إعداد: مي عادل
بينما كنا نسير في طرق الرقة، فاجأنا شيئان، فقد سمعنا الموسيقى، وواصلنا السير على الأقدام باتجاه مصدرها بسبب إغلاق الأمن الطريق أمام السيارات. في طريقنا نحو الموسيقى رأينا الشاحنات الصغيرة التي تنتظر جانباً، ودخلنا إحدى البوابات لنرى ما كان يحدث.
طلعت في وجهنا موجة فرح نقية، فرح معد بما يكفي لسحق تعب الحرب. رجال ونساء يرقصون على موسيقى صاخبة. هذه الرقة اليوم. كانت تلك أول مفاجأة.
المفاجأة الثانية أنني لاحظت وجود الكثير من قوات الأمن: عند المدخل، على المنصة، فوق أسطح المنازل، في كل مكان حولنا، وهم يمشون في الشوارع. لكن لم يكن أي منهم يبدو وكأنه سافر من على بعد آلاف الأميال ليصبح هناك كرجل أمن، فهؤلاء الناس ينتمون للمدينة.
وصلنا ذلك الصباح لحضور افتتاح مجلس نساء الرقة. إنه مجلس للنساء، في المدينة التي كانت النساء تُباع وتُشترى في الشوارع من قبل داعش ذات مرة، في مدينة ظلّت حتى نوفمبر / تشرين الثاني تحت سيطرة المتطرفين العنيفين، الذين جعلوا الاستعباد الجنسي للنساء مسألة أساسية في ممارساتهم الفظيعة.
بداية جديدة
بصراحة ، لم أتوقع الكثير من هذا الحدث. فقد شهدت الكثير من هذه المناسبات حول العالم لكن في النهاية من كان يقرر على أرض الواقع هم الرجال الجالسون في غرف مغلقة. لكن كان الأمر مختلفاً في تجربة مجلس نساء الرقة. وهو أمر يعبر عن روح شعب الرقة وعمل قوات الأمن المحلية، التي تؤمن الآن المنطقة، وبالتالي تقوم القوات الأمريكية بحمايتها. الأمر الذي تفتقده الرقة هو مجتمع دولي جاهز لاستثمار الدولارات في إعادة بناء المدينة، بينما لا تزال الحرب تطحن أجزاء أخرى من البلاد. هذه الدولارات ضرورية لضمان الحفاظ على المكاسب التي يتم تحقيقها الآن والبناء عليها ومضاعفتها. لكن هذا لم يكن في حسبان نساء الرقة، حيث كن يعشن بداية جديدة.
ذهبنا إلى هذا الحدث لمتابعة ما وصلت إليه الأمور بعد زيارتنا السابقة، التي أظهرت علامات تقدم للنساء هنا. وفي نيسان / أبريل، قمنا بزيارة مجلس نسائي محلي في شارع جانبي من الرقة، وشعرنا بالدهشة أيضاً مما رأيناه. جلست هناك مجموعة من النساء من جميع أنحاء الأحياء التي عادت للتو إلى الحياة وتجمعن معاً للحديث حول ما يردن من أجل مستقبل أسرهن ومستقبل المدينة.
وبعد أربعة أشهر – وقبل يومين من الموسيقى الصاخبة عند افتتاح المجلس – توقفنا لرؤية المبنى في مركز الرقة حيث سيكون مقر مجلس النساء الجديد. كانت النساء مشغولات بالتحضيرات للاحتفالات الافتتاحية، ومشاركة قصصهن.
“جمعت داعش ثلاثة من أقارب زوجي”، قالت جمان، عضو مجلس النساء. “كان لهؤلاء الرجال الكثير من الأطفال الذين نهتم بهم. هربنا من الرقة وانضم زوجي إلى (القوى الديمقراطية السورية)، وانضممت لاحقاً إلى مجلس نساء تل أبيض”.
تتابع جمان: “صادفت امرأة شاهدت داعش وهم يقطعون رأس زوجها في ساحة نعيم، كل ما نقوله عن داعش ليس كافياً.”
دعم عائلي
سألت جمان عما إذا كان زوجها يدعمها في عملها الحالي في المجلس، فأومأت بقوة، وقالت: “أنا هنا مع زوجي ودعم والدي، قبل تنظيم الدولة الإسلامية، لم ألعب أي دور خارج منزلي، لا أعتقد أن ذلك كان سيحدث بدون داعش”.
درست ريم، وهي عضوة أخرى في مجلس المرأة من الرقة، الهندسة الزراعية في الجامعة في المدينة قبل أن تفر من داعش إلى مكان آمن في الداخل. “كانت عائلتي مرعوبة”، قالت وهي تقف بالقرب مني لكن لا تتعرق على الإطلاق رغم الحرارة والعرق الذي يدمر جبيني. “لم نذهب حتى إلى الخارج”.
قُتلت إحدى صديقاتها من قبل داعش وتم اعتقال جار لها، كما تقول ريم. لم تتعرف على الرقة عندما عادت من بلدة الطبقة، وهي البلدة التي هربت إليها عائلتها في أغسطس / آب 2017.
“في كانون الثاني / يناير، شاهدت المدينة وقد تحولت إلى أنقاض، عبوات ناسفة، لا ماء، ولا كهرباء، تقول ريم: “لقد كانت مدينة أشباح”. وتتابع ببطء: “لقد تغيرت الأمور. لقد تغيرت. المزيد والمزيد من الناس يعودون. وأنا أعمل في مجلس النساء من أجل توفير الفرص الاقتصادية للنساء، هناك فرق كبير بين رقة اليوم مقارنة بالفترة التي عدت فيها للمرة الأولى قبل ثمانية أشهر، يشجعني والداي على أن أكون جزءًا من هذا المجلس، وهذا أمر مهم؛ نحن بحاجة إلى أن نكون جزءاً من بناء بلدنا، وأنا متشوقة للغاية”.
الرقة الآن موطن لعدد ضخم من الأرامل، تقول ريم: “المدينة بحاجة إلى كل شيء: إعادة البناء، وإعادة البناء، والاستثمار. وهي بحاجة إلى نساء يمكنهن العمل والمساهمة في إعالة أسرهن، الاقتصاد هو الأهم، عندما يكون لديك اقتصاد قوي يمكنك بناء بلدك”.
سابقاً، كان يتم استبعاد مثل هذه المشاريع، (مجلس المرأة)، بهدف الدفع ليكون للنساء مكان في مجلس الرقة المدني، الذي يعمل الآن كقائد إداري للرقة، لأنهم كانوا يعتبرونه مشروعاً كردياً يعمل على تحجيم العرب. تستهجن وردة افتراضي هذا، مثل غيرها من النساء اللاتي طرحته عليهن في الرقة: “ليس صحيحاً أنه مشروع كردي، إذا كان مشروعاً كردياً فماذا أفعل هنا؟ المجلس ليس فقط للأكراد أو العرب، ولكن أيضاً للآشوريين والتركمان”.
وهكذا، وبعد يومين، عندما استمعنا إلى الخطب وشاهدنا الرقص وسمعنا الموسيقى، تحدثنا كثيراً إلى نساء الرقة اللواتي التحقن بالأمن المحلي. التقطنا الصور، في محاولة لتسجيل لحظة تعبر عن تحمل هذه المدينة التي شهدت الكثير.
في الوقت الذي لم يتمكن فيه العالم من اللحاق بالرقة، ولم يستثمر في العمل الجاري الآن، إلا أن المدينة تبذل قصارى جهدها للتطلع إلى الأمام. للبدء مرة أخرى. ويمكن للمجتمع الدولي أن يتعلم الكثير ببساطة من خلال رؤية قوتها في العمل.
خاص “شبكة المرأة السورية”