من معرة النعمان، عانت من الظلم على يد زوجها بعد انضمامه إلى إحدى الفصائل العسكرية وحصوله على السلطة والنفوذ، تتحدث لشبكة المرأة السورية عن معاناتها قائلة: “انضم زوجي إلى إحدى الفصائل العسكرية وكثرت الأموال بين يديه، وفاجأني برغبته بالزواج من أرملة صديقه للستر عليها وتربية أولادها، وعندما رفضت ذلك، طلقني ومنعني من حقي في حضانة ولدي باعتباره فوق الحق والقانون لم أستطع أن أحصل منه أي شيء من حقوقي”.


كما تتعرض المرأة في سوريا إلى العنف الاقتصادي كالتحكم في صرفها لأموالها أو حرمانها من حقها في الميراث، حيث تعمد الكثير من الأسر السورية إلى عدم إعطاء النساء حقهن، ولوم المجتمع لها في حال تقديم شكوى لتحصيل حقها.
أم علاء (٤١عاماً)، من معرة النعمان، لم تتمكن من الحصول على حصتها من إرث والدها وعن ذلك تقول: “بعد وفاة زوجي طالبت إخوتي الثلاثة بحصتي من إرث والدي لشراء منزل يؤويني، لكنهم رفضوا ذلك بذريعة العيب الاجتماعي وبأنني يجب أن أعيش مع أحد الإخوة، كما لم أتقدم بشكوى ضدهم خوفاً من المجتمع وعدم إنصاف القانون لي”.
المرشدة الاجتماعية نورة القصاص (٣٢عاماً)، من مدينة إدلب، تتحدث عن ظاهرة العنف الأسري بقولها: “النساء عادة لايتجرأن على إخبار أسرهن عن الاعتداءات التي يمارسها الأزواج خوفاً من إلقاء اللوم عليهن وتصنيفهن في عداد الزوجات غير الصالحات من قبل الجيران والمجتمع”.
وتشير القصاص إلى ازدياد نسبة المعنفات في المجتمع السوري لأسباب كثيرة تتعلق بالظروف الحياتية والمعيشية والضغوط النفسية التي خلفتها الحرب، كما تختلف طرق التعاطي مع قضية العنف باختلاف النساء، ولكن معظم النساء لا يدافعن عن حقوقهن ويلجأن إلى السكوت والرضا إزاء التعرض للعنف بسبب نظرة المجتمع، وإيمانهن بغياب العقوبات الرادعة والجهات التي تدعم حقوقهن، لذلك تحتاج المرأة السورية لتحسين واقعها رغم أن الخطوات لا تزال طويلة نحو الحد من ظاهرة العنف الأسري في ظل غياب القوانين التي تمنع المعنفات من الوصول للعدالة.
كذلك ظهر العنف الأسري في سوريا من خلال حرمان الفتيات من التعليم وإجبارهن على ترك المدرسة.
علا الأحمد (١٤عاماً)، من مدينة إدلب، أجبرها والدها على ترك المدرسة للزواج من ابن عمها وعن ذلك تقول: “ضاعت أحلامي سدى ولم يعد لدي أمل بالمستقبل، فقد كنت متفوقة في دراستي وأسعى لإكمال تعليمي، لكن والدي أجبرني على ترك المدرسة والزواج لأنه يؤمن أن الفتاة من بيت زوجها إلى قبرها، ولا فائدة من تعليمها”.
كذلك الأطفال ليسوا بمنأى عن آثار العنف الأسري ونتائجه السلبية، حيث ينشأ الخلاف بين الأب والأم، وقد يصل إلى الطلاق فيضيع الأطفال، وقد يتولى رعايتهم من لا يرحمهم كزوجة الأب.
الطفل أحمد (١٠سنوات)، من بلدة تلمنس بريف إدلب، يتعرض للعنف الأسري من والده وزوجته، وعن ذلك يقول: “أعيش عند جدتي ولا أريد العودة إلى منزل أبي، لأنه بدأ يقسو علي كثيراً بعد انفصاله عن أمي، كما تلجأ زوجته لضربي وحبسي وتمنعني في كثير من الأحيان من تناول الطعام، كما أجبرتني على ترك المدرسة لأعمل وأساعد والدي في تأمين مصروف المنزل، وتمنعني من زيارة أمي التي اشتقت إليها كثيراً”.
الرسامة آلاء الخضر(١٨عاماً)، من مدينة حلب، أقامت أول معرض ضد العنف الأسري في مدينة الباب شمالي سوريا تحت عنوان (لا للعنف الأسري) بهدف توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة وما تسببه من مشاكل اجتماعية ونفسية، وعن ذلك تقول: “اللوحات التي قدمتها بسيطة فنياً لكنها تحمل الكثير من الدلالات والأفكار، وكل لوحة في المعرض لها قصة خاصة من حياتي الشخصية، وأريد أن تكون وسيلة في معالجة قضية العنف الأسري، وبناء مجتمع بعيد عن العنف، وجيل واع وقادر على كسر النمطية في العادات والتقاليد البالية التي يمكن أن تؤثر في الأجيال اللاحقة”.
الحرب في سوريا لم تطل الأرواح فقط، بل أثرت أيضاً على علاقة أفراد الأسرة فيما بينهم، يساعد في ذلك قلة الوعي والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، والتي تتطلب من الرجل قدراً من الرجولة في قيادة أسرته من خلال العنف والقوة، وذلك أنهما المقياس الذي يبين مقدار رجولته وإلا فهو ساقط من عداد الرجال .

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »