سنا السلام – ريف حلب الشمالي
لم يستثنِ الحصار الذي فرضه نظام بشار الأسد على منطقة الغوطة الشرقية قبل السيطرة عليها بداية الربيع الماضي أي جانب من جوانب الحياة، فالحصار الذي استمر قرابة خمسة أعوام فتك بأعداد كبيرة من المواطنين جوعاً وبرداً، لكن الجانب الصحي والطبي كان الأقسى على السكان. فقد منع نظام الأسد دخول أي نوع من أنواع الأدوية أو المستحضرات الطبية أو أي جهاز طبي من الممكن أن يستعمل بغرفة العمليات داخل المشافي، خلق هذا الحصار الخانق أزمة طبية وصحية كبيرة في الغوطة الشرقية أودت بحياة عشرات المواطنين، والذي كان من الممكن أن ينجوا لو توفرت لهم بعض الأدوية أو بعض الأدوات، حيث انتشرت حالات البتر للأطراف غير المبرر بشكل كبير نتيجة النقص الحاد في أطباء الأوعية الذي خرج معظمهم من الغوطة قبل حصارها.
حالات كثيرة أُوقف علاجها لسنوات طويلة داخل الغوطة وجدت بمأساة التهجير فسحة أمل لإكمال علاجها؛ لكنها انصدمت بضعف الواقع الصحي في الشمال السوري أيضاً وبجدار اسمنتي عازل يحول دون وصولهم إلى تركيا للعلاج هناك.
الحالات الباردة
ورغم تسهيلات السلطات التركية بهذا المجال حيث يُسمح للحالات الطارئة بدخول إلى تركيا والعلاج ضمن تلك المشافي إلا ان هذه التسهيلات لم تشمل جميع الحالات ولا سيما تلك المصنفة بالحالات الباردة.
والحالاتُ الباردة هي تلك الأمراض والإصابات التي يستطيع المريض التعايش معها أو التي يرتأي الأطباء السوريين والأتراك أنه من الممكن علاجها في مشافي الشمال السوري. لكن عدداً كبيراً من المصابين بتلك الحالات الباردة لم يحصلوا على العلاج المطلوب رغم مضي أكثر من خمسة أشهر على وجودهم في الشمال السوري متشبثين بأمل العلاج في المشافي التركية.
يروى سعيد الشاب الثلاثيني المهجر ابن مدينة دوما من خيمته في أحد مخيمات مدينة الباب بريف حلب الشرقي تفاصيل منعه من الخروج إلى تركيا لاستكمال عملية بتر أحد قدميه، فسعيد كانت أكبرُ آماله حين صعد حافلة التهجير استدراك ما تبقى من ساقه. أصيب سعيد بقصف جوي قبل عامين بينما كان يتبرع بالدم لأحد النقاط الطبية في مدينة دوما حيث قصفت الطائرات الروسية النقطة الطبية فأصابت العشرات. كان نصيب سعيد شظايا بقدمه اليمنى، التي عولجت بشكل بدائي جداً، في يوم انهالت فيه عشرات الإصابات على النقاط الطبية. وبعد أيام شعر سعيد بأنّ أصابته ليست بسيطة كما عولجت، فأضطر لبتر قدمه من عند الكاحل في المرة الأولى وثم بدأت الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية والتي أفضت بعد شهر لتهجير عشرات آلاف السكان إلى الشمال السوري.
حسب سعيد أن مشكلته قد تنتهي بأقل الخسائر بمجرد خروجه للشمال السوري، ومن ثم تركيا، لكن الأطباء قرروا أن حالته مصنفة من الحالات الباردة مع عملية جديدة لقدمه تحت اسم تصحيح البتر، فبتر جزء من ساقه.
لا يزال سعيد ينتظر أي إحالة من أي مشفى في الشمال السوري تنقله إلى تركيا لاستدراك ما تبقى من ساقة وخوفه الوحيد أن يفاجئ بعملية جديدة لتصحيح البتر.
مرض غريب
تختلف حالة الطفلة ماريا مع ابن مدينتها سعيد، فماريا البالغة من العمر تسع سنوات فقط بدأ مرضها بطفح تحسسي جلدي بسيط لم تعرف أسبابه الأساسية، بدأ التحسس قبيل هجوم قوات النظام الأخيرة على الغوطة الشرقية بهدف استعادتها، والذي انتهى باستهداف النظام لمدينة دوما بالسلاح الكيماوي. كانت ماريا من بين المصابين بحالات الاختناق لكن مشكلتها لم تتوقف على الاختناق وحسب حيث أسهمت الغازات الكيماوية بزيادة الطفح الجلدي بجسمها بشكل كبير.
انتقلت الطفلة مع أسرتها إلى الشمال السوري ضمن حملة التهجير المعروفة وبدأت رحلات العلاج ضمن مشافي ريف حلب الشمالي والشرقي.
لم يستطع أطباء الشمال تحديد ماهية التحسس ولا الحد منه حتى الآن، وبعد مرور خمسة أشهر من وصول ماريا إلى الشمال السوري لم يستطع والدها ايجاد أي وسيلة لنقلها إلى أحد المشافي التركية، حيث يرى الكثير من الأطباء والخبراء أن حالة الطفلة الغريبة يمكن أن يوجد لها حل في تركيا، لكن ماريا تبقى أيضاً من الحالات الباردة.
يتأمل الكثير من المرضى والمصابين أمثال سعيد وماريا بالمشاريع الصحية التي تعتزم تركيا إنشاءها في مناطق درع الفرات بريف حلب، حيث يتم التأسيس لعدة مشاف كبيرة مجهزة بالمعدات المتطورة أبرزها الراعي والباب، والتي ستنوب عن المشافي المحلية الصغيرة الموجودة في تلك المدن والبلدات. لكن تلك الخطوة لم تبصر النور بعد ولا تزال قيد الإنشاء حتى الآن فيما يشكك بعض المواطنين بقدرة تلك المشافي على إيجاد حل جذري لنقص الأطباء والفنيين الاختصاصين الذين فر معظمهم من سوريا بشكل عام منذ بداية الحرب في سوريا.
خاص “شبكة المرأة السورية”