Search
Close this search box.

قصة “أم” لا يمكن نسيانها

قصة “أم” لا يمكن نسيانها

مي عادل

بعض القصص لا تتركك، لا يمكنك نسيانها رغم مرور فترة طويلة على روايتها، وتتساءل في كثير من الأحيان كيف انتهت؟

هذه واحدة من تلك القصص، لكن ليس لديها حتى الآن أية نهاية.

الهروب من مدينة مزقتها الحرب

التقيت بتول الصيف الماضي خارج مدينة الرقة السورية، المدينة التي كان يطلق عليها داعش عاصمته. هربت من مدينتها وهي حامل في شهرها الثامن هرباً من الغارات الجوية للتحالف بهدف هز داعش في معقلها، متحدية قناصة داعش والألغام الأرضية التي زرعوها لمنع المدنيين من المغادرة. قادت أطفالها الثلاثة الصغار وزوجها المريض عقلياً للخروج من المدينة بعيداً عن الخطر.

قالت إنها كانت تشعر بالرعب، لكنها مضطرة للخروج، من أجل الطفل الذي كانت تحمله – وأطفالها الثلاثة الذين كانت تمسك بأيديهم.

هربوا من الرقة في وقت مبكر من صباح أحد الأيام في موكب من عدة عائلات ​​يبحثون عن الأمان وفرص البقاء، وقد انفجرت السيارة التي خلفهم عندما مرت فوق متفجرة زرعها داعش.

تقول بتول: “الأمر الذي دفعني للمغادرة هو طفلي، كنت خائفة من الولادة في الرقة، كنا خائفين على أنفسنا وعلى أطفالنا بعد معاناتنا تحت حكم داعش”.

في السنوات التي سبقت هروبها من الرقة، بينما كان داعش متجذراً في المدينة، قامت سلطات داعش بسجن زوجها بسبب جريمة محاولة إعالة أسرته عن طريق بيع السجائر. اعتنت بأطفالها لمدة أربعة أشهر، حيث عملت كخادمة تنظيف، وناشدت داعش لتحرير زوجها من الأسر. في النهاية دفعت 1200 دولار لإطلاق سراحه.

وفي إحدى المرات، كانت تصطحب ابنتها المريضة إلى الطبيب عندما شاهدتا حادثة قطع رأس. حاولتا الهرب من عرض الموت الذي لا يوصف، لكن ابنتها لم تستطع نسيان ما رأت، ولا يمكن لها.

في الوقت الذي وصلت فيه الأسرة إلى مخيم النازحين من الرقة، لاحظت وجود آلاف الأشخاص من مدينتها. وبعد أسابيع قليلة فقط، أنجبت طفلة صغيرة كانت تزن ثلاثة أرطال فقط.

تقول بتول: “لقد تعب الشعب السوري، وخاصة أبناء الرقة. عانينا الكثير تحت سيطرة داعش، ونأمل في العودة”.

وقالت إنها تريد العودة إلى الرقة، لكن ليس تحت حكم داعش. فهي تريد العودة إلى مستقبل مختلف وحياة مليئة بالأمل والفرح، وليس الموت والحرب والشنق وقطع الرؤوس.

انتهينا من قصتنا، فعدت إلى وطني، وبعد ثلاثة أشهر قامت القوات المدعومة من الولايات المتحدة بتحرير الرقة من داعش.

فكرت في بتول. كيف هي؟ كيف هم أطفالها؟ كيف هي طفلتها الرضيعة الصغيرة، التي كانت أصغر بكثير من جميع الأطفال حديثي الولادة الذين اعتدت على رؤيتهم في الوطن في الولايات المتحدة؟ كيف كانت تدير كل ذلك؟

العودة الى سوريا

بقيت بتول في ذهني، وبعد ستة أشهر، في أوائل شباط / فبراير، عدت إلى سوريا لإجراء بحث من أجل كتابي القادم. أخبرت زميلي السوري أنني أردت العودة إلى المخيم لمعرفة ما إذا كانت بتول ما زالت هناك. قال لي إن: “الاحتمالات ضئيلة. من المؤكد أنها ذهبت إلى المنزل أو غادرت المخيم من أجل الوصول إلى وجهة جديدة. وحتى لو كانت لا تزال هناك، فقد امتد المخيم إلى بلدات المدينة وأصبح الآن موطناً للآلاف. كيف سنجدها؟”

قررنا أن نحاول، فاتجهنا إلى مخيم النازحين. لقد غادره الكثير من أهالي الرقة، وكان يبدو وكأن مدينة بأكملها قد نشأت في المخيم خلال النصف سنة التي مضت على زيارتي الأخيرة. كان هناك الكثير من أهالي مدينة دير الزور، حيث يستمر القتال مع داعش. عرضنا صورة بتول، التي التقطتها لها بهاتفي الجوال  الصيف الماضي، على عدد قليل من الأشخاص المسؤولين عن المخيم. وجهونا نحو خيمة في نهاية صف طويل.

“دقيقة واحدة فقط”، قال صوت من الداخل عندما اتصل مدير المعسكر مرحباً. بعد لحظات، خرجت امرأة إلى الممر المزدحم في المخيم. كانت بتول.

الحياة في طي النسيان بعد داعش

في تلك اللحظة، لم أشعر بأي مسافة، مجرد شعور بالفرح وأنا أعانقها – امرأة، أحد الناجين، أم، التي كنت أفكر في مصيرها في كثير من الأحيان. تحدثت كثيراً وأظهرت لي طفلة سعيدة وممتعة وصحية – كانت خيمتها دافئة مع مدفأة اشترتها من خلال وظيفة كانت تحبها مع جمعية خيرية هناك في المخيم، بينما كان أطفالها في الصف في المدرسة القريبة. أخبرتني بتول إنهم لم يكونوا أحياء فقط، بل كانوا ناجحين. “على مدى خمس سنوات، لم تكن هناك كتب ولا معلمين”، كما تقول، مشيرة إلى أطفالها وهم يركضون حول الخيمة. كان يوم الجمعة، يوم عطلتهم. “الآن هم يتعلمون”، قالت. وهي تحلم بأن يصبحوا معلمين، “لا أريدهم أبداً أن يعودوا إلى تلك الأوقات المظلمة”، كما تقول عن الحياة في ظل داعش. لكن أسرتها لا تستطيع العودة إلى المنزل الآن لأنه لا يوجد بيت تذهب إليه. فقد اكتشفت قبل بضعة أشهر أن الغارات الجوية أصابت منزلهم، “كان مشهداً حزيناً للغاية”، كما تقول عن عودتها إلى الشارع القديم بعد التحرير. رأت جثثاً في الشارع وقيل لها أن هناك ألغاماً في كل مكان – في الثلاجات وغلايات الشاي في جميع أنحاء الرقة. “بكيت. لقد شعر زوجي بالمرض، فقلت له: (لا تقلق، أشكر الله أننا على قيد الحياة)، الشيء الأكثر أهمية هو أننا تحررنا من داعش.” هي سعيدة لمستقبل خالٍ من داعش، على الرغم من أن الحملة العسكرية للتحالف سوت منزلها، كما تقول، كانت الضربات الجوية ضرورية بلا شك. “لا أحد يستطيع أن يهزم (داعش) دون ضربات جوية”. وتقول: “إن الغارات الجوية جعلتهم يغادرون. لدي أمل في حياة أفضل، نحن في مكان آمن، ونتخلص من القمع. لا يمكننا العيش في المستقبل مثلما فعلنا في ظل داعش. لقد دمروا كل أحلامنا.” مواطنو الرقة مستعدون لاستئناف حياتهم، حتى لو فقدوا منازلهم. فهم يريدون المضي قدماً بعد سنوات عديدة تحت العلم الأسود من عهد داعش. لكن العالم الذي تدخل لإنهاء حكم داعش لا يستطيع التخلي عن الرقة الآن، بعد تدمير المدينة، فمن سيعيد بناءها؟ تختم بتول بقولها: “ليس لدينا أي شيء، تقع على عاتق العالم مسؤولية مساعدتنا. حاولت أسر الرقة القيام بدورها بالطبع، وإعادة البناء، لكنهم لم يتمكنوا من إعادة تشغيل المدينة المدمرة”.

المصدر:

https://edition.cnn.com/2018/02/20/opinions/batoul-raqqa-opinion-lemmon/index.html

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »